هذا حال نساء الغوطة في يومهن العالمي

الناشطة بيان ريحان مع مجموعة من الأطفال في أحد الأقبية في الغوطة الشرقية
بيان حوتري واحدة من أبرز الناشطات في الغوطة الشرقية تلتقط صورة سيلفي مع أطفال في أحد الأقبية (ناشطون)
محمد النجار-الجزيرة نت
 
تحت القصف وبن تلال من الركام، تتنقل أم دياب بين الأقبية التي يعيش فيها آلاف السوريين في الغوطة الشرقية، تساعد جريحا هنا، ومريضا هناك، لتجسد واحدا من الأدوار التي باتت تضطلع بها النساء في الحرب وتحت الحصار المستمر منذ أكثر من خمسة أعوام.

وبينما تحتفل نساء العالم بالتقليد الغربي المسمى "يوم المرأة العالمي"، تحيي نساء الغوطة الشرقية هذا اليوم بعيدا عن القاعات الفارهة، حيث يعشن منذ 18 يوما في الأقبية تحت الأرض، وتحول الموت إلى رفيق دائم لهن ولنحو 400 ألف محاصر.

أم دياب أو "ممرضة الغوطة" و"الغوطانية الحرة" -وهي ألقاب باتت تحملها-، سيدة أربعينية فقدت أولادها في قصف لقوات النظام، لكن مأساتها حولتها من سيدة منكوبة إلى ساعية لتضميد جراح المكلومين في ذلك الجزء المنكوب من سوريا.

في رحلاتها بين الأقبية تحمل أم دياب حقيبتها التي تضع فيها مستلزمات طبية بسيطة، وتقول في فيديو انتشر مؤخرا على مواقع التواصل السورية إنها تتنقل فيما يشبه "مدينة الأشباح"، فلا ترى إلا الركام والموت في كل مكان.

أم سميح تطارد الموت
سيدة أخرى باتت نموذجا للنساء اللواتي باتت مهمتهن التخفيف من معاناة أهالي الغوطة تدعى "أم سميح"، تنتظرها العديد من العائلات لتحمل لهم المساعدات التي تنقلها تحت القصف دون أن تخاف الموت الذي يطاردها وتطارده.

تقول عنها الناشطة ليلى بكري "لا يمكن لي أو لأي إنسان عرف أم سميح أن ينساها في هذا الوقت أو أي وقت، هي مناضلة جدا، تتسلم المساعدات من المتبرعين وتنقل الأكل والمساعدات للأقبية".

وفي حديثها للجزيرة نت تصف بكري حياة النساء في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق فتقول "حاليا النساء لهن الدور الأكبر، لأن الرجال بين معتقل أو مفقود أو شهيد أو على الجبهات".

وتضيف "هناك نساء ينشطن في مجال الإغاثة، وهناك من يتطوعن بالمجال الطبي، وهؤلاء يتنقلن من قبو لآخر لتضميد الجرحى ورعاية المرضى".

مهمة كبرى أخرى تضطلع بها الناشطات وهي عمل جولات على الأقبية لعمل "جلسات تفريغ ضغوط" للأطفال والنساء، إضافة لحملات توعية لكيفية التعامل مع الأسلحة الكيمائية.

رعاية أطفال الغوطة تمثل المهمة الكبرى للنساء وسط الحرب والحصار (ناشطون)
رعاية أطفال الغوطة تمثل المهمة الكبرى للنساء وسط الحرب والحصار (ناشطون)

أصعب مهمة
تتحدث بكري عن المهمة الأصعب لسيدات الغوطة الشرقية في هذه الأثناء، المتمثلة برعاية أطفالهن وتأمين احتياجاتهم من ماء وطعام يمكن توفيره في ظل الحصار، إضافة للنظافة الصحية والجسدية في ظل الحرب.

ورغم أن المقابلة أجريت في ساعات الهدنة الروسية أمس الثلاثاء، فإن بكري توقفت أثناء حديثها عبر ماسنجر فيسبوك، وبعد عودتها قالت إنها اضطرت للاختباء لأن طائرة قصفت قريبا من مكانها، ورغم إكمالها الحديث، فإن أصوات الانفجارات وسيارات الإسعاف لم تنقطع.

وصفت بكري وضع طفلتها "إيلينا" التي ولدت تحت الحصار قبل عامين، وتقول "ربما أصعب مهمة لدي أن أحاول طمأنة طفلتي بأن صوت القصف والطائرات لن يؤذيها، وأنا أعرف أنه يؤذيها، ومحاولة تبديد خوفها بينما أنا خائفة".

في يوم المرأة العالمي وجهت ليلى بكري رسالة إلى العالم قالت فيها "نحن بشر عندنا طموحات وحياة نريد أن نعيشها، نحن ما زلنا في سن الشباب، لا بد أن نعبر عن حالنا ونكمل دراستنا، نعيش كشباب طبيعيين".

وتتابع "حتى أطفالنا الذين ولدناهم في الحرب لا يعرفون شيئا عن الحياة الطبيعية، لا يعرفون أنواع الفواكه، فطفلتي لا تعرف الموز، وتميز فقط بين صوت الطيارة والقذيفة، وتردد عند القصف باسم الله، والله يحمينا، وتدفعني للدخول للقبو عندما أقف على بابه".

نيفين حوتري لنساء العالم في يومهن العالمي :

أعباء الحصار
سيدة أخرى ممن بات العالم يعرف الغوطة من خلالهن هي نيفين حوتري التي تمكنت من إيصال حقيقة ما يحدث في الغوطة عبر حسابها على فيسبوك.

قالت للجزيرة نت "المرأة في الغوطة تتحمل أعباء أكثر من طاقتها وقدرتها على التحمل، وعند فقدان الزوج تكون هي الأم والأب لأطفالها الأيتام، وهي مضطرة لمساعدة زوجها وأهلها بالمصروف اليومي، لأن أعباء الحصار مضاعفة على كل المحاصرين وبالأخص النساء، في ظل عدم توفر معظم اساسيات الحياة مثل الكهرباء والوقود".

رغم كل الصور العالقة في رأسها، تتحدث حوتري عن سيدتين مسنتين تقول إنهما تشغلان تفكيرها باستمرار.

وتتابع "إحداهما تراها تفقد الحياة عند نزولها للقبو، حتى أن وجهها يميل للاصفرار، وترتد لها الروح عند خروجها لباب القبو، لكنها للأسف لا تستطيع تجاوزه، والأخرى مسنة أكثر، تجلس على باب القبو المقابل، لم تشفع لها تجاعيد وجهها بأن تتخطى باب القبو، سألتها مرة كيف حالك، أجابت بتنهيدة كافية لأفهم معاناتها".

أيام تشبه بعضها
وتصف حوتري أيام النساء والمحاصرين في الغوطة بأنها "متشابهة يجمعها القصف اليومي، وتقول أيضا "الأقبية غير مجهزة، ببساطة نمضي أغلب أيامنا بمحاولة الحياة في مكان يفتقر لأبسط مقوماتها".

ورغم الدعم النفسي الذي تضطلع به الناشطات للأطفال وللمحاصرين تحت القصف، تقول نيفين -وهي أم لطفلين قصي ومايا- "جميعنا بحاجة للدعم النفسي، أحيانا نستمده من أطفالنا حين نظن أننا نقدم الدعم لهم".

وزادت "أحيانا يأتينا الدعم النفسي من الخارج، على هيئة صديق يطمئن علينا وهو يظن أنه عاجز عن تقديم أي شيء لنا، غالبا نستمد الدعم من الأمل بمستقبل أفضل".

وعن رسالتها لنساء العالم في يومهن العالمي تقول "نساء الغوطة الشرقية مناضلات، تهمتنا أننا طالبنا بحرية الرأي فكان مصيرنا الاعتقال والقصف والحصار فإذا كنتن مع حقنا في الحرية فناصرننا
وأوصلن صوتنا إلى مراكز صنع القرار في بلدانكن".

وإضافة لنيفين وليلى وبيان ريحان وأم دياب وأم سميح، هناك المئات من نساء الغوطة ممن وضعن مأساتهن جانبا وتفرغن لبث الأمل في نفوس باتت لا ترى إليه سبيلا، حيث بات مئات آلاف محاصرين تحت الأرض مخيرين بين الموت قصفا أو التهجير.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي