دراسة حديثة تكشف عن تنوع غزير للكائنات الحية في قاع البحر

تزخر أعماق البحار والمحيطات بتنوع هائل من الكائنات الحية (بيكسابي)
أعماق البحار والمحيطات تزخر بتنوع هائل للكائنات الحية (بيكسابي)

تزخر أعماق البحار والمحيطات بتنوع هائل للكائنات الحية، إذ تغطي رواسب أعماق المحيط أكثر من نصف سطح كوكبنا. لكن اتساع هذه المساحة وصعوبة الوصول إليها يجعلانها من أقل بقاع العالم التي نعرف حقيقة تنوعها الحيوي.

وقد ساعدت المركبات التي تدار عن بعد في المدة الأخيرة على استكشاف جزء صغير من أعماق البحار. وعلى الرغم من صغر هذه المساحة المستكشفة، فإن هذه المركبات قد أظهرت احتواء قاع البحر على عالم جديد علينا كليا.

تُخَلِّف الحيوانات البحرية أثناء رحلة حياتها كثيرا من حمضها النووي في المياه، لذا فإنه يُعرف باسم الحمض النووي البيئي (Environmental DNA). ويمكن استخدام الحمض النووي البيئي لدراسة توزيع الكائنات الحية وتقييمه. ولكن، هل من الممكن أن يكشف الحمض النووي البيئي عن الكائنات الدقيقة والميكروبات الموجودة في قاع البحر؟

حديثا، كشفت دراسة بحثية نشرت في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) في الرابع من فبراير/شباط الجاري عن وجود تنوع مذهل للحياة المجهرية المزدهرة في أعمق وأحلك البقع البيئية على ظهر كوكبنا.

يمكن استخدام الحمض النووي البيئي لدراسة وتقييم توزيع الكائنات الحية (بيكسابي)
الحمض النووي البيئي يمكن استخدامه لدراسة توزيع الكائنات الحية وتقييمه (بيكسابي)

تنوع مثير

في البداية، قام الفريق بتحليل الرواسب التي جُمعت من بقاع شتى بحثا عن الحمض النووي البيئي. ومن ثم قارنوا بينها وبين بيانات الحمض النووي البيئي الموجودة في العوالق البحرية، أو تلك التي جمعت من طبقات المحيط العليا، وذلك للتعرف على الكائنات التي تسكن الأعماق.

وقد جمع الباحثون 1700 عينة تشمل نقاطا عدة بدءا من سطح المحيط حتى قاعه، كما قاموا بإجراء ما يقرب من ملياري تحليل لدراسة تسلسل الحمض النووي البيئي أملا في فهم التنوع البيولوجي الموجود في أعماق البحار.

وقد تعرف الباحثون على كائنات حقيقيات النوى (Eukaryotes) تعيش في قاع المحيط لم تكن معروفة لنا من قبل. فضلا عن ذلك، فإن الدراسة الحديثة أشارت إلى أن تنوع الحياة الميكروبية في أغوار المحيط يتجاوز تنوعها على السطح بـ3 أضعاف على أقل تقدير.

وتعدّ هذه المرة الأولى التي يجمع فيها العلماء مجموعة متسقة من البيانات الجزيئية الخاصة بعالم المحيط على هذا النطاق العالمي.

الفريق يقوم بجمع وتحليل الرواسب من بقاع شتى بحثًا عن الحمض النووي البيئي (يوريك ألرت - توماس والتر)
الفريق يقوم بجمع الرواسب من بقاع شتى وتحليلها بحثًا عن الحمض النووي البيئي (يوريك ألرت-توماس والتر)

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته "جامعة بريمن" (University of Bremen) بألمانيا، يقول جان باولوسكي قائد الدراسة وعالم الوراثة في جامعة جنيف (University of Geneva) في سويسرا "لقد قارنا تسلسلات الحمض النووي -المجموعة من أعماق البحار- مع جميع التسلسلات المرجعية المتاحة للكائنات الحقيقيات النوى".

ويضيف باولوسكي أنه "لا يمكن عزو ما يقرب من ثلثي الكائنات الموجودة في أعماق المحيط إلى أي من مجموعات الكائنات المعروفة. وذلك يشير إلى أن هناك فجوة كبيرة في معرفتنا الخاصة بالتنوع الحيوي البحري".

وظائف متنوعة

وحسب التقرير الذي نشره موقع "ساينس ألرت" (Science Alert)، فقد بحثت الدراسة الحالية عن وجود كائنات صغيرة الحجم مثل الدياتومات (Diatoms) (مجموعة كبيرة من الطحالب تعدّ من أشهر أنواع العوالق النباتية البحرية) والسوطيات، كما تفقدت وجود الكائنات الدقيقة كالديدان والرخويات الصغيرة.

وكشفت الدراسة أن رواسب أعماق البحار هي موطن لمجموعة متنوعة من الكائنات الكبيرة. ومع ذلك، فإن الكائنات الأصغر تكون بمنزلة الغراء الذي يربط شبكات الغذاء معا، كما أنها تضطلع بدور مهم في تنظيم المناخ العالمي وتساعد على طمر الكربون في أعماق المحيطات.

رواسب المحيطات يمكنها حفظ العوالق في قاع البحر (بيكسابي)
رواسب المحيطات يمكنها حفظ العوالق في قاع البحر (بيكسابي)

ومن ثم فإن هذه الدراسة تسلط الضوء على رواسب أعماق المحيط باعتبارها واحدة من أغنى النظم البيئية الحديثة. إذ لا تجمع هذه الرواسب أصناف الكائنات المعروفة بتنظيم دورة الكربون فحسب، بل إنها تشمل أيضا العديد من المجموعات التصنيفية والوظيفية التي كانت غير معروفة على الرغم من أنها تشكل أحد أهم العمليات البيئية الأساسية في عالم المحيط.

وفضلا عن ذلك، فإن هذه الرواسب تعمل كحافظات للحفريات. فقد أشارت بعض الأدلة الحديثة إلى أن هذه الرواسب يمكنها حفظ العوالق في قاع البحر، ومن ثم فإن هذا يتركنا أمام إمكانية مقارنة أشكال الحياة الحالية بما كانت عليه في الماضي البعيد. ونظرا للمخاطر البيئية التي تهدد الحياة، فإنه يتحتم علينا اليوم أن نستكشف قاع البحر بشكل أكبر وذلك لفهم هذه النظم البيئية وحمايتها.

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية