عندما كانت الأنهار تجري في أعماق المتوسط

An aerial view shows the Frioul Islands in the Mediterranean Sea in the bay of Marseille, France, February 17, 2016. Picture taken February 17, 2016. REUTERS/Jean-Paul Pelissier TPX IMAGES OF THE DAY TPX IMAGES OF THE DAY
جانب من البحر المتوسط عند خليج مرسيليا في فرنسا (رويترز)

الصغير محمد الغربي

كشفت دراسة علمية جديدة عن وجود آثار لشبكة من الأنهار الضخمة تشكلت في أعماق شرق البحر الأبيض المتوسط قبل 5.5 ملايين عام خلال فترة جفاف مؤقت أدت إلى ترسب طبقات سميكة من الملح.

ترسبات نهرية ضخمة
وقد ظلت هذه الطبقات -التي اكتشفت قبل أربعين عاما- تثير جدلا بين العلماء بشأن ظروف تشكلها، إلا أن مؤلفي الدراسة الجديدة يعتقدون أن اكتشاف آثار أنهار عذبة محفورة على سطحها يدل على أنها قد تكونت بعد تحول حوض البحر الأبيض المتوسط في نهاية عصر الميوسين (قبل نحو خمسة ملايين عام) إلى بحيرة ملحية عملاقة.

ونتج هذا الحدث عن الإغلاق التدريجي لنقاط التواصل القديمة بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في منطقة جبل طارق.

وخلال هذا الحدث الجيولوجي الاستثنائي حوصرت كمية هائلة من الأملاح تشكل نحو 6% من الأملاح المذابة في المحيطات في ذلك الوقت، مما أدى إلى زيادة تدريجية في ملوحة البحر الأبيض المتوسط وتشكيل طبقات من الملح يبلغ سمكها أكثر من كيلومترين، وإلى تغيرات بيئية سريعة وكبيرة على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط.

موقع الشبكة النهرية شرق المتوسط (جيو ساينس وورلد)
موقع الشبكة النهرية شرق المتوسط (جيو ساينس وورلد)

وتوصل الباحثون من خلال تحليل البيانات الزلزالية لهزات أرضية حدثت في شرق البحر الأبيض المتوسط بين شواطئ لبنان وفلسطين ومنطقة بحرية توجد جنوب جزيرة تسمى جبل إراتوستينس (يقع تحت سطح البحر) إلى اكتشاف وجود منطقة رسوبية واسعة وغير معروفة سابقا توصف بأنها واحدة من أكبر الأنظمة النهرية التي يرجع تاريخها إلى أزمة مسينيان التي حدثت في آخر عصر الميوسين وجف خلالها شرق المتوسط.

وتحتوي هذه المنطقة الرسوبية على كميات من اﻟﺮواﺳﺐ ﺗﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ 4150 كيلومترا مكعبا، وهي كمية مماثلة لترسبات نهر النيل في ذلك الوقت، مما يدل على ضخامة الشبكة النهرية المكتشفة.

انخفاض كبير في مستوى البحر
وكشفت الدراسة التي أنجزها باحثون من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن هذه الشبكة النهرية -التي سميت نهر "منشيه"- تنبع من جنوب تركيا وغرب سوريا، وتمتد على مسافة تزيد عن 500 كيلومتر في البحر متعرجة على سطح الطبقة الملحية في الحوض العميق لشرق المتوسط، وتنتهي بتفرعات في شكل دلتا جنوب الجبل البحري إراتوستينس.

شرق المتوسط خلال أواخر العصر الميسيني (جيو ساينس وولد)
شرق المتوسط خلال أواخر العصر الميسيني (جيو ساينس وولد)

وتوفر هذه الملاحظات -حسب المؤلفين- دليلا واضحا على أنه بعد ترسب الملح تعرضت أسطح الطبقة الملحية للتآكل تحت الأرض، وبالنظر إلى السياق الجيولوجي لا يمكن أن يكون ذلك ممكنا سوى عند حدوث انخفاض كبير في مستوى سطح البحر.

وتتحدى هذه النتائج بعض النظريات التي نشرت في السنوات الماضية بشأن طريقة تشكل هذه الترسبات الملحية، وتفترض أنها وقعت في نهاية العصر المسيني وتمت في المياه العميقة.

كما تلقي هذه الدراسة الضوء على دور العوامل غير البحرية والأنظمة النهرية الكبيرة في التخفيف من الملوحة الموجودة في شرق المتوسط قبيل عودة الظروف البحرية العادية إلى طبيعتها في حوض البحر الأبيض المتوسط قبل نحو 5.3 ملايين عام.

المصدر : مواقع إلكترونية