قراءة تفصيلية للوثائق السرية للتجارب النووية الفرنسية في جزر بولينيزيا
استغرق العمل عامين متتاليين وأسفر عن إصدار تقرير مفصل يشرح النتائج الكارثية للتجارب النووية التي كانت قد بدأتها فرنسا مع بداية عام 1966
حسم تقرير جديد صادر عن مجموعة دولية من الباحثين الأمنيين وعلماء البيانات والصحفيين الاستقصائيين الجدل الدائر على مدار عقود عدة حول تورط الحكومة الفرنسية بتجارب نووية كانت قد أجرتها في جزر بولينيزيا الفرنسية في المحيط الهادي، والتي أسفرت عن إصابة 110 آلاف شخص بالتلوث الإشعاعي.
وقد استعرض هذا التقرير في طياته المدى الحقيقي للكارثة الصحية الناتجة عن هذه التجارب التي لا يمكن تجاهلها رغم المحاولات الحكومية المتعمدة لإخفائها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالجزائريون متوجسون.. ما قيمة رفع فرنسا السرية عن أرشيفها الاستعماري؟
مؤرخون يشكون من تلكؤ فرنسا في كشف أسرار حرب الجزائر رغم مرور 50 عاما
أسنان تتساقط وأجساد تتآكل.. قصة فتيات الراديوم ذوات العظام المشعة
30 عاما من التلوث الإشعاعي
ووفقا لما أورده مقال لموقع ساينس ألرت Science Alert في 10 مارس/آذار الجاري فقد قام فريق دولي من الباحثين بتجميع وتحليل أرشيف مكون من حوالي ألفي صفحة من الوثائق الحكومية والعسكرية الفرنسية التي رفع الحجب عنها مؤخرا.
وقد أسفر عملهم الذي استغرق عامين متتاليين عن إصدار تقرير مفصل يشرح النتائج الكارثية التي تسببت بها التجارب النووية التي كانت قد بدأتها فرنسا مع بداية عام 1966 ضمن برنامج سري عسكري في جزر بولينيزيا المرجانية، وبالتحديد جزيرتي موروروا وفانغاتوفا، والتي استمرت لنحو 30 عاما بما يقارب 200 تفجير نووي، قبل أن تنتهي في وقت لاحق خلال فترة الاحتجاجات الجماهيرية عام 1996.
ويوضح التقرير أن أكثر الأسلحة قوة والتي شكلت الخطر الأكبر على المدنيين في بولينيزيا الفرنسية كانت قد استخدمت خلال عامي 1971 و1974، وأسفرت عن سحب ضخمة من الجسيمات المشعة حملتها الرياح -دون أدنى تحذير- إلى السكان الذين لا حول لهم ولا قوة.
السبب الرئيسي للإصابة بالسرطان
استخدم الباحثون تقنيات النمذجة ثلاثية الأبعاد الجديدة وتحليل البيانات بهدف استقراء نطاق المنطقة المتضررة والمأهولة بالسكان التي تعرضت للغبار الإشعاعي في أعقاب الانفجارات.
وعند إعادة التقييم العلمي لجميع الجرعات الإشعاعية التي تعرض لها سكان تلك المناطق خلص الباحثون إلى أن جميع سكان بولينيزيا تقريبا تعرضوا لتلوث إشعاعي في ذلك الوقت، أي ما يقارب 110 آلاف شخص.
كما تشير الدلائل التي تم رصدها في الوثائق إلى أن نتائج هذا التلوث بالجزيئات المشعة كان سببا رئيسيا لـ"مجموعة" من حالات السرطان التي تصيب السكان المحليين في تلك الجزر، والتي ارتبطت باختبارات المسؤولين العسكريين الفرنسيين.
تورط الجيش وصناع القرار
قام الباحثون بإجراء العشرات من المقابلات مع أشخاص معنيين من سكان الجزر المتضررة، إضافة إلى أفراد ممن عملوا في الجيش الفرنسي في تلك المنظومة آنذاك، وذلك بهدف رسم سيناريو متكامل عن كافة الأطراف المشاركة في الحدث في ذلك الوقت.
وتطرق الباحثون أيضا إلى التعتيم الذي فرضه علماء الجيش في ذلك الوقت رغم درايتهم بآثار التلوث الإشعاعي على الأرض والهواء وعلى مياه الشرب وبالمخاطر الجسيمة التي تنتج عنه خاصة للأطفال، الذين وثقت إصابة العديد منهم بالسرطان في السنوات التالية لتلك الاختبارات.
رغم أن الأرصاد الجوية قد أشارت في تلك الفترة إلى أن الرياح ستحمل السحب السامة المليئة بالجسيمات المشعة إلى الجزر المأهولة بالسكان، فإن ذلك لم يثن المسؤولين عن المضي في إجراء تلك الاختبارات التي كان أشهرها حادثة انفجار جهاز يسمى سينتور centaure عام 1974 الذي أدى إلى انتشار كميات كبيرة من الإشعاع في وقت كان عدد سكان الجزر البولينيزية الفرنسية حوالي 125 ألف نسمة.
والمثير للاستغراب أن التقييمات العسكرية التي نشرت على مدى العقود الماضية كانت قد تعمدت التقليل من أهمية المخاطر التي نتجت عن تجاربها النووية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتنفي أي صلة لها بالآثار السلبية المرصودة.
تعويض بـ 100 مليون يورو
حتى يومنا هذا قامت الحكومة الفرنسية بتعويض ما يقارب 454 شخصا فقط كنوع من التقدير لتضررهم من تلك التجارب. وبالمقابل رفضت السلطات -دون أي تبرير- ما يزيد على 80% من الطلبات.
وهكذا يتوقع الباحثون وفقا للنتائج الجديدة التي تدعم المتضررين بمجموعة ضخمة من الأدلة المتاحة للعموم، أن يتجه ما يقارب 110 آلاف شخص للمطالبة بحقوقهم بالتعويضات من الحكومة الفرنسية.
ووفقا لمراسلات البريد الإلكتروني المتبادلة داخل وزارة الدفاع الفرنسية، فقد تبين أن أضرار التلوث الإشعاعي قد تجاوزت سكان بولينيزيا الأصليين، حيث تم الكشف أيضا عن إصابة ألفي شخص من أصل 6 آلاف من العسكريين والمدنيين السابقين الذين شاركوا في الاختبارات، والذين أصيبوا بالفعل "أو قد يصابون بسرطان ناجم عن الإشعاع".
أخيرا يعتبر هذا التقرير المحاولة العلمية الأولى المستقلة لتقييم حجم الضرر الناتج عن التجارب النووية الفرنسية التي حاولت الدولة جاهدة طمسها، ورفضت الاعتراف بآلاف الضحايا في المحيط الهادي، الذين يتوقع أن يصل إجمالي التعويضات المستحقة لهم إلى ما يقارب 100 مليون يورو.