النمل الأبيض مقاتل صغير يحارب الجفاف في الغابات المطيرة

Said سعيد - في المناطق التي كانت فيها مجتمعات النمل الأبيض سليمة زادت وتيرة تحلل أوراق الأشجار وتم الحفاظ على رطوبة التربة، وزاد - النمل الأبيض مقاتل صغير يحارب الجفاف في الغابات المطيرة
يساعد النمل الأبيض في زيادة وتيرة تحلل أوراق الأشجار ويحافظ على رطوبة التربة (جامعة ليفربول)

عمر الحداد

رغم صغر حجمه، فإنه يلعب دورا مهما في التخفيف من آثار الجفاف في الغابات الاستوائية المطيرة، وحفظ النظام البيئي في الغابات المدارية المطيرة في قارتي أفريقيا وآسيا. إذ يسهم النمل الأبيض في عملية تحلل الكائنات الحية والنباتات، وتسهيل عملية تدوير المغذيات، كما يعزز من رطوبة التربة ويؤثر في زيادة كفاءة المغذيات.

ووفق دراسة حديثة نشرت في مجلة "ساينس" يوم الخميس 10 يناير/كانون الثاني 2019، يعد النمل الأبيض أحد أهم الكائنات الحية القليلة التي يمكن أن تكسر السليلوز الموجود في المواد النباتية.

الدراسة التي أعدها باحثون من متحف التاريخ الطبيعي وجامعة "ليفربول" البريطانية، تعد أول دراسة واسعة النطاق لاختبار الفرضية القائلة بأن النمل الأبيض يلعب دورا حاسما في الحفاظ على عمليات النظم البيئية في الغابات المطيرة خلال فترات الجفاف.

تكيف مع الجفاف
أجرى الباحثون دراسة حالة على الغابات المطيرة في جزيرة "بورنيو" الماليزية، خلال وبعد فترات الجفاف الشديد التي أعقبت ظاهرة "إل نينو" في عامي 2015 و2016. وقارن الفريق البحثي حالة المواقع التي يستوطنها النمل الأبيض بالمواقع الأخرى التي أزيل منها.

و"إل نينو" ظاهرة مناخية تحدث خلال مدد تتراوح بين 4 و12 عاما في المحيط الهادي وتؤدي إلى دفء مياهه، وهو ما قد يتمخض عن موجات جفاف وحر لافح في آسيا وشرق أفريقيا وهطول أمطار غزيرة وحدوث فيضانات في أميركا الجنوبية.

النمل الأبيض أحد أهم الكائنات الحية القليلة التي يمكن أن تكسر السليلوز الموجود في المواد النباتية (جامعة ليفربول)
النمل الأبيض أحد أهم الكائنات الحية القليلة التي يمكن أن تكسر السليلوز الموجود في المواد النباتية (جامعة ليفربول)

ورغم قسوة الظرف البيئي، فإن الباحثين وجدوا أن النمل الأبيض يزيد بكثرة في المواقع التي ضربها الجفاف عن غيرها من المواقع. وأدى وجود العدد الكبير من النمل الأبيض خلال فترة الجفاف إلى ارتفاع معدلات تحلل أوراق الأشجار وتدوير المغذيات، وزيادة معدلات بقاء التربة والرطوبة الشتوية مقارنة مع فترة عدم الجفاف.

تمت إزالة ما يزيد عن 50% من الغابات المدارية في الأرض بشكل أو بآخر عن طريق النشاط البشري، أي قرابة عشرة ملايين كيلو متر مربع، وهي مساحة شاسعة ومن المحتمل أن تكون أقل مقاومة للجفاف بسبب الآثار السلبية لانخفاض أعداد النمل الأبيض.

تلاعب في النظام البيئي
تقول كبيرة الباحثين في كلية العلوم البيئية بجامعة "ليفربول" والباحثة الرئيسية في الدراسة هانا غريفيث "عندما شرعنا في إجراء الدراسة كنا مهتمين بفهم أفضل وتحديد مقدار الدور الدقيق للنمل الأبيض في النظام البيئي للغابات المطيرة. نحن نعلم أنها مهمة جدا لأمور مثل التحلل، ولكن لم تفصل أي دراسة بعد دور النمل الأبيض عن غيره من الكائنات الحية الأخرى".

وأضافت في تصريح للجزيرة نت، أنه للتحقق من دور النمل الأبيض قامت هي وفريقها البحثي بإعداد تجربة التلاعب بالنظام البيئي على نطاق واسع داخل الغابات المطيرة في بورنيو، حيث قمعنا مجتمعات النمل الأبيض في بعض المناطق. ثم في منتصف فترة الدراسة حدث الجفاف الشديد للنينو في 2015-2016.

وقالت "أدركنا أن هذه كانت فرصة مثيرة حقا للنظر في كيفية تأثر وفرة النمل الأبيض بالجفاف وكيف يؤثر هذا التغيير على العمليات التي يقوم بها أثناء وبعد هذا الحدث المناخي".

نتائج مثيرة
وأكدت الباحثة للجزيرة نت أن ما وجده فريقها البحثي كان مثيرًا حقًا، فقد تضاعفت كمية اليرقات في تجمعات النمل الأبيض تقريبًا خلال فترة الجفاف، وأثر ذلك على عدد من عمليات التربة الرئيسية. ففي المناطق التي كانت فيها مجتمعات النمل الأبيض سليمة، زادت وتيرة تحلل أوراق الأشجار وتم الحفاظ على رطوبة التربة، وزاد معدل تنوع مغذيات التربة، وكان معدل البقاء أعلى بين صغار النمل الأبيض.

كل هذه التأثيرات لم تكن واضحة إلا أثناء الجفاف، مما يدل على أن النمل الأبيض يقوم بتخزين هذه العمليات البيئية الرئيسية من التأثيرات السلبية للإجهاد الناتج عن الجفاف. وهذا يشير إلى الحاجة إلى مجتمعات بيولوجية سليمة لحماية النظم الإيكولوجية العاملة من الاضطرابات البيئية، وفق الباحثة.

وتوضح الباحثة أن الدراسة الحالية تعد دليلا على أننا بحاجة إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي وعلى الموائل والمجتمعات الطبيعية السليمة من أجل الحفاظ على نظم بيئية فعالة، خاصة وأننا نواجه مرحلة غير مسبوقة من التغييرات في المحيط الحيوي. 

المصدر : الجزيرة