نكاز.. حديث العلمانية والنقاب وجرائم فرنسا ورئاسيات الجزائر

French businessman pays burqa penalties in Vienna- - VIENNA, AUSTRIA - FEBRUARY 5: Algerian origin French businessman Rachid Nekkaz speaks to press after paying 10 burqa penalties in Vienna, Austria on February 5, 2018.
نكاز: منعني النظام الجزائري الدكتاتوري من خوض الانتخابات الرئاسية في 2014 (الأناضول)

أوضح رجل الأعمال الناشط الحقوقي الجزائري رشيد نكاز -في حوار خص به الجزيرة نت- أنه سيواصل معركته من أجل الدفاع عن النساء المنقبات، من خلال دفع غراماتهن المالية في كل الدول الأوروبية التي تحظر هذا اللباس.

وقال نكاز إنه لا يدافع عن لبس النقاب بقدر ما يدافع عن أحد أهم مبادئ الديمقراطية، وهي الحريات الشخصية.

وكشف الناشط الحقوقي رجل الأعمال الجزائري أنه دفع 1553 غرامة مالية حتى الآن، وهو ما بلغ مجموعه 318 ألف يورو، أي ما يعادل نحو أربعمئة ألف دولار، من أصل مليون دولار كان قد خصصها للدفاع عن المنقبات.

undefined

قررتم الدفاع عن النساء المنقبات ودفع غراماتهن المالية في كل الدول الأوروبية التي تمنع ارتداء النقاب، علما أنكم لستم من دعاة ارتدائه؛ وبالتالي لماذا هذا التناقض؟

منذ عشرين سنة وأنا أدافع ضد كل أنواع الاضطهاد والتمييز. وهذا لا يقتصر على المسلمين فقط، بل دافعت عن عائلة "فورنييه" المسيحية التي كانت رهينة في نيجيريا وعن البوذيين في التبت والغجر في فرنسا.

أدافع في أوروبا عن حرية ارتداء النقاب، كما أدافع عن حرية عدم ارتداء الحجاب في السودان حيث منعت تطبيق عقاب الجلد على الشابة أميرة عام 2013.

أنا أدافع عن مبادئ الحرية والسلم، وهو ما حاولت تفسيره في كتابي "فولتير النقاب" الذي صدر باللغتين الفرنسية والانجليزية.

بالنسبة للنقاب فأنا لا أدافع عن النساء اللواتي يرتدينه بقدر ما أدافع عن حريتهن الشخصية في ارتداء ما يطيب لهن من لباس.

لم أعد أستسيغ لجوء بعض الحكومات الأوروبية لسن قوانين تضطهد فئة اجتماعية ضعيفة وهشة متمثلة في النساء المنقبات، هذه القوانين مجحفة وتسلب حريتهن في ما يخص اللباس، وذلك تحت ذريعة محاربة الإسلام المتطرف واللعب على وتر الخوف من التهديدات الإرهابية في المجتمعات الأوروبية.

 

undefinedزرتم قبل أسبوعين دولة الدانمارك من أجل دفع الغرامات المالية للمنقبات هناك. هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة، وهل تواصلت مع الجالية الإسلامية في هذا الإطار للدفاع عنها أم أنه قرار شخصي؟

كانت ثاني زيارة لي إلى الدانمارك قبل أسابيع، حيث التقيت عشرات النساء المنقبات أمام مقر البرلمان في العاصمة كوبنهاغن، بعد أن كنت وعدتهن بدفع الغرامات المالية حين إقرار القانون من طرف الحكومة الدانماركية، وقد وفيت بوعدي.

كما كانت الزيارة مناسبة لتوضيح عدد من الأمور أمام الرأي العام الدانماركي الذي كان متخوفا من زيارتي، وأوضحت لعدد من السياسيين الدانماركيين الذين التقيت بهم أن الخطوة تهدف إلى الدفاع عن الحريات الشخصية، وليست تشددا، على اعتبار أن زوجتي ليست منقبة ولا محجبة.

زيارتي أيضا لكوبنهاغن كانت فرصة لكشف مخطط الحكومة الدانماركية الذي لا يهدف إلى حماية النساء كما تدعي، ولكن إلى تجريم ارتداء النقاب.

أريد التأكيد على أن الحكومة الدانماركية عندما سمعت بنيتي دفع الغرامات المالية عن النساء المنقبات، هددت بسن قانون آخر يقضي بسجنهن ما بين 7 و14 يوما في حال تم ضبطهن بلباس النقاب في الشارع مرة أخرى.

يتوجب على الحكومة التي تدير بلدا متعدد الثقافات والأديان ألا تلجأ إلى التهديد والوعيد، لأنها تقصي بذلك هؤلاء النساء، وبعضهن دانماركيات أبا عن جد اعتنقن الإسلام طواعية ولسن مسلمات من أصول عربية.

عند لقائي بصوفي نيلسون وزيرة التعليم العالي الدانماركية، دعوتها إلى اعتماد مقاربة تربوية ونهج سياسة التعايش والحوار من أجل شرح هذا النوع من الملفات الحساسة للرأي العام وطمأنته، وعدم اعتماد سياسة زرع الخوف من المنقبات.

أرغب في مواصلة هذه المعركة من أجل الدفاع عن الحريات الشخصية، ليس في أوروبا فقط وإنما في الدول الإسلامية أيضا. وفي هذا الإطار أعتقد أن عددا من المؤسسات الدولية تقف إلى جانبي من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، من بينها مؤسسة نوبل التي وضعتني على قائمتها لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2018.

undefinedهناك من يرى أن معركتكم خاسرة من أساسها وتبذير لأموالكم فقط، لأنه لا يمكن لشخص واحد الوقوف في وجه حكومات وقوانين تحظر ارتداء النقاب؟

أنا رجل ذو مبادئ ولن أسمح أبدا للحكومات الغربية باستخدام آلتها القانونية من أجل منع النساء من ارتداء اللباس الذي اخترنه طواعية. سأواصل دفع الغرامات المالية عن النساء المنقبات في كل البلدان التي تمنعه، ومن بينها فرنسا وبلجيكا وسويسرا والدانمارك والنمسا وألمانيا وبلغاريا. من خلال دفع الغرامات المالية فأنا بذلك ألغي هذه القوانين وتصبح غير مجدية.

 

undefined البعض يرى أنكم ضللتم طريق المعركة التي تريدون خوضها، ويرون أنه كان من الأجدى الدفاع عن النساء المسلمات المحجبات اللواتي يعانين من التمييز في العمل والدراسة؟

نعم لقد قرأت وسمعت هذه الانتقادات وأنا أتفهمها. أعيد وأؤكد أن معركتي واضحة وهي الدفاع عن مبدأ الحرية، خصوصا الحريات الشخصية في كل البلدان الأوروبية.

لقد اكتسبت خبرة دولية وأصبحت العديد من الدول الأوروبية خائفة إثر النتائج الجيدة التي حصلت عليها بعدما دفعت المئات من الغرامات المالية، وهو ما دفعها لسن قوانين أكثر صرامة لمنعي من الاستمرار في هذه الخطوة.

وفي هذا الإطار سنت الحكومة الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول 2016  قانونا  يستهدفني شخصيا. القانون يقضي بالسجن ستة أشهر و45 ألف يورو غرامة مالية في حال واصلت دفع الغرامات المالية عن هؤلاء النساء، وهو ما دفعني لتغيير إستراتيجيتي. وحاليا أقوم بتقديم قرض لهؤلاء النساء بمبلغ 181 يورو من دون فائدة لمدة عشرين سنة، وبالتالي ستتمكن هؤلاء النساء من خلال "قرض الحرية" من ارتداء النقاب بكل حرية.

undefinedألا تعتقدون أنكم من خلال دفعكم الغرامات المالية تشجعون النساء في أوروبا على ارتداء النقاب، وبالتالي العيش في عزلة اجتماعية وعدم الاندماج في هذه المجتمعات؟

في فرنسا يوجد فقط ستمئة امرأة يرتدين النقاب، وفي بلجيكا نحو مئتي امرأة، وفي الدانمارك بعض مئات فقط.

لا أعتقد أن خطوتي تشجع على العزلة والانغلاق في المجتمعات الأوربية، على العكس، هؤلاء النساء يعرفن أنني خصصت مبلغ مليون يورو للدفاع عنهن وبالتالي يمكنهن الخروج من دون خوف إلى الأماكن العمومية.

إذا لم أدفع هذه الغرامات المالية فإن هؤلاء النساء المنقبات لن يتمكنّ من الخروج إلى الشارع، وسيتحولن إلى شبه سجينات في منازلهن.

undefined كم غرامة مالية دفعتم حتى الساعة؟ وكم كلفكم ذلك؟

دفعت حتى الآن 1553 غرامة مالية، وهو ما كلفني 318 ألف يورو، أي ما يعادل نحو أربعمئة ألف دولار.

undefined البعض يعتبر ما تقومون به نوعا من الاستفزاز لا طائل منه بل الهدف منه جلب الأنظار، مثل دعوتكم في 2017 إلى تجمع بلباس البوركيني أمام مقر مهرجان "كان" السينمائي الدولي؟

ما أقوم به ليس استفزازا على الإطلاق وإنما طريقة حضارية في التظاهر ضد هذه القوانين المجحفة التي تستهدف النساء المسلمات، الاستفزاز الحقيقي هو تلك القوانين التي تخرق وتستهدف الحريات الأساسية للنساء الأوروبيات المسلمات.

ما قمت به في 2017 من الدعوة إلى تجمع بالبوركيني، هو فقط للإشادة ومباركة مرور عام على قرار مجلس الدولة الفرنسي الذي سمح للنساء بارتدائه، بعدما قررت عدد من البلديات الفرنسية منعه على الشواطئ.

كما كانت فرصة للرد والتنديد بانتهازية بعض الأحزاب الفرنسية التي استغلت الأمر للهجوم على النساء المسلمات.

ما قمت به هو فقط لتذكير الرأي العام الفرنسي والأحزاب السياسية بأن الحريات الشخصية مبدأ مقدس في الدول الديمقراطية.

undefined تقدم نفسك كسياسي علماني، هل تدافع عن مفهوم العلمانية الفرنسية؟

لا، أنا أحترم العلمانية في فرنسا لكنني أشدد على ضرورة احترام القيم الإسلامية في البلدان الاسلامية. أنا أدافع عن مفهوم حيادية الدولة في ما يخص الدين كما هو الحال في بلجيكا.

أما العلمانية الفرنسية فقد اتخذت مفهوما أيديولوجيا من خلال التضييق ومحاربة كل أشكال التدين في الفضاء العام، الأمر الذي أرفضه.

أرى أن العلمانية الحقيقية هي السماح لكل الديانات في الفضاء العام وعدم منعها ما لم يكن فيها تهديد للحريات الفردية للأشخاص الآخرين أو لغير المتدينين، وما لم يكن الدين في هذه الحالة فيه تهديد للأمن العام. 

undefined هل تعتقدون أن العلمانية في فرنسا يتم استخدامها بغرض استهداف المسلمين؟

نعم أعتقد جازما أن مفهوم العلمانية في فرنسا ينتج تمييزا اجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وسياسيا. العلمانية الفرنسية تستهدف المسلمين وتعتبرهم متطرفين محتملين، يهددون قيم الجمهورية؛ وهذا غير صحيح البتة. كما أن الطبقة السياسية الفرنسية تغذي خطاب الكراهية والتحريض على المسلمين من خلال استخدام سيئ للعلمانية، وهو ما يهدد قيم التعايش في المجتمع الفرنسي.

undefined ما رأيك في الصعود اللافت للتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا التي تعتمد أساسا في برامجها السياسية على ما تعتبره خطر الإسلام والمسلمين في أوروبا؟

الصعود اللافت لليمين المتطرف في فرنسا يعود لسببين رئيسيين: الأول سياسي وكان ذلك في ثمانينيات القرن الماضي على يد اليسار في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران، وكان الهدف منه إضعاف اليمين المحافظ وشق صفوفه.

والسبب الثاني أيديولوجي ويرتكز على أيديولوجية معاداة العرب والمسلمين وقيمهم وثقافتهم، وهذه الأيديولوجيا نفسها بدأت تنتشر في العديد من الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وإيطاليا والنمسا. 
 
undefined لماذا تخليتم عن الجنسية الفرنسية؟

قامت فرنسا منذ سنوات بسن قوانين تستهدف النساء المسلمات، بحيث منعت الحجاب في المدارس في 2004 وفي 2010 منعت النقاب في الأماكن العامة.

كما تركز الخطاب السياسي والإعلامي في فرنسا خلال السنوات الأخيرة حول الإسلام والمسلمين، مثل التطرف واللحم الحلال والحجاب في الجامعة. لم تعد فرنسا التي كنت أعرف، تلك التي تدافع عن قيم الحرية والمساواة التي درستها في المدرسة والجامعة.

وأمام هذا التحول الخطير في القيم الفرنسية المبنية على المساواة والحرية، وتحولها إلى آلة للقمع والتمييز من خلال سن القوانين التي تستهدف المسلمين؛ اتخذت قرارا في 2013 بالتخلي عن الجنسية الفرنسية، لأنني لم أعد أحتمل إشراك هويتي الإسلامية ودفاعي عن قيم الحرية إلى جانب جنسية تقنن العنصرية.

undefined اعترفت فرنسا قبل أيام باللجوء إلى التعذيب في حرب التحرير الجزائرية. هل تعتقد أن على فرنسا تقديم اعتذار وتعويضات للجزائر عن كل الجرائم التي ارتكبتها؟

أعتقد أن على فرنسا تقديم اعتذار رسمي للجزائر عن كل الجرائم التي ارتكبتها ما بين 1830 و1962. لكن ما يجب معرفته هو أن اتفاقية إيفيان التي منحت الجزائر استقلالها تحول دون المطالبة بالتعويضات على كل فترة الاستعمار الفرنسية للجزائر التي دامت 130 سنة.

undefined لماذا لا تسعى الحكومة الجزائرية إلى المطالبة باعتذار رسمي، وذلك أضعف الإيمان؟

لم تسع أي من الحكومات المتعاقبة منذ 1962 على مطالبة  فرنسا باعتذار حقيقي عن كل جرائمها، لأن هذه الحكومات تدافع أصلا عن المصالح الاقتصادية والسياسية لفرنسا.

كيف يمكن للجزائر أن تطلب اعتذارا من فرنسا ورئيسها عبد العزيز بوتفليقة يعالج في مستشفياتها في باريس. إنه أمر مستحيل.

 

undefined أسست حزبا سياسيا في الجزائر وتقدمت لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2014. هل ستترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة العام المقبل؟

منعني النظام الجزائري الدكتاتوري من خوض الانتخابات الرئاسية في 2014، بعدما اختطف شقيقي الذي كان يحمل التوقيعات التي كنت أحتاجها لخوض هذه المعركة.

كما قام النظام الجزائري بتعديل دستوري في 2016 لمنعي من الترشح، وقد عشت تحت الإقامة الجبرية مدة عامين في قريتي بالجزائر، ومنزلي كان مراقبا على يد 15رجل أمن.

كما تعرضت لمحاولة اغتيال في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017 في باريس أمام منزل عمار سعداني الأمين العام السابق للحزب الحاكم في الجزائر.

ومنذ 2014 أعطت السلطات الجزائرية الأمر بعدم تجديد جواز سفري وبطاقة السياقة الخاصة بي، كما رفعت عدة قضايا ضدي بعدما قمت بالتنديد بالفساد المستشري في البلاد ورفضت قرار الحكومة استغلال الغاز الصخري.

لكن رغم كل هذه العراقيل وعمليات الاضطهاد التي أتعرض لها على يد النظام الجزائري الدكتاتوري، فأنا عازم بحول الله على خوض سباق الانتخابات الرئاسية العام المقبل.

المصدر : الجزيرة