معارضة عراقية جديدة لا ترجو اقتسام "الكعكة"

مؤتمر المعارضة العراقية في باريس
المشاركون في مؤتمر المعارضة العراقية في باريس التي احتضنته على مدى يومين(الجزيرة)

عياش دراجي-باريس

كانت باريس تحتضن المعارضة العراقية أيام الرئيس الراحل صدام حسين بكل أطيافها، وكانت المعارضة آنذاك ترى في باريس موطن حرية رأي ومتنفسا سياسياً لها، وتغيرت حال العراق، ووصل بعض أقطاب تلك المعارضة إلى سدة الحكم، لكن من كان أمس في المعارضة وصار اليوم في السلطة أصبح يضيره أن تستقبل باريس معارضيه.

وعلى ضوء ما يجري في العراق من مخاضات تكاد تعصف بالتماسك الجغرافي للبلاد، نشأت مبادرات من أطراف معارضة متنوعة المشارب السياسية، وعملت عدة أشهر على عقد مؤتمر في باريس لإطلاق مشروع وطني عراقي معارض وطامح إلى إصلاح ما تراه فاسداً، لكن نظام بغداد سارع إلى عرقلته، وأوفد رسله إلى باريس يرجوها ألا تمنح أي فرصة للمعارضة الجديدة، ورمت بغداد ومعها طهران بكل ثقلهما لثني باريس عن قبول استضافة مؤتمر "منظمة سفراء السلام" الذي انعقد يومي ٢٨ و٢٩ مايو/أيار الجاري.

أما باريس فحاولت أن تخفف الضغوط لتعطيل المؤتمر الذي شهد إعلان إنشاء كيان سياسي تحت اسم "المشروع الوطني العراقي"، لا ينطوي على حزب أو جبهة، فمؤسسوه يريدونه أن يبقى مفتوح الباب لكل من انضم مستقبلا للمشروع مهما كانت أفكاره وديانته وعرقه، ولا شرط سوى أن يكون وطنيا عراقيا وحسب.

وهنا يبدو الطموح كبيراً، فشرطا "وطني عراقي" يحملان شحنة عظيمة ورغبة جامحة في حماية الوطن من الغزو والتدخل الأجنبي والحفاظ على العراق من أي تشويه، سواء كان على صعيد الهوية أو الديموغرافيا، وهو ما أثار قلق إيران.

‪دوفيلبان‬  (وسط)(الجزيرة)
‪دوفيلبان‬  (وسط)(الجزيرة)

جلسات صريحة
كانت جلسة الافتتاح في اليوم الأول لأعمال المؤتمر السبت الماضي صريحة بمداخلاتها وكبيرة بضيوفها، وكان حضور رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دوفيلبان ملفتا، وهو الذي قاد دبلوماسية غربية مقاومة للآلة الأميركية التي دخلت العراق عام ٢٠٠٣ بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل.

وجدد دوفيلبان في المؤتمر ما كان يعيبه على الولايات المتحدة الأميركية، حيث رأى أن الإدارة الأميركية كانت تعتقد بأن العراق مختبرا لتجاربها "الديمقراطية" رغبة منها في إعادة بناء شرق أوسط كبير آخر، وهذا خطأ -كما قال- وأضاف "كانت تلك أضغاث أحلام أميركية".

ولم يخف دوفيلبان رأيه بأن الولايات المتحدة اليوم لا تعرف كيف تتعامل مع الوضع القائم في العراق، وتريد الحفاظ عليه، لا سيما أنها منشغلة اليوم بالانتخابات والتحضير لها.

وأكد دوفيلبان أكثر من مرة دور الدول العربية -خاصة دول الخليج– في لعب دور قوي في إعادة بناء العراق دولة ومجتمعا، وعدم انتظار الانتخابات الأميركية وما ستسفر عنه، مشيرا إلى ضرورة "إلغاء قانون اجتثاث عناصر البعث السابق، والدفاع عن مصالح الجميع، كل الأطياف والطوائف والعشائر، بغض النظر عن العرق والتوجه السياسي".

‪الضاري: بميلاد المشروع الوطني العراقي بدأت مرحلة جديدة من بلورة نشاط دولي ودبلوماسي ستنعكس آثاره داخليا‬ (الجزيرة)
‪الضاري: بميلاد المشروع الوطني العراقي بدأت مرحلة جديدة من بلورة نشاط دولي ودبلوماسي ستنعكس آثاره داخليا‬ (الجزيرة)

الدور الإيراني
وبالتزامن مع المعارك المشتعلة ضد تنظيم الدولة في الفلوجة، واتهام الحشد الشعبي المشارك فيها بتدمير المساجد وقتل المدنيين، كانت مداخلات المشاركين في المؤتمر واضحة في تحميل إيران مسؤولية كبيرة في زعزعة استقرار العراق والسعي الحثيث للسيطرة عليه ودفعه دفعا إلى حروب طائفية تخرج منها هي المستفيد الوحيد.

فالباحثة العراقية ياسمين جواد وافقت الضيف اللبناني محمد علي الحسيني، العارف بخفايا طموحات إيران، وقالت "إن إيران خطر على هويتنا الوطنية، لا سيما دعمها المليشيات المسلحة".

لم تكن مسألة محاربة الإرهاب غائبة عن مداخلات المشاركين، حيث عدوا التهديد الإرهابي خطراً آخر يهدم تماسك العراق دولة وشعبا، وأن فساد السلطة وطائفيتها وتدخل إيران يزيد من أوار نار الإرهاب.

وكان اليوم الثاني والختامي للمؤتمر يوما عراقيا بامتياز، حيث جرت أعمال المؤتمر بعيدا عن أعين الصحفيين، ولم يدع إلى نقاشاته أي ضيف أو متدخل أجنبي، ووضعت اللمسات الأخيرة على المشروع.

بميلاد "المشروع الوطني العراقي" بدأت مرحلة جديدة من بلورة نشاط دولي ودبلوماسي دون شك ستنعكس آثاره داخليا، هذا على الأقل ما يرجوه جمال الضاري أحد الوجوه البارزة في صياغة هذا المشروع، الذي استقر رأي المؤتمرين على أن يكون هو رئيسا للمشروع الوطني العراقي الجديد.

يقول الضاري إن أهم ما يميز قضية العراق ويجعلها مستعصية على الحل هو أن من يتعامل مع القضية العراقية لا يتعامل مع حجم وأبعاد المشكلة الحقيقية، وإن قضية العراق هي قضية تهم المجتمع الدولي برمته، وإن العملية السياسية الحالية عملية فاشلة في إدارة البلد وليست مأمونة على حماية العراقيين، لذلك يحق للعراقيين مخاطبة المجتمع الدولي وتدويل قضيتهم على غرار سوريا واليمين وليبيا، وفق تعبيره.

ويبدو واضحا أن التشكيل السياسي الجديد لا يريد اقتسام السلطة ولا وضع نفسه في طابور الأحزاب المتنافسة على كعكة الحكم في بغداد، بل يسعى إلى ما هو أشمل، ويدفع باتجاه إعادة النظر في العملية السياسية العراقية.

المصدر : الجزيرة