التعريب بالجزائر.. المعضلة تراوح مكانها

د.بومدين بوزيد يلقي محاضرة الأمن اللغوي بمناسبة الاحتفاء بعيد اللغة العربية بقاعة المحاضرات بفندق الأروية الذهبية (5)
من محاضرة للاحتفاء باللغة العربية بالجزائر (الجزيرة-أرشيف)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

تجدد الجدل في الجزائر إزاء الاستعمال المبالغ فيه للغة الفرنسية في أغلب المجالات على حساب اللغة العربية، رغم أنها اللغة الرسمية في البلاد بمقتضى الدستور.

وكان لقرارين مفاجئين صادرين عن إدارة بريد الجزائر وشركة الكهرباء (سونلغاز) بتعريب الوثائق، وقع كبير في تصعيد النقاش وإطلاق حملة تدعو لتعريب المراسلات الرسمية والمعاملات الإدارية.

وكانت محكمة بأم البواقي (شرق) أصدرت حكما لصالح مواطنين اثنين الصيف الماضي بعدما طالبا بإلزام شركتي "سونلغاز" و"اتصالات الجزائر" بإصدار الفواتير باللغتين الوطنيتين الرسميتين (العربية والأمازيغية)، كما طالبا بتعويض رمزي عن الضرر الذي لحقهما.

حادثتان غريبتان
وتزامنا مع عودة هذا الجدل وإطلاق هذه الحملة، نشر أحد أشهر المدافعين عن اللغة العربية الدكتور عثمان سعدي -وهو سفير سابق- مقالا ضمنه حادثتين تلخصان الأزمة في الجزائر.

‪نموذج عن فاتورة شركة الكهرباء الجديدة باللغة العربية بدل الفرنسية‬  (الجزيرة)
‪نموذج عن فاتورة شركة الكهرباء الجديدة باللغة العربية بدل الفرنسية‬  (الجزيرة)

يقول سعدي، وهو عضو جمعية الدفاع عن اللغة العربية، إنه خلال مؤتمر عقد مطلع الشهر الجاري بوزارة الخارجية لتوجيه الدبلوماسيين الجدد إلى الخارج، فرض القائمون عليه أن تكون المحاضرات والتعقيبات كلها بالفرنسية.

وسرد حادثة أخرى وقعت قبل سنوات عند تعيين سفير إندونيسيا بالجزائر، وكان يتقن اللغة العربية فأرسل مذكرة إلى وزارة الخارجية باللغة العربية، قبل أن يأتيه الجواب بأن وزارة الخارجية لا تقبل إلا المذكرات المكتوبة باللغة الفرنسية.

وكانت النتيجة -حسب سعدي- أن السفير طلب من حكومته بإندونيسيا نقله إلى بلد عربي يستعمل اللغة العربية.

عودة للدستور
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي يونس شرقي إن تعريب وثائق "بريد الجزائر" و"سونلغاز" عودة لاحترام الدستور في مادته الثالثة.

ويضيف للجزيرة نت أن المشروع انطلق في مذكرة كتابية أصدرها قبل سنوات وزير البريد السابق موسى بن حمادي "لكن لا نعرف لماذا لم يتم العمل بها ولا الجهة التي عطلت تنفيذها".

وحسب شرقي، فإن تعريب الوثائق يعد ضرورة تاريخية ودستورية "للتخلص من هيمنة الفرانكفونية التي فُرضت على الجزائريين دون أي مبرر وجيه ومقنع"، غير أنه أبدى أسفه لأن هناك وزراء في كل الحكومات المتعاقبة لا يجيدون اللغة الرسمية للدولة، "مما يعد خرقا واضحا للدستور".

كما أن عملية التعريب -برأي شرقي- ستواجه صعوبات هائلة "من الناحية الأيديولوجية ومن ناحية المجهود الجبار الذي تتطلبه عملية من هذا النوع".

جدية وقناعة
من ناحيته، يؤكد رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية أحمد بن نعمان أن ما يجري "مجرد حملة تتوقف على جدية وقناعة أصحابها، ومدى الاستجابة لهم من أصحاب القرار".

ويضيف للجزيرة نت أن أصحاب القرار هم الذين عطلوا الدستور في هذه المادة التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة.

‪قماري: كيف لا يزال بعض الوزراء‬ (الجزيرة)
‪قماري: كيف لا يزال بعض الوزراء‬ (الجزيرة)

وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الجامعي الدكتور محمد قماري أنه إذا كان مفهوما ومتقبلا أن يخاطب المسؤول الشعب بالفرنسية في سنوات الاستقلال الأولى بحكم أن التعليم كله كان "مفرنسا"، فإن ذلك يعد مستغربا بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال.

وتساءل: "كيف لا يزال بعض الوزراء والإداريين يتحدثون بالفرنسية في تبليغ ومخاطبة الجزائريين مع أن أكثر من ثلثي تعداد سكان الجزائر من مواليد الاستقلال أو قبيل الاستقلال بقليل؟"

وبشأن الحملة التي أطلقها نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يقول للجزيرة نت إنها تتمة لحملات سابقة كانت تنطلق مبحوحة، ويجرّح أصحابها بالوصمة القديمة "المعربين".  

في المقابل، يفضل رئيس جمعية العلماء المسلمين الدكتور عبد الرزاق قسوم العمل بمبدأ "خذ وطالب"، ويقول للجزيرة نت إن الوقت قد طال ونحن نطالب "فلا يعقل بعد خمسين سنة من الاستقلال أن نبقى في هذه الهجانة اللغوية واللهجات المرقعة كثوب ضم سبعين رقعة.

وعبر عن أمله ألا يبقى هذا العمل معزولا، "بل يجب أن يكون ضمن سلسلة أعمال، وأن يتبعها باقي الوزراء"، داعيا إلى "تعريب العقل وعدم الاكتفاء بتعريب اليد".

المصدر : الجزيرة