للمرة الأولى.. علماء يشهدون "إحساس الكم" الغامض يعمل داخل الخلية البشرية

لدى الطيور والحيوانات المهاجرة نظام بصري يسمح لها "برؤية" المجال المغناطيسي لكوكبنا (غيتي إيميجز)

لطالما حيرت هجرة الطيور والحيوانات علماء الأحياء، وأشارت أبحاث سابقة إلى أن هناك شيئا ما في نظامها البصري يسمح لها "برؤية" المجال المغناطيسي لكوكبنا.

ويزعم الباحثون أن رؤية عالمنا من خلال عيون الطيور المهاجرة ستكون تجربة مخيفة إلى حد ما.

ومع ذلك، لم يقم أحد في السابق بقياس التفاعلات الكيميائية الناجمة عن المجال المغناطيسي داخل الخلية الحية بشكل مباشر؛ لكن الآن، وللمرة الأولى على الإطلاق، لاحظ علماء من "جامعة طوكيو" (The University of Tokyo) اليابانية تفاعلات الخلايا الحية للاستقبال المغناطيسي في الوقت الفعلي بخدعة ذكية من فيزياء الكم والكيمياء الحيوية.

يُعد هذا الاكتشاف المقرر نشره في دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز" (PNAS) يوم 19 يناير/كانون الثاني الجاري، خطوة مهمة لفهم كيفية تنقل الحيوانات لمسافات شاسعة باستخدام المجال المغناطيسي للأرض، ومعالجة مسألة تأثير الحقول الكهرومغناطيسية الضعيفة في بيئتنا على صحة الإنسان.

البحث خطوة مهمة لفهم كيفية تنقل الحيوانات لمسافات شاسعة باستخدام المجال المغناطيسي للأرض (غيتي إيميجز)

طريق الهجرة

تهاجر الطيور لمسافات طويلة سنويا، ويُعَرِّف غالبية علماء الأحياء الهجرات بأنها تحركات دائرية منتظمة تقوم بها الحيوانات بين منطقتين، توفر كل منهما ظروفا معيشية أفضل من الأخرى.

وأثبتت الأبحاث أنها تستعمل أكثر من بوصلة لتحديد مسارها أثناء الهجرة، مثل المجال المغناطيسي للأرض.

ونظرا لأن المغناطيس يمكنه جذب الإلكترونات وصدها، يشتبه الباحثون منذ سبعينيات القرن الماضي في أن المجال المغناطيسي للأرض، يمكن أن يؤثر على سلوك الحيوان من خلال التأثير على التفاعلات الكيميائية الخلوية.

حتى أن علماء الأحياء لاحظوا كيف أن التداخل الجيني مع الكريبتوكرومات في ذباب الفاكهة والصراصير يمكن أن يقضي على قدرة الحشرات على التنقل، وفقا للإشارات المغناطيسية الأرضية.

ويعد التألق الذاتي شائعا في الخلايا، وعلى مدار 50 عاما الماضية، حدد الكيميائيون تفاعلات متعددة وبروتينات تسمى "الكريبتوكروميات" (Cryptochromes)، وهي جزيئات حساسة للضوء تتوهج بشكل طبيعي، عند تعرضها للضوء الأزرق.

صور مدمجة لخلية "هيلا" تظهر استجابة المجال المغناطيسي (إيكيا ودوارد-جامعة طوكيو)

زوج جذري

أجرى عالم الفيزياء الحيوية جوناثان ودوارد وطالب الدكتوراه نوبورو إيكيا من جامعة طوكيو البحث الثوري الجديد على خلايا سرطان عنق الرحم البشرية (خلايا "هيلا")، وكانا مهتمين بشكل خاص بجزيئات الفلافين، وهي من الكريبتوكروميات.

عندما يتم إثارة بعض جزيئات الفلافين بالضوء، يمكنها إما أن تتألق أو تنتج أزواجا جذرية، حيث يمكن للإلكترون القفز من جزيء إلى آخر، وإنشاء جزيئين بإلكترونات مفردة (يُعرفان باسم زوج جذري).

وإذا كان للزوج الجذري دوران الإلكترون نفسه، فإن تفاعلاتهما الكيميائية اللاحقة تكون بطيئة، بينما يمكن أن تتفاعل الأزواج الجذرية مع دوران الإلكترون المعاكس بشكل أسرع.

عُرضت الخلايا للضوء الأزرق من أشعة الليزر لمدة 40 ثانية، ولحقل مغناطيسي كل 4 ثوان، وقاسوا التغيرات في شدة التألق للضوء المنبعث من الخلايا مرة أخرى. وأظهر التحليل الإحصائي للبيانات أن تألق الخلية خفت بنسبة 3.5% في كل مرة يجتاح فيها المجال المغناطيسي الخلايا.

وباستخدام مجهر مصمم خصيصا ليكون حساسا لومضات الضوء الباهتة، شاهد الفريق الخلايا البشرية المزروعة، التي تحتوي على مادة خاصة حساسة للضوء تستجيب ديناميكيا للتغيرات في المجال المغناطيسي.

شاهد الفريق الخلايا البشرية المزروعة، التي تحتوي على مادة خاصة حساسة للضوء تستجيب للمجال المغناطيسي (إيكيا ودوارد-جامعة طوكيو)

ميكانيكية كمية

قال ودوارد في بيان صحفي لجامعة طوكيو، "نحن لم نُعدّل أو نضف أي شيء إلى هذه الخلايا.. ونعتقد أن لدينا أدلة قوية للغاية على أننا لاحظنا عملية ميكانيكية كمية بحتة تؤثر على النشاط الكيميائي على المستوى الخلوي".

وأضاف "الشيء الممتع في هذا البحث هو أن نرى أن العلاقة بين دوران إلكترونين فرديين يمكن أن يكون لها تأثير كبير على علم الأحياء".

الأهم من ذلك، فإن هذا هو أول دليل على أن فيزياء الكم تؤثر مباشرة على التفاعل الكيميائي الحيوي في الخلية الحية، وهو شيء افترضه العلماء منذ فترة طويلة؛ لكن لم يره أحد يعمل من قبل.

وبهذا يكون فريق جامعة طوكيو قد نجح في مراقبة الاستقبال المغناطيسي البيولوجي من خلال مراقبة التألق الذاتي للخلايا، ويمكن أن تكون إحدى النتائج المثيرة للبحث هي كيف يمكن للمجالات المغناطيسية الضعيفة أن تؤثر بشكل غير مباشر على العمليات البيولوجية الأخرى.

وفي حين أن الدليل على المغناطيسية التي تؤثر على صحة الإنسان ما زال ضعيفا، فإن التجارب المماثلة يمكن أن تكون وسيلة أخرى للتحقق من هذا الأمر.

المصدر : الصحافة الأسترالية