السوريون بالجزائر.. نجاح وتألق في عالم التجارة

تجارة سوريين في الجزائر
مطعم سوري في الجزائر (الجزيرة)
ياسين بودهان-الجزائر

خلافا للصورة النمطية السلبية التي ارتبطت أحيانا ببعض أفراد الجالية السورية المقيمة بالجزائر، يعطي الواقع بالإحصاء صورة مغايرة، إذ نجحت هذه الجالية في كتابة قصص نجاح متميزة في عالم التجارة بمختلف مجالاتها.

والمتنقل بين الولايات (المحافظات) الجزائرية يقف على الانتشار الواسع للتجار السوريين، وفي صدارة الأنشطة نجد المطاعم.

ورغم الثراء المميز للمطبخ الجزائري وتنوع أطباقه، استمال المطبخ السوري قلوب الجزائريين، وفرض نفسه بالانتشار الكبير للمطاعم السورية في مختلف المدن الجزائرية.

فــ "مشاوي حلب" و"باب الحارة" و"ليالي الشام" و"قلعة الشام" و"شاميون"، و"مطعم بوابة الركن الشامي" كلها أسماء لمطاعم تقدم لزبائنها المأكولات الشامية، مثل "التبولة" و"الشاورما" و"الكبة"، وصولا إلى طبقي "المزة" "والمشاوي" التي وقف على طيب مذاقها الجزائريون، وباتت حلقة وصل بينهم وبين بلاد الشام.

ويتحدث مالك مطعم "قلعة الشام" عن مدى الإقبال الكبير للجزائريين على الأكلات السورية، فهذا المطعم الذي بدأ -حسب حديثه- "صغيرا، بات اليوم كبيرا يشغّل العديد من العمال ويستقبل الزبائن من كل مناطق الجزائر".

‪نشاط مكثف للمطاعم السورية في الجزائر‬ (الجزيرة)
‪نشاط مكثف للمطاعم السورية في الجزائر‬ (الجزيرة)

تجارب ناجحة
وفي الواقع، ليس الطهي المجال الوحيد الذي برع فيه السوريون بالجزائر، بل تمكنوا من خوض غمار العديد من الأنشطة التجارية، على غرار تجارة القماش، حيث يوجد العشرات من المحلات بمنطقة الدرارية في العاصمة الجزائرية لبيع أجود أنواع القماش، إلى جانب ورشات صناعة الحلوى، خاصة حلوى الشامية، حيث يشغّل مصنع لمستثمر سوري بمنطقة الرويبة في العاصمة أكثر من 70 عاملا.

ويتحدث محمد، وهو شاب جزائري من منطقة الكاليتوس بالعاصمة، عن مشروع جمعه بلاجئ سوري فرّ من لهيب الحرب ببلاده قبل ثلاث سنوات من الآن، ويتمثل المشروع في ورشة صغيرة لصناعة حلوى الشامية. ورغم حداثة المشروع، يؤكد محمد للجزيرة نت أن "عملية توزيع الحلوى تصل إلى مدن بعيدة عن العاصمة مثل ولاية سطيف التي تبعد نحو 400 كلم عن العاصمة".

التجارب السابقة هي واقع تؤكده إحصاءات رسمية، إذ تشير أرقام المركز الوطني للسجل التجاري إلى أن الجالية السورية تتصدر قائمة المتعاملين الاقتصاديين المقيدين في المركز.

وحسب الإحصاءات، بلغ عدد الأجانب الذين أسسوا تجارة خاصة نحو 13 ألف مسجل، بنسبة 0.6% من مجموع المتعاملين الاقتصاديين المقدر بنحو 1.9 مليون.

‪فارس مسدور: السوريون ينجحون في الاندماج بالمجتمعات التي يقيمون فيها‬ (الجزيرة)
‪فارس مسدور: السوريون ينجحون في الاندماج بالمجتمعات التي يقيمون فيها‬ (الجزيرة)

الأرقام تتحدث
وحسب إحصاء للمركز الوطني للسجل التجاري، حلّت الجالية السورية في المركز الثاني بعد الجنسية الفرنسية في عدد الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، وذلك بــ1188 شركة، إذ تحظى فرنسا بـ1993 شركة، وتأتي تركيا في المركز الثالث بـ869 شركة، ثم الصين بـ850 شركة، فتونس بـ690 شركة.

وتشير إحصاءات وزارة التضامن الوطني والأسرة بالجزائر إلى وفود نحو 24 ألف لاجئ سوري منذ بداية أحداث الثورة السورية عام 2011.

ويرصد أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور عدة أسباب وراء نجاح الجالية السورية المقيمة بالجزائر، سواء تلك التي انتقلت إلى هذا البلد قبل تدهور الأوضاع الأمنية بسوريا، أو تلك التي فرّت من بلدها بعد اندلاع الثورة السورية في 2011.

ومن ذلك، يقول مسدور، "العلاقات الأخوية والتاريخية التي تجمع الشعبين السوري والجزائري"، وأوضح أن "جذورها تعود لعهد الأمير عبد القادر الذي زرع بذور المحبة والأخوة بين الشعبين".

علاقات تاريخية
والعامل الأهم في نجاح السوريين برأي مسدور هو أن "السوري حينما يدخل بلدا يدخله بحرفته، وإن كانت حرفته بسيطة فإنه يجعل مما ينتج شيئا عظيما، كما أن درجة الاندماج للمواطن السوري في أي مجتمع كبيرة جدا تماثل اندماج الجزائريين حينما يسافرون لأي بلد".

وأشار إلى أن الذين يتسولون في الشوارع ليسوا من السوريين، بل هم من الغجر الذين يمتهنون هذه المهنة حتى في الشام لمّا كانت الأوضاع فيها مستقرة.

وفي الوقت الذي شدد فيه على أن السوريين يعاملهم الجزائريون معاملة تفضيلية بسبب ما عانوه وما يزالون يعانون منه بسبب ظروف الحرب ببلادهم، فقد شدد على أن "وجود هؤلاء في الجزائر يستفيد الجزائريون من معرفة أسرار تفوق السوريين في مجالات الحرف المتعددة، مثل أشغال البناء والديكورات وفن الطهي الذي يبرعون فيه جدا".

المصدر : الجزيرة