عاصمة الأنوار تنتفض في وجه التلوث

برج ايفل وسط العاصمة باريس يشهد اكتظاظا مروريا بالسيارات طوال أيام الأسبوع
خمسة ملايين سيارة تعبر شوارع باريس يوميا وتصدر انبعاثاتها الضارة (الجزيرة)

هشام أبو مريم-باريس

من يسافر إلى باريس هذه الأيام يلحظ تحولا في شوارعها وطرقاتها، التي أصبحت تضم عددا أكبر من المسالك المخصصة للدراجات الهوائية، وأخرى للمشاة، وذلك ضمن انتفاضة في وجه تلوث الهواء الذي يحاصر عاصمة الأنوار.

ومنذ بداية الشهر الماضي، لم يعد بإمكان الزائر -وكذلك المقيم- في باريس التجول في الطرق المحاذية لنهر السين باستخدام السيارة، بعدما قررت بلدية باريس تحويلها إلى طرق خاصة بالراجلين فقط.

تتمتع باريس بكل مقومات الجمال، خاصة آثارها العمرانية العريقة وكنائسها ومسارحها ومتاحفها، وشوارعها الفسيحة، كجادة الشانزليزيه، كما أنها تعتبر قبلة لمحبي الموضة والأزياء، ووجهة سياحية عالمية لأكثر من 25 مليون زائر من مجموع 83 مليونا يزورون فرنسا سنويا.

لكن هذا الوجه الجميل والمشرق لباريس يخفي معاناة حقيقية بسبب تلوث هوائها الذي يتربص بساكنيها وزائريها ويتحول "لقاتل غير مرئي"، كما وصفه أحد خبراء الصحة في فرنسا.

وتصدر الانبعاثات الضارة من ملايين السيارات التي تعبر باريس، والتي يتجاوز عددها خمسة ملايين سيارة يوميا، إضافة إلى آلاف المصانع والمعامل التي تنفث آلاف الأطنان من الكربون يوميا في سماء العاصمة، وهو ما يعرض حياة أكثر من 15 مليون باريسي للخطر.

باريس تخصص مزيدا من المسالك للدراجات الهوائية (الجزيرة)
باريس تخصص مزيدا من المسالك للدراجات الهوائية (الجزيرة)

إجراءات
وللحد من آثار التلوث، كانت بلدية باريس أعلنت سلسلة إجراءات بناء على خطة متكاملة من خمسمئة إجراء أعدتها لجنة برلمانية مختصة العام الماضي، بينها حظر السيارات المصنوعة قبل عام 1997.

وألزمت البلدية السائقين بوضع لاصقات تشير إلى نسبة الانبعاثات الملوثة التي تصدر عن سياراتهم. كما تم توسيع أماكن سير المشاة والدراجات الهوائية على حساب السيارات، وهو ما يتسبب في حالات اختناق مروري في أغلب أيام الأسبوع.

وأقرت بلدية باريس خطة خماسية تمتد من 2015 إلى 2020، وتقضي برفع نسبة الشوارع المخصصة للدراجات والراجلين من 5 إلى 15%. ووفقا لهذه الخطة سيكون هناك ما لا يقل عن 1400 كيلومتر من المسالك المخصصة حصرا للدراجات، مع حلول سنة 2020.

وأعلنت عمدة باريس آن هيدالغو الأسبوع الماضي خطة تهدف إلى خفض نفقات الطاقة بكل أشكالها إلى النصف بالنسبة للعاصمة بحلول 2050، والاعتماد بنسبة 100% على الطاقات المتجددة.

وقالت هيدالغو أيضا إنه سيجري تشجيع المواطنين على اقتناء وسائل نقل صديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية والدراجات الكهربائية، إضافة إلى التعويض المالي للموظفين الذين يستقلون الدراجات الهوائية للذهاب للعمل، وذلك تمهيدا لحظر استخدام سيارات الديزل بشكل نهائي في شوارع باريس مع حلول سنة 2024، وبالنسبة لسيارات البنزين سيتم منعها بحلول 2030.

يذكر أن بلدية باريس تراقب منذ عامين عن كثب مستوى التلوث، وحينما يتجاوز الحد المسموح به تفرض على السائقين السير بالتناوب حسب أرقام الألواح المعدنية إما زوجية أو فردية، إضافة إلى السماح لكل المواطنين باستخدام وسائل النقل العمومي كالقطارات ومترو الأنفاق والسيارات الكهربائية بشكل مجاني.

بلدية باريس تشجع المواطنين على استخدام السيارات الكهربائية (الجزيرة)
بلدية باريس تشجع المواطنين على استخدام السيارات الكهربائية (الجزيرة)

كلفة باهظة
وحسب تقرير نشرته الوكالة الوطنية الفرنسية للصحة العام الماضي، فإن 48 ألف مواطن لقوا حتفهم بسبب تلوث الهواء، أي ما يعادل نسبة 9% من مجموع الوفيات. وأوضح خبراء في الصحة أنه في حال خفض مؤشرات التلوث يمكن إنقاذ نحو 34 ألف شخص سنويا.

ولتلوث الهواء كلفة مالية باهظة أيضا، حيث كشف تقرير أعدته لجنة برلمانية خاصة عام 2015 عن أن التلوث يكلف الحكومة الفرنسية أكثر من 101 مليار يورو (117.6 مليار دولار) سنويا، وهو ما يعادل أكثر من ضعفي كلفة أضرار التدخين التي تصل إلى 47 مليار يورو (54.7 مليار دولار).

وفسر التقرير أن الكلفة الباهظة للتلوث سببها الأمراض التي تنتج عنه مثل سرطان الرئة وأمراض القلب والربو، إضافة إلى ما يترتب عليه من تعويضات مالية للمريض بسبب عجزه عن الشغل.

المصدر : الجزيرة