هل ارتكب خاشقجي غلطة عمره في إسطنبول؟

Jamal Khashogg - جمال خاشقجي
خاشقجي تعرض بعد خروجه من المملكة لحملة تخوين (مواقع التواصل الاجتماعي)

عبد الله العمادي-الدوحة

"كنا أربعة أمراء في أوروبا، انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية، اختطف ثلاثة منا.. أنا الوحيد المتبقي الذي لم يخطف".

هكذا قال الأمير خالد بن فرحان آل سعود في وثائقية "بي بي سي العربية" عن أمراء آل سعود المخطوفين.

وهؤلاء المخطوفون لا يستبعد أن يلحق بهم آخرون، في حين ينشغل الرأي العام حاليا بمصير الصحفي جمال خاشقجي الذي اختفى بعد دخوله قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية.

والأمير خالد يعيش منذ 2013 في ألمانيا لاجئا سياسيا بعد أن سجن في ثمانينيات القرن الماضي، ووضع تحت الإقامة الجبرية بعد مطالبته العائلة الحاكمة بهامش أكبر من الحرية في بلاده، وقد نفد بجلده، في حين وقع الأمراء الثلاثة الآخرون في شباك الحكومة التي تم نصبها لهم بصور شتى.

كانت تهمتهم أو العامل المشترك عند الأمراء الثلاثة الذين تم خطفهم أو ترحيلهم -وهم سلطان بن تركي، وتركي بن بندر، وسعود بن سيف النصر- انتقادهم العائلة الحاكمة ومطالبتهم بإصلاحات في نظام الحكم. 

يقول الأمير خالد حين سألوه إن كان الدور عليه "أنا مقتنع بذلك منذ زمن طويل، إذا فعلوا ذلك الآن فإنهم سيكونون قد قاموا بذلك من قبل، أنا حذر جدا، لكن هذا ثمن حريتي".

إذًا كلمة السر في بقاء الأمير خالد إلى الآن حرا رغم استمراره في انتقاد العائلة الحاكمة التي هو منها تكمن في الحذر واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لعدم وقوعه ضحية خطف أو ترحيل.

‪خطيبة الإعلامي السعودي وصديقتها تقفان أمام بوابة القنصلية السعودية في إسطنبول‬ (رويترز)
‪خطيبة الإعلامي السعودي وصديقتها تقفان أمام بوابة القنصلية السعودية في إسطنبول‬ (رويترز)

ترك الحذر
وهذا ما يثير استغراب المتتبع لقضية الكاتب الصحفي جمال خاشقجي الذي اعتبر كثيرون أنه لم يكن حذرا بما فيه الكفاية حيث اختفى أثره منذ ظهر الثلاثاء بعد أن دخل قنصلية بلاده في إسطنبول لإتمام معاملات رسمية، ولم يخرج بعدها بحسب إفادة خطيبته التي كانت تنتظره خارج القنصلية.

خاشقجي -الذي عرفه الناس كاتبا صحفيا ورئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية ووجها إعلاميا كثير الظهور في الفضائيات المختلفة- منع من التغريد في تويتر أواخر عام 2016.

ثم منع من السفر والظهور في وسائل الإعلام حتى ظهر فجأة في واشنطن صيف العام الماضي بعد أن تسربت أنباء أنه خرج سرا من المملكة ونفد بجلده قبل أن تشتد الأمور بالمملكة وتبدأ حملات الاعتقال التي طالت كثيرين من علماء وإعلاميين وأمراء وغيرهم.

ورغم أن جمال خاشقجي قد نفى أنه خرج سرا من السعودية فإن النفي فهمه كثير من المراقبين أنه نوع من إبقاء شعرة معاوية بينه وبين الحكومة، والتي يبدو أن قرار قطعها قد تم اتخاذه فعلا.

عاد خاشقجي للتغريد من واشنطن، واستكتبته أيضا صحيفة واشنطن بوست، في إشارة إلى قيمة وأهمية ما يكتبه بحكم صلاته ومصادره وشبكة علاقاته الواسعة.

خاشقجي في آخر تغريدة له قبل اختفائه "أغادر لندن، وفلسطين في البال"

"غلطة العمر"
ثم بدأت حملات تخوينه ومهاجمته من قبل "الذباب الإلكتروني" حتى كانت آخر تغريدة معبرة له الاثنين قال فيها "أغادر لندن، وفلسطين في البال".

"حضرت مؤتمرا وتعرفت على باحثين وناشطين مؤمنين بعدالة قضيتها من أطراف الأرض رغم قوة اللوبي الإسرائيلي الذي حاصر أي تعاطف معها، إلا أن صوتها لا يزال عاليا هنا، في عالمنا يحاولون تغييب فلسطين لكسر الغضب فينا، ولكنها حاضرة في ضمير كل مواطن وإن صمت".

لا شك أن فلسطين ستكون في ضمير خاشقجي وإن صمت رغبة أو رهبة، هذا الصمت الذي لا يعرف مدى بقائه، والذي يعتبره كثير من المراقبين نتيجة طبيعية لـ"غلطة العمر" التي ارتكبها جمال خاشقجي بدخوله طواعية قنصلية بلاده لأمر كان من الممكن تأجيله أو حتى عدم القيام به.

وهو ما أثار الكثير من الاستغراب والدهشة أن يتصرف رجل بحكمة وخبرة خاشقجي، ويقوم بعمل كان دون شك يدرك خطورته وهو يدرك تمام الإدراك أنه ضمن لائحة سوداء طويلة مطلوبة للسلطات في السعودية، وأن حياته لن تخلو من مفاجآت يتم أو تم الإعداد لها منذ خروجه سرا من البلاد مثلما تم في سيناريوهات الأمراء الثلاثة الذين لا أثر لهم حتى اليوم، وهو ما يخشى أن يتكرر مع جمال وغيره من السابقين واللاحقين.

المصدر : الجزيرة