المراقبة الأمنية تؤرق مسلمي اليابان

الصورة الرئيسية: مسجد في طوكيو
مصلون بأحد مساجد طوكيو (الجزيرة)
فادي سلامة-طوكيو
 
لم يكن زكريا شكراني -الشاب المغربي المقيم في اليابان منذ أكثر من عقدين- يتخيل في يوم من الأيام أن تنظر إليه السلطات اليابانية كمشتبه في كونه إرهابيا.
 
كان شكراني مديرا لأحد أفخر المطاعم في العاصمة طوكيو، وكان من بين ضيوفه كثير من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، بل إن رجال الأمن المسؤولين عن الحراسة كانوا يتصلون به ليدلهم على مداخل المطعم ومخارجه، ولينسقوا وصول تلك الشخصيات المهمة وخروجها. 
اسم زكريا كان من ضمن بيانات تسربت على الإنترنت عام 2010 من ملفات الشرطة اليابانية، وضمت نحو مئة وثيقة تظهر أن الشرطة قامت بعمليات مراقبة دقيقة لنحو 72 ألف مسلم في اليابان، وأشارت إليهم كـ"مشتبه بهم".
 
وشملت المراقبة معلوماتهم الشخصية، كنسخ عن وثائقهم وحساباتهم المصرفية وتفاصيل تحركاتهم وسفرهم. كما أظهرت البيانات أن الشرطة زرعت في بعض الحالات كاميرات مراقبة سرية داخل مساجد في اليابان، وأرسلت عملاء متخفين لاختراق الجمعيات الإسلامية والمحال التي تبيع الأطعمة الحلال للمسلمين.
 
ويبدو قيام الشرطة بمراقبة بعض المسلمين للاشتباه بهم أمرا عاديا في ظل ظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) التي تجتاح العالم، ولكن مراقبة الشرطة اليابانية لـ72 ألف مسلم في بلد لا يتجاوز عدد المسلمين فيه مئة ألف، يظهر أن عملية المراقبة ممنهجة وتخضع لنظام يعتبر كل مسلم مشتبها به حتى يثبت العكس. 
 
‪صورة للكتاب الذي ضمَّ البيانات المسربة‬  (الجزيرة)
‪صورة للكتاب الذي ضمَّ البيانات المسربة‬  (الجزيرة)
حولت إلى كتاب
إحدى دور النشر اليابانية حولت المعلومات المسربة من ملفات الشرطة إلى كتاب، وباعت منه آلاف النسخ خلال وقت قياسي، مما دفع زكريا و16 شخصا آخرين لرفع دعوى ضد دار النشر لسحب كتابها، وضد الشرطة اليابانية لانتهاكها خصوصيتهم.
 
كما رفعت مجموعة من المحامين اليابانيين دعوى ضد الشرطة اليابانية ممثلة بالحكومة المركزية، تقول فيها إن عمليات المراقبة التي يخضع لها جميع المسلمين في اليابان لمجرد دينهم تتعارض مع روح وقوانين الدستور الياباني الذي يضمن للإنسان حريته الشخصية وخصوصيته.
وفي 2014، كسب زكريا ورفاقه الدعوى ضد الشرطة وتوصلت محكمة طوكيو إلى أن تسرب بيانات الشرطة أضر بالمدعين وانتهك خصوصيتهم، وأمرت الشرطة بأن تدفع لهم تعويضات بنحو 90 ألف دولار، لكن المحكمة اعتبرت مراقبة الشرطة للمسلمين "عملا قانونيا" لا ينتهك الدستور، فاستأنف المحامون الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا.
وفي 31 مايو/أيار الماضي، أيدت المحكمة الدستورية العليا حكم محكمة طوكيو، وصادقت على القانون الذي يسمح للشرطة بمراقبة جميع أفراد الجالية المسلمة في البلاد، وأعطت المحكمة بذلك للشرطة صلاحية جمع البيانات بحرية لمجرد كون المرء مسلما. 
 
‪زكريا شكراني أعرب عن خيبة أمله تجاه قرار المحكمة العليا‬  (الجزيرة)
‪زكريا شكراني أعرب عن خيبة أمله تجاه قرار المحكمة العليا‬  (الجزيرة)
خيبة أمل
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أعرب زكريا شكراني عن خيبة أمله تجاه قرار المحكمة العليا. وقال "لسنا ضد جهود الشرطة لحفظ أمن اليابان وسلامتها، ولكن لا نقبل أن يكون ذلك بطريقة تنتهك حقوقنا، فهي تعتبرنا مشتبها بهم لمجرد أننا مسلمون، حتى أبناؤنا يشار إليهم على أنهم مشتبه بهم محتملون وتبدأ مراقبتهم بمجرد أن يبلغوا الخامسة عشرة من العمر". الوثائق المسربة أظهرت بالفعل أن الشرطة راقبت نحو 1600 طفل من أبناء المسلمين.
ولم تقتصر عمليات المراقبة على الأجانب، بل شملت أيضا المسلمين اليابانيين الذين يقدر عددهم بعشرة آلاف.
 
ولم تعلق الشرطة اليابانية على قرار المحكمة الدستورية العليا، بل طلبت من الجزيرة نت الرجوع إلى تصريح نشرته الصحف عن أحد مسؤوليها في عام 2014، يقول فيه "إن الشرطة تقوم بعمليات جمع المعلومات لمحاربة الإرهاب ضمن إطار القوانين اليابانية". 
أما المحامي ماكوتو إيواي (أحد المشاركين في رفع الدعوى ضد مراقبة المسلمين)، فقال للجزيرة نت إن "الشرطة اليابانية تواصل عمليات المراقبة الشاملة للمسلمين، وتردني الكثير من الاستشارات من مسلمين يكتشفون أنهم يتعرضون للمراقبة، وأنا أشجعهم على أن يقوموا برفع الدعاوى ضد الشرطة لتتوقف عن مراقبتهم".
ومن المتوقع أن تزداد عمليات مراقبة المسلمين بعد العملية "الإرهابية" الأخيرة التي وقعت في دكا عاصمة بنغلادش، وأودت بحياة عشرين شخصا من بينهم سبعة يابانيين.
المصدر : الجزيرة