هل تدمر جرائم الإنترنت الحياة الحديثة؟

هل يمكن لنظام حياتنا الحديثة أن ينهار بسبب جرائم الإنترنت؟
undefined

لا يمكن أن يستقيم الحال في المدن الكبرى دون أجهزة الكمبيوتر، فوسائل الاتصال ووحدات الطوارئ والإمداد بالماء والكهرباء، كلها تعمل عن طريق شبكات الكمبيوتر. فما الذي يمكن أن يحدث لو انهار هذا النظام المعقد؟

إن انقطاع الإنترنت أو انهيار أنظمة الكمبيوتر ليس مرهونا بالاضطرابات السياسية فحسب، بل من الممكن أن يحدث في أي وقت وفي أي مكان، كما يقول الخبراء.

وقد أنهى مجموعة من الخبراء ورجال الاقتصاد والأمن مؤتمرا في السادس من سبتمبر/أيلول 2012 في مدينة بون الألمانية لبحث سبل حماية المجتمع الحديث من جرائم الإنترنت التي تتنوع بين الفيروسات وأحصنة طروادة وبرامج التجسس التي يعرفها الكثير من مستخدمي الإنترنت حتى غير المتخصصين.

لكن ما يثير مخاوف المتخصصين في الوقت الحالي هو ما يسمى "البوت نت" أو "شبكة الروبوت" لاختراق أجهزة الكمبيوتر.

ما يثير مخاوف المتخصصين في الوقت الحالي هو ما يسمى "البوت نت" أو "شبكة الروبوت" لاختراق أجهزة الكمبيوتر

خطر كبير وخفي
"البوت نت" هو عبارة عن شبكات سرية يستخدمها قراصنة يقومون بتشغيل برنامج كمبيوتر على أحد الخوادم، ثم ينقلونه على أجهزة كمبيوتر أخرى لا تتوفر فيها وسائل حماية كافية.

ويوضح الخبير في معهد فراونهوف الألماني للاتصالات بيرنهارد كليس خطورة هذه الجريمة الإلكترونية قائلا "يقوم الكمبيوتر الرئيسي في هذه الحالة بالسيطرة على أجهزة الكمبيوتر الأخرى، وبالتالي تكون لدى القراصنة شبكة كاملة من الأجهزة التي تطيع أوامرهم، ويمكنها على سبيل المثال اختراق حواسب أخرى".

وهناك شبكات "بوت نت" كبيرة تضم ملايين الأجهزة كما توجد شبكات أصغر، وكلما صغر حجم الشبكة، زادت صعوبة التعرف عليها من قبل الخبراء.

كما أن "الشبكات النائمة" -التي تظل خامدة فترات طويلة- تمثل تحديا كبيرا للخبراء. ورغم أن حجم الشبكات الإجرامية التي تقوم بهذه العمليات غير معروف تماما، فإن المؤكد أنها تنفذ عمليات يصل حجمها إلى مليارات الدولارات، فبعض الخبراء يقولون إن جرائم الإنترنت تحقق أرباحا أكبر من تجارة المخدرات، فهي تتعامل في المقام الأول مع أسواق المال والشركات المتوسطة والصغيرة.

ولمحترفي جرائم الإنترنت وسائل عديدة في العمل، فمنهم من يبتز الشركات مهددا بشلّ نظامها الحاسوبي بالكامل، ومنهم من يقوم بعمليات تجسس على منتجات شركة بعينها ونقل معلومات عن المنتجات لشركات منافسة.

أما أكثر الوسائل انتشارا والتي يعرفها كل شخص لديه بريد إلكتروني، فهي "الرسائل غير المرغوب فيها"، فمن يقومون بإرسال هذه الرسائل -التي تحمل مواد دعائية في الكثير من الأحيان- يحصلون على عمولات من أصحاب هذه المنتجات إذا تحسنت أرقام المبيعات.

ويقول كليس إن "الحديث هنا هو عن صناعة حقيقية تنمو في الظل". ومن الصعب على الأجهزة الأمنية تفكيك هذه الشبكات لأن الجهاز الخادم يوجد عادة في دولة لا تتخذ إجراءات ضد هذه العمليات. كما أنه من الصعب التعرف على الأجهزة التي تحرك هذه الشبكات، وكثيرا ما يكتشف الخبراء أن الجهاز الذي يوجه كل هذه العمليات مملوك لشخص ليس لديه أدنى فكرة عما يحدث على جهازه.

تهديدات جرائم الإنترنت لا تقتصر على اختراق أجهزة شخصية أو حتى أجهزة شركات، فالأمر يمكن أن يصل إلى حد شل حركة قطاعات كاملة في المجتمع  

تهديد قطاعات كاملة
لا تقتصر تهديدات جرائم الإنترنت على اختراق أجهزة شخصية أو حتى أجهزة شركات، فالأمر يمكن أن يصل إلى حد شل حركة قطاعات كاملة في المجتمع كما يحذر أستاذ أمن تكنولوجيا المعلومات في جامعة بون بيتر مارتيني من الأمر "يمكن أن يصل لتوقف عمل ماكينات صرف النقود، أو تعطيل أجهزة الكشف على الركاب في المطارات، وبالتالي لن يتمكن المسافرون من ركوب الطائرات".

ومن التحديات الجديدة التي يستعد خبراء أمن المعلومات لمواجهتها "الشبكات الذكية" المقرر بدء العمل بها قريبا، وهي شبكات تستخدم فيها تقنيات الاتصال لجمع معلومات من نقاط استهلاك وتوليد ونقل الكهرباء، وتعديل العمل بناء على هذه المعلومات.

ومن المنتظر ارتباط بيانات عشرات الآلاف من منتجي ومستهلكي الطاقة بهذه الشبكات في المستقبل، مما يعني أن مهاجمتها ستكون أسهل. ومهاجمة هذه الشبكات يمكن أن تسبب خسائر كبيرة في قطاعات واسعة من المجتمع، لاسيما أنها مرتبطة بعامل حيوي وهو الكهرباء.

فحدوث هذا السيناريو يعني توقف ضخ البنزين في محطات التزود بالوقود، وانهيار شبكات الهواتف المحمولة، لذلك فمن المهم التأكد من وجود إمكانية نظام دعم تمكن العودة إليه للحفاظ على عمل القطاعات الحيوية على الأقل، مثل الشرطة والإطفاء.

الأمن والرقابة
ويقول الخبير بيتر مارتيني إن تشديد الرقابة على الإنترنت ليس هو الوسيلة الفعالة لمكافحة جرائم الإنترنت، مشيرا إلى وجود العديد من الدول غير الديمقراطية التي تستخدم شعار مكافحة جرائم الإنترنت ذريعة لفرض المزيد من القيود الرقابية.

ويوضح مارتيني أهمية معرفة مصدر انتشار الجريمة، لكن دون أن يكون لأي طرف الحق في الدخول على الأجهزة الشخصية للأفراد، مؤكدا أن الإستراتيجية الأفضل تتمثل في تصنيف القطاعات المختلفة وفقا لأهميتها وضرورة توفير الحماية المكثفة لها.

ولكن التجارب تثبت أنه حتى أفضل طرق الحماية لا تعمل بكفاءة مطلقة، كما حدث مع فيروس "ستكسنت" الذي هاجم قبل عامين منشأة نطنز النووية الإيرانية.

المصدر : دويتشه فيله