تغلغل إيران بالجزائر حقيقة أم فزّاعة؟

صورة نشرها أمير الموسوي المحلق الثقافي في سفارة غيران بالجزائر في صفحته الرسمية بموقع فيسبوك لأحد أنشطته الرسمية
صورة نشرها الموسوي في صفحته الرسمية بموقع فيسبوك لأحد أنشطته الرسمية

ياسين بودهان-الجزائر

منذ تعيينه مطلع 2015 ملحقا ثقافيا في سفارة بلاده في الجزائر، دائما ما يثير الدبلوماسي الإيراني أمير الموسوي جدلا واسعا بين الجزائريين على وقع تحركاته الواسعة وتصريحاته المثيرة، آخرها هجومه اللاذع على زوجة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

آخر خرجات الرجل بعنوان "الأوراق المحروقة لأعداء الجمهورية الإسلامية"، وتضمنت هجوما حادا على أرملة بومدين التي أعلنت من باريس دعمها للمعارضة الإيرانية مريم رجوي.

وكتب الموسوي في صفحته الرسمية بموقع فيسبوك أن السيدة أنيسة أحمد المنصلي تتمنى من باريس سقوط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتتمنى أن ترى "الإرهابية" مريم رجوي تحكم إيران وهي المدعومة "إسرائيليا وأميركيا ومن بعض الأعراب المتصهينين وتحتضنها وتدعمها فرنسا"، حسب تعبيره.

وتساءل "ماذا لو كان الرئيس الراحل بومدين حيا. ماذا سيقول لزوجته التي تموضعت مع الانبطاحيين والإرهابيين وتناغم صوتها مع هؤلاء أعداء الإنسانية الذين توحدت أصواتهم ومواقفهم في المطالبة بإسقاط خيار الشعب الإيراني المقاوم"؟

هذه التصريحات خلفت ردود فعل واسعة بين غاضب ومؤيد، وأحيت تساؤلات أثارتها مواقف وزيارات ميدانية مكثفة للرجل لمختلف المحافظات الجزائرية، ومحاولته التقرب من الجزائريين، والتساؤلات تتعلق بحديث البعض عن محاولة تغلغل إيراني مذهبي في الجزائر تحت غطاء التعاون الثقافي والاقتصادي.

وطالب جزائريون بطرد الموسوي بحجة تجاوزه مهامه الدبلوماسية، ومن أبرز هؤلاء الحقوقي أنور مالك الذي أطلق قبل نحو عامين حملة "#اطردوا_أمير_موسوي".

وقال مالك للجزيرة نت إن "ما يقوم به الموسوي تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية حيث تحول الرجل من موظف دبلوماسي إلى داعية للولي الفقيه يقوم بحشد الأنصار، وصناعة طائفة في وضح النهار".

‪أنور مالك إلى جانب أرملة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين‬
‪أنور مالك إلى جانب أرملة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين‬

صناعة طائفة
واعتبر أنور مالك أن تصريحات وتحركات الرجل تشكل أحد أوجه التغلغل الإيراني بالجزائر، "فلو لم يكن مشروع إيران قد تغلغل في دواليب السلطة، بعد تغلغله في أعماق المجتمع، ما رأينا ملحقها الثقافي يصول ويجول في عمق الجزائر، ويتهجم على أبناء الشعب الجزائري، ويوزع صكوك الغفران عليهم".

وجزم مالك بأن طرد الموسوي مطلب شعبي، وأن "السكوت عنه خيانة للبلاد والعباد لأن ما يقوم به هو تخريب للأمن القومي، وتداعياته وخيمة مستقبلا"، حسب تعبيره.

أما الباحث والمحلل السياسي المهتم بالشأن الإيراني يحيى بوزيدي فيؤكد أنه "لا اختلاف بأن الرجل يقوم بدوره كملحق ثقافي من مهامه متابعة ما يتداول في إعلام الدولة التي يعمل بها ورصد ما يكتب عن بلده والرد عليه وفق ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية".

لكنه يوضح بالمقابل أنه بالنظر لطبيعة "النظام الثوري المؤدلج" في إيران، وسعيه لتصدير الثورة، فإن الموسوي يسعى لاستقطاب كل من يميل لإيران خاصة في الأوساط الإعلامية والثقافية، أو المعارضين لأعدائها على غرار السلفيين.

وشدد على أن "تحركاته في مختلف الولايات أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير عادية، وتطرح شكوكا بأنه يسعى لنسج شبكة علاقات مع أطراف متشيعة أو تخدم إيران بطريقة ما.

‪فلاحي اعتبر أن ما يثار عن تحركات الموسوي في الجزائر مبالغ فيه‬ فلاحي اعتبر أن ما يثار عن تحركات الموسوي في الجزائر مبالغ فيه (الجزيرة)
‪فلاحي اعتبر أن ما يثار عن تحركات الموسوي في الجزائر مبالغ فيه‬ فلاحي اعتبر أن ما يثار عن تحركات الموسوي في الجزائر مبالغ فيه (الجزيرة)

صراع محاور
ويحذّر بعض المراقبين من تنامي الدور الإيراني في الجزائر الذي يترجمه ارتفاع عدد المتشيعين إلى ثلاثة آلاف، ومحاولة إيران استغلال أزمة الجزائر المالية للتأثير في المواقف الرسمية الجزائرية، وهو ما يتضح -برأي البعض- في دعم الجزائر لنظام بشار الأسد، وامتناعها عن الانضمام إلى التحالف العسكري العربي.

وفي الصف الآخر، يرى بعض الجزائريين أن الهجوم على الموسوي والمبالغة في الحديث عن دوره في محاولة إيران التغلغل لنشر التشيع مبالغ فيه ومجرد "فزاعة" لإفشال مشروع الصداقة الجزائري الإيراني.

ويعتقد عدة فلاحي، الكاتب والمستشار الإعلامي السابق لوزير الشؤون الدينية، أن ما يثار عن الرجل مبالغ فيه، وأن الموسوي ينشط وغيره من الدبلوماسيين الأجانب ويتنقل في إطار رسمي، وتحت مراقبة الأمن الجزائري.

ويضيف فلاحي، الذي يواجه انتقادات لصداقته مع الموسوي، في حديث للجزيرة نت أنه لو كانت ثمة أمور غير قانونية لتدخلت السلطات الجزائرية. كما يعتبر أن ما يحدث هو صراع محاور لأن الذين يثيرون هذه الشكوك محسوبون على محور معاد لإيران، ويحاولون ضرب مشروع الصداقة الإيراني الجزائري.

وضرب مثالا على ذلك التعاون الطبي، إذ هناك أدوية خاصة بمرض السرطان تستوردها الجزائر من فرنسا بثمن مرتفع وبكميات محدودة، في حين عرضتها إيران بنصف السعر وبكميات أكبر.

المصدر : الجزيرة