بتخفيض الانبعاثات.. هل أنقذ كورونا الأرواح من تلوث الهواء؟

تسبب الوباء العالمي لفيروس كوفيد-19 في وفاة ما يزيد عن 7 آلاف إنسان حتى الآن (بيكساباي)
تسبب الوباء العالمي لفيروس كوفيد-19 في وفاة ما يزيد على 7 آلاف إنسان حتى الآن (بيكسابي)

فكرت المهدي

 

رغم التطبيق الصارم لتدابير إدارة أزمات الوباء العالمي فإن تفشي وباء "كوفيد-19" أو "فيروس كورونا المستجد" يزداد يوما بعد يوم، ليتجاوز عدد الوفيات 7000 شخص من جميع أنحاء العالم حتى تاريخ 17 مارس/آذار الجاري. ولهذا يتسبب هذا الفيروس بإثارة هلع عالمي علاوة على توجيهه ضربة مباشرة للاقتصاد العالمي.

ولكن، وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن هذه الضربة الاقتصادية تحمل طابعا إيجابيا لأنها تسببت في تناقص النشاط الصناعي مما أسفر عن الحد من تلوث الهواء، وبالتالي إنقاذ الأرواح التي كانت تموت سنويا بفعل تلوث الهواء.

الحد من تلوث الهواء
بتاريخ 8 مارس/آذار الجاري نشر خبير الموارد البيئية بجامعة ستانفورد "مارشال بورك" تقريرا على المدونة العالمية للأغذية والبيئة وديناميكيات الاقتصاد (G-FEED)، كان قد أجرى فيه بعض الحسابات حول معدل الانخفاض الأخير في تلوث الهواء على أجزاء من الصين.

وقدر بورك عدد الأرواح التي نجت نتيجة لذلك، ووجد أنه نتيجة لشهرين من الحد من التلوث، نجا 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70 في الصين.

بالطبع فإن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه هناك. وبهذا خلص بورك إلى أن هذا الانخفاض في معدل تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة كورونا هناك.

وطرح بورك تساؤلا هاما في نهاية تقريره عما إذا كان عدد الأرواح التي نجت من هذا الانخفاض في التلوث الناجم عن الاضطراب الاقتصادي من فيروس كورونا يتجاوز عدد الوفيات من الفيروس نفسه، وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من الأدلة على أن تنفس الهواء الملوث يسهم بشكل كبير في الوفيات المبكرة.

انخفاض الانبعاثات بالتزامن مع التدابير الصحية لكورونا والتباطؤ الاقتصادي في الصين (ناسا)
انخفاض الانبعاثات بالتزامن مع التدابير الصحية لكورونا والتباطؤ الاقتصادي في الصين (ناسا)

القاتل الصامت
بتاريخ 3 مارس/آذار من العام الجاري نشرت دورية كارديوفاسكولار ريسرتش (Cardiovascular Research) دراسة تمت من خلال تعاون دولي ما بين جامعات من ألمانيا ولندن والسعودية تفيد بأن تلوث الهواء يسلب من عمر الإنسان ما يقدر بثلاث سنوات من متوسط العمر المتوقع العالمي.

ويقدر بعض الباحثين أن كلا من عدد الوفيات والخسارة المتوقعة في العمر نتيجة تلوث الهواء تنافس تأثير تدخين التبغ كما أنها أعلى بكثير من أسباب الوفاة الأخرى،
حيث يتجاوز تلوث الهواء الملاريا كسبب عالمي للوفاة المبكرة بـ19 ضعفا، والعنف بـ 16 ضعفا، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بـ9 أضعاف، والكحول بـ 45 ضعفا، وتعاطي المخدرات بـ60 ضعفا.

مع ثاني أكبر عدد من الإصابات بفيروس كورونا التي تحدث في إيطاليا، وهو البلد الذي يضع تدابير الحجر الصحي الصارمة، أظهرت بيانات الأقمار الصناعية في شمال إيطاليا الآن انخفاضا كبيرا في تلوث الهواء، على وجه التحديد ثاني أكسيد النتروجين، وهو غاز ينبعث بشكل رئيسي من السيارات والشاحنات ومحطات الطاقة وبعض المنشآت الصناعية. حيث أظهرت الصور التي التقطها القمر الصناعي "كوبرنيكوس سنشينل-5بي"خلال الفترة الممتدة ما بين 1 يناير/كانون الثاني إلى 11 مارس/آذار 2020 انخفاضا كبيرا في ثاني أكسيد النتروجين.

في الوقت الحالي، لا توجد دراسات محكمة من دوريات عالمية تقيس التأثير الصحي الحقيقي الذي ستحدثه الانبعاثات المخفضة، ولكن بالنظر إلى ما نعرفه عن مخاطر تلوث الهواء الذي كان في ازدياد ملحوظ في الآونة التي سبقت ظهور "كورونا"، فمن المحتمل أن تكون هناك فائدة مباشرة في تقليل عدد الوفيات الناتج عن هذا التلوث، مما يمكن أن يعوض عن التدمير الذي يحدثه وباء كورونا.

والأهم هو أن هذه الأرقام الأولية تثبت أن هذه الكارثة الصحية العالمية هي فرصة للتقييم لتحديد وترتيب جوانب الحياة الحديثة الأكثر ضرورة لضمان الاستمرار الآمن للنوع البشري، ومعرفة التغييرات الإيجابية التي قد تكون ممكنة إذا قمنا بتغيير عاداتنا على نطاق عالمي.

المصدر : مواقع إلكترونية