حدائق الحيوان المجمدة.. مستقبل أفضل لعمليات حفظ الحياة البرية

استخدام الحيوانات المنوية من البنوك الحيوية يمكن أن يعيد التنوع الجيني، ويحل المشكلات المرتبطة بحدائق الحيوانات التقليدية وتكاليفها وتكاثر الأقارب فيها.

قوارير من الحيوانات المنوية وخلايا أخرى بحديقة حيوانات مجمدة في سان دييغو (حديقة حيوان سان دييغو)

في إحدى الضواحي الجنوبية الشرقية في ملبورن الأسترالية توجد حديقة حيوانات، ليس فيها زوار ولا حيوانات، ولكن -بدلاً من ذلك- تضم "حديقة الحيوانات الأسترالية المجمدة" (Australian Frozen Zoo) خلايا حية ومواد وراثية مأخوذة من الحيوانات الأسترالية الأصلية والنادرة والغريبة، ويمكن أن يكون هذا المكان وما شابهه جزءا كبيرا من مستقبل الحفظ، نظرا للتحديات الكبيرة التي تواجه حدائق الحيوان التقليدية.

وحديقة الحيوانات الأسترالية المجمدة كانت تُعرف سابقًا باسم المركز الأسترالي لتخزين الجينات والأبحاث بأستراليا (AGSRCA) الذي تأسس عام 1995 في جامعة موناش بمساعدة منحة بدء التشغيل من مجلس البحوث الأسترالي، وقد كانت أول محمية مبردة في العالم وكانت عضوًا مؤسسًا باتحاد فروزن آرك Frozen Ark الدولي الذي تم تأسيسه عام 2003. وتضم هذه الشبكة بنوكًا جينية مماثلة من 22 دولة، تمثل مجموعة دولية موسعة للحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم.

وعادة ما تكون حدائق الحيوان التقليدية وبرامج التربية في الأسر (captive breeding) وسيلة للحفاظ على أنواع الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، والتي -وبالرغم من جميع التحديات- لا يمكن الاستغناء عنها، فقد حققت بالفعل نجاحات هائلة لا يمكن تجاوزها، مثل إعادة الباندا العملاقة من حافة الانقراض بسبب فقدان الموائل والصيد الجائر، كما أنقذت شيطان تسمانيا من الفناء بسبب مرض ورم الوجه الشيطاني.

حدائق الحيوان التقليدية أنقذت حيوان تسمانيا من الفناء (غيتي إيميجز)

تحديات التربية بالأسر

التربية في الأسر مكلفة، فبدء برنامج تربية في الأسر يكلف مئات الآلاف، بل وحتى ملايين الدولارات، بينما سيكلف الحفاظ على البرنامج -في المتوسط- سيكلف أكثر من 200 ألف دولار سنويا لنوع واحد، وتوجد العديد من البرامج مفتوحة المدة والتي يجب أن تستمر لسنوات أو حتى عقود لتحقيق أهدافها.

تلك الأنواع المحظوظة -التي يتم اختيارها للتربية في الأسر- تواجه على الفور عقبة أخرى وهي فقدان التنوع الجيني، فبعد جيل واحد فقط من التكاثر في الأسر، تبدأ الجينات بالضياع بالفعل.

وفي غضون أجيال قليلة فقط، تبدأ الحيوانات الأكثر احتمالا للنمو والتكاثر بالأسر في إظهار علامات سلوكية للتمدن والتكيف مع الأسر، ويمكن أن يؤدي انحدار التكاثر الداخلي (أي انخفاض اللياقة البدنية بمجموعة معينة نتيجة تكاثر الأقارب) إلى تضخيم السمات غير المرغوب فيها وتقليل قدرة الأعداد على البقاء والتكاثر.

هذا أمر لا مفر منه بالنظر إلى المستعمرات الصغيرة النموذجية لبعض برامج التربية في الأسر، حيث يؤثر فقدان الجينات البرية على اللياقة العامة للحيوانات المرباة في الأسر وبالتالي قدرتها على العودة إلى البرية.

المرض وفقدان الموائل يتسببان في تدمير مجموعات البرمائيات البرية عالميا (الأوروبية)

تكاليف باهظة

كما أن التكاليف المرتفعة للتربية في الأسر تعني أن دعاة الحفاظ على البيئة بحاجة إلى "اختيار الأفضل" فهم لا يمكنهم مساعدة العديد من الأنواع التي من غير المرجح أن تبقى على قيد الحياة دون تكاثر في الأسر، مثل البرمائيات، والتي يتخصص بدراستها سايمن كلولو المُحاضر الشّرَفي المُشارك بقسم العلوم البيولوجية بجامعة نيوكاسل University of Newcastle في كالاهان بأستراليا.

يشرح كلولو في التقرير الذي نشرته ساي تيك ديلي SciTech Daily في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري "يؤدي المرض وفقدان الموائل إلى تدمير مجموعات البرمائيات البرية على مستوى العالم، فهناك أكثر من 900 نوع من البرمائيات التي تحتاج إلى برامج التكاثر في الأسر، أكثر من 200 منها في حاجة ماسة إليها لتجنب الانقراض".

مع وجود مئات الأنواع المحتاجة، يمكن أن توفر المساحات العالمية والموارد المتاحة برامج تكاثر في الأسر لحوالي 50 نوعًا من البرمائيات، إلا إذا تم أسر بعض أعضاء هذه الأنواع ليس كحيوانات، ولكن كمواد وراثية.

عيوب التربية الأسيرة تشمل التكلفة والحد من قدرة السكان على البقاء والتكاثر (الأوروبية)

أضعاف من الأنواع المحفوظة

يقول كلولو الذي يتمتع بخبرة كبيرة في الحفاظ على المادة الجينية المجمدة "إن استخدام حدائق الحيوان المجمدة يمكن أن يوفر زيادة بمقدار 25 ضعفا في عدد الأنواع التي يمكن الحفاظ عليها".

ويضيف "سيكون هذا إنجازا مذهلا في مجال الحفاظ على البيئة، ونعتقد أنه يمكن القيام به" وكذلك فإن الأموال المخصصة لبرامج الحفظ محدودة، مما يعني ضياع العديد من الأنواع التي تحتاج إلى تكاثر في الأسر للبقاء على قيد الحياة.

وقد قدّم كلولو وزملاؤه قضية "البنوك الحيوية" في بحث حديث بدورية كونسرفيشن لترز Conservation Letters نشر في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2020.

دمج البنوك الحيوية مع التربية بالأسر يجعل الاحتفاظ بالتنوع الجيني طويل الأمد (حديقة حلوان أستراليا المجمدة)

تنوع جيني طويل الأمد

يناقش كلولو وزملاؤه حول استخدام الحيوانات المنوية في البنوك الحيوية كجزء من برامج التربية في الأسر يمكن أن يعيد التنوع الجيني، ويحل المشكلات المرتبطة بحجم المستعمرة وتكاثر الأقارب وتقليل التكاليف، إلا أن هذه التجارب تظل نادرة، إما بسبب نقص الأمثلة الملموسة، أو لأن الكثيرين في مجتمع الحفظ غير مدركين بعد للفوائد الهائلة المحتملة.

وقد أظهرت التجربة أنه في التكاثر بالأسر لضفادع أوريغون المرقطة، فإن التهجين العكسي (التقاء هجين مع أحد والديه أو مخلوق مشابه وراثيا لوالده) مع الحيوانات المنوية المجمدة في كل جيل أدى إلى تكاليف أقل بكثير من التكاثر بالأسر التقليدي.

يدعم هذا الرأي القائل إن دمج البنوك الحيوية مع التربية بالأسر من شأنه أن يجعل الهدف المرجو بالاحتفاظ بالتنوع الجيني طويل الأمد ممكنا، والذي لم يكن من الممكن تحقيقه سابقًا، وهو الحفاظ على 90% من التنوع الجيني الأصلي لسكان الحياة في الأسر لمدة 100 عام.

البنوك الحيوية تضمن أن الأنواع التي يمكن إعادتها للبرية تتمتع بالتنوع الجيني (حديقة حيوان أستراليا المجمدة)

نظام بيئي متزن

يمكن للبنوك الحيوية أن تفتح إمكانية الحفاظ ليس فقط على ما يسمى "الحيوانات ذات الشعبية الكبيرة" وهي الأنواع الرئيسية التي -لأسباب عملية تماما- تميل إلى الهيمنة على برامج التربية في الأسر، ولكن أيضا الأنواع الأخرى التي تدعم أنظمتها البيئية، والتي بدونها لا يمكن أن يكون هناك نظام بيئي فعال يمكن للحيوانات المرباة في الأسر العودة إليه.

ونظرا لأن فقدان الموائل هو المحرك الرئيسي لانقراض الأنواع، فإن جميع الحيوانات الموجودة بالموائل المهددة بالانقراض معرضة للخطر، وكلها تساهم في بقاء النظام البيئي، ويمكن أن تضمن البنوك الحيوية أيضا أن الأنواع التي يمكن إعادتها إلى البرية تتمتع بالتنوع الجيني الذي تحتاجه لتزدهر، جنبا إلى جنب مع الأسس البيئية التي تمكنها من القيام بذلك.

المصدر : مواقع إلكترونية