التفاؤل والواقعية لدى بيل غيتس

epa03282446 Bill Gates, former CEO of Microsoft and co-chair of the Bill and Melinda Gates Foundation, speaks at the Association of Public and Land-Grant Universities (APLU) convocation to mark the 150th Anniversary o
undefined

يتحدث الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت الأميركية بيل غيتس عن الواقعية والتفاؤل، خاصة في مجال التقنية ودورها في تطوير حياة الناس وتحسين ظروفهم الإنسانية، ويؤكد غيتس، الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية، على قناعته بأن الناس سيتمكنون مستقبلا من استخدام التقنية الرقمية من أجل الابتكار بالنيابة عنهم. وتاليا نص المقال كاملا:

عادة تستخدم كلمتا "التفاؤل" و"الواقعية" من أجل وصف نظرتين مختلفتين للحياة، ولكني أعتقد أن التقييم الواقعي للظرف البشري يجبرنا على اتخاذ نظرة عالمية متفائلة. أنا متفائل على وجه الخصوص بإمكانيات الابتكار التقني في تحسين حياة أفقر الناس في العالم، وهذا سبب قيامي بالعمل الذي أقوم به.

رغم ذلك خففت الواقعية من تفاؤلي بشأن جانب يتعلق بالتقنية والتنمية العالمية، وهذا الجانب هو فكرة أن الهواتف النقالة ستحدث ثورة في حياة الناس في البلدان النامية. لقد اعتقد الكثير من الناس قبل عقد من الزمان أن انتشار أجهزة الهواتف النقالة في أفريقيا تعني قفزة سريعة للتمكين الرقمي، وهذا لم يحصل، فالتمكين الرقمي يعد عملية طويلة ومستمرة ووجود تقنية الهواتف النقالة بحد ذاتها لا يغير على الفور في الكيفية التي يحاول بها الفقراء تلبية احتياجاتهم الرئيسية.

لكن الآن وبعد سنوات من الاستثمار هناك عملية جارية للتمكين الرقمي، حيث يعود ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك زيادة تغطية الشبكات والمزيد من الأجهزة البارعة والزيادة في قائمة التطبيقات.

وبينما تزداد قدرة الناس على الوصول لتقنية رقمية أفضل وأرخص فإننا نصل في نهاية المطاف لنقطة تحول، وهي أن فوائد توفير خدمات رقمية مثل الخدمات المصرفية والرعاية الصحية تتفوق على التكلفة، وعندئذ ستكون الشركات راغبة في عمل الاستثمارات المطلوبة من أجل عمل أنظمة جديدة، ويكون العملاء قادرين على قبول تكلفة التحول، وذلك عن طريق تبني سلوك جديد.

هناك العديد من البرامج الناجحة على نطاق صغير باستخدام الهواتف النقالة ولكن من الصعوبة بمكان العثور على أمثلة على برامج على نطاق كبير ويمكن استدامتها ذاتيا وتحركها التقنية الرقمية

تجربة جديدة
لو نظرنا إلى مثال "إم-بيسا"، وهي خدمة مصرفية عبر الهاتف النقال في كينيا تسمح للناس بإرسال الأموال من خلال الهواتف النقالة، لوجدنا أن "إم-بيسا" احتاجت للاستثمار في بناء محلات يستطيع الناس أن يذهبوا إليها لتحويل النقود التي يكسبونها لنقود رقمية (ولنقود مرة أخرى). إن هذه البنية التحتية على أرض الواقع ستكون ضرورية، وذلك حتى يأتي اليوم الذي تصبح فيه الاقتصادات من دون مبالغ نقدية بالكامل، وهذا سيحتاج عقودا من الزمان.

من دون نقاط صرف نفود في كل مكان فإن "إم-بيسا" ستكون مثلها مثل الطرق التقليدية في نقل الأموال، وفي الوقت نفسه كان من المستحيل إقناع محلات التجزئة بأن يصبحوا نقاط صرف نقود ما لم يكن هناك عدد كاف من زبائن الخدمة من أجل أن تكون العملية مربحة لهم.

إن مثل هذا النوع من الاستدامة الذاتية هو بالضبط ما قمنا بعمله في مايكروسوفت في السنوات الأولى من الحاسوب الشخصي حين لم يكن أي شخص يريد جهازا ما لم يكن هناك برنامج حاسوب، ولم يكن هناك أحد يريد أن يبتكر برامج حاسوب من دون أجهزة. لقد أقنعت مايكروسوفت شركات مكونات الحاسوب الرئيسية وشركات برامج الحاسوب بالرهان على الحجم المستقبلي عن طريق إظهار كيف أن منهجنا سيغير القواعد.

إن هناك العديد من البرامج الناجحة على نطاق صغير باستخدام الهواتف النقالة، ولكن من الصعوبة بمكان العثور على أمثلة على برامج على نطاق كبير ويمكن استدامتها ذاتيا وتحركها التقنية الرقمية مثل "إم -بيسا"، لأن الأجزاء الرئيسية لم توضع في مكانها الصحيح، وذلك من أجل تمكين العمل المطلوب من التحرك قدما خارج حدود التجارب التي يتم التحكم بها.

إن الرعاية الصحية الرقمية هي من المجالات التي ظهرت بشكل بطيء، وذلك نظرا لأنه من الصعوبة بمكان عمل منهج ممتاز وإقناع جميع الناس في النظام الصحي بأنه يجب استخدامه.

لو كان بعض العاملين في القطاع الصحي يستخدمون الهواتف النقالة في إرسال المعلومات إلى قاعدة بيانات مركزية وكان آخرون لا يرون أن هناك أي قيمة لعمل ذلك فإن ذلك يعني أن النظام الرقمي غير مكتمل، وهكذا سيعاني من العيوب التي يعاني منها النظام الورقي الحالي.

في نهاية المطاف عندما يشعر الناس بأنهم مكنوا حقيقة سوف يبدؤون باستخدام التقنية الرقمية من أجل الابتكار بالنيابة عنهم وعمل الحلول التي لم ينظر فيها المجتمع الحالي لتطوير برامج الحاسوب

مشروع غانا
إن أفضل مشروع واعد رأيته فيما يتعلق بمشروع الصحة الرقمية هو مشروع يركز على صحة الأم والطفل في غانا، حيث يقوم العاملون الصحيون في المجتمع الذين لديهم هواتف بزيارة القرى ويقدمون نماذج رقمية فيها معلومات هامة عن النساء اللاتي أصبحن حوامل مؤخرا، ومن ثم يقوم النظام بإرسال رسائل صحية للنساء الحوامل، على سبيل المثال رسائل تذكير أسبوعية تتعلق بالرعاية في مرحلة ما قبل الولادة. كما يرسل النظام معلومات لوزارة الصحة مما يعطي صناع السياسات صورة دقيقة ومفصلة عن الأوضاع الصحية في البلاد.

إن أولئك العاملين في مجال الإيدز والسل والملاريا وتخطيط الأسرة وغيرها من القضايا الصحية العالمية يمكن أن يستخدموا المنهج نفسه، بحيث تتشارك جميع أجزاء النظام الصحي في البلاد في المعلومات والرد بشكل مناسب وفي الوقت المناسب. هذا حلم لكنه قد يصبح حقيقة فقط إذا قام العاملون على الأرض بتسجيل المعلومات، وقام وزراء الصحة بالتصرف على ضوء تلك المعلومات، وقام المرضى باستخدام المعلومات المرسلة على هواتفهم.

لقد أدركت أن الأمور بدأت تحصل على أرض الواقع عندما بدأ شركاؤنا في شركة موتيك بالحديث عن نفقات الشبكات الباهظة وتبسيط واجهة المستخدم، لقد كان التطبيق يستخدم حقا في الميدان وكانت هناك تحديات صعبة، مما يعني أن النظام كان مفيدا للناس لدرجة أنهم يبذلون الجهود من أجل حل المشاكل حال نشوئها بدلا من العودة فقط للنظام القديم، إن المقاربة الرقمية تستخدم الآن في مناطق أخرى بما في ذلك شمال الهند.

لقد قال الناس قبل عقد من الزمان إن هذا سيحصل سريعا، ولكن هذا لم يحصل بتلك السرعة، فالأجزاء لم تكن متوفرة، والآن فقط بدئ بوضعها في مكانها الصحيح.

سيستغرق وضع تطبيقات معينة في الكثير من الأماكن عقدا من الزمان، ولكن الزخم سيكبر وسنتعلم من تجربتنا وعلى المدى الطويل، ستكون النتائج بمنزلة نقطة تحول كما كنا نأمل إن لم يكن أكثر، وفي نهاية المطاف عندما يشعر الناس بأنهم مكنوا حقيقة فسوف يبدؤون باستخدام التقنية الرقمية من أجل الابتكار بالنيابة عنهم وعمل الحلول التي لم ينظر فيها المجتمع الحالي لتطوير برامج الحاسوب.

المصدر : بروجيكت سينديكيت