عاطلون بالجزائر.. تصعيد للفت انتباه السلطات

شباب محتجين امام مقر ولاية ورقلة 24 فيفري 2016 مصدر الصورة الناشط مداني المداني تحصلت على موافقة منه لنشرها
عاطلون عن العمل خلال احتجاجات أمام ولاية ورقلة (الجزيرة نت)

ياسين بودهان-الجزائر

لجأ مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل في جنوب الجزائر إلى أسلوب جديد من الاحتجاج لنقل معاناتهم، وقام عدد منهم بخياطة أفواههم وتقطيع أجسادهم، وهي الخطوة التي اختلف المتابعون في قراءتها بين من يرون أنها تحمل إنذارا عاجلا بالتدخل، وآخرون حذروا من تبعاتها وتأثيرها على وضع البلاد.

وخلال فبراير/شباط الماضي شهدت ولاية (محافظة) ورقلة، جنوب شرق البلاد، عدة حركات احتجاجية، نظمها شباب عاطلون تنديدا بما أسموه التهميش والظلم الممارس بحقهم.

غير أن لجوء نحو عشرين شابا عاطلا إلى خياطة أفواههم، وتقطيع أجسادهم باستعمال شفرات الحلاقة، عشية احتفال الجزائريين بذكرى تأميم المحروقات يوم 24 فبراير/شباط، أمر اعتبره البعض بمثابة رسالة تستدعي تدخلا عاجلا من السلطة لاحتواء أزمة الشغل في هذه المناطق.

ويسعى أغلب العاطلين للحصول على فرص بالشركات النفطية العاملة بالمنطقة -التي يتجاوز عددها وفق بعض الإحصاءات سبعمئة شركة- بسبب الأجور المرتفعة التي تقدمها، في حين تشهد المجالات الأخرى وخاصة الفلاحية ندرة شديدة من اليد العاملة بسبب الأجور المتدنية.

وأقرت الحكومة منذ 2011 -تاريخ بداية الاحتجاجات ضد البطالة بمناطق الجنوب- مجموعة قوانين لإنعاش سوق الشغل بالمنطقة، أهمها تعليمات من الوزير الأول عبد المالك سلال تتضمن تخفيض نسبة الفوائد البنكية الموجهة للشباب، ومنح 20% من صفقات الخدمات البترولية لسكان الجنوب، إلا أن هذه الإجراءات لم تساهم في تغير الأوضاع.

جليد: السلطة لم تتعامل بجدية مع ملف العاطلين واعتمدت حلولا ترقيعية (الجزيرة نت)
جليد: السلطة لم تتعامل بجدية مع ملف العاطلين واعتمدت حلولا ترقيعية (الجزيرة نت)

احتجاجات مستمرة
وأوضح الناشط عبد القادر جليد أن احتجاجات الشباب العاطل لم تتوقف أبدا، واتهم من سماهم "ألمافيا المحيطة بالملف" بتأجيج الملف بين الحين والآخر عن طريق الإعلام خدمة لمصالحها.

لكنه يشدد في الوقت نفسه أن "السلطة لم تتعامل بجدية مع الملف، واعتمدت على حلول ترقيعية، وسياسة الهروب للأمام، في تعاملها مع الشباب".

وقال جليد للجزيرة نت إن "نسبة البطالة بولاية ورقلة لا تمثل حتى 40% من مجموعة المناصب التي توفرها الشركات النفطية المحلية والأجنبية" وبالتالي فإن حل المشكلة برأيه "بسيط لو توفرت الإرادة، لكن الواقع أن الوظائف الشاغرة التي يعلن عنها في وكالة التشغيل قليلة جدا".

وبرأيه فإن "السلطات المحلية باتت غير قادرة على تحمل الضغط لعدم امتلاكها صلاحيات التحكم في الشركات البترولية الكبرى". واستغرب في الوقت نفسه موقف السلطات المركزية التي "أهملت بشكل مفرط ملف التشغيل بالجنوب الجزائري".

ومع تطور أسلوب الاحتجاجات، لا يستبعد الناشط اتساع دائرتها، وطالب السلطات المركزية بالتدخل العاجل لتلبية مطالب المحتجين.

وتعد البطالة إحدى الأزمات التي يعاني منها الجزائريون، وتشير أرقام الديوان الوطني للإحصائيات (هيئة رسمية) إلى أن البطالة بين أوساط الشباب بلغت 30% خلال سبتمبر/أيلول 2015.

‪العاطلون يطمحون لمنصب بشركات النفط في الجنوب الجزائري‬ (رويترز)
‪العاطلون يطمحون لمنصب بشركات النفط في الجنوب الجزائري‬ (رويترز)

مسكنات للأزمة
ويعتقد الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني (إسلامي معارض) فيلالي غويني أن أزمة البطالة لا تقتصر فقط على شباب الجنوب فقط، وإنما هي أزمة يعاني منها كل شباب الجزائر، وعزا ذلك إلى عدم فعالية أجهزة التشغيل، واعتبر أن "عقود التشغيل التي توفرها الحكومة والتي تتراوح مدتها ما بين ستة أشهر وعام، مع أجور زهيدة، هي مجرد مسكنات للأزمة وليست حلا".

واعتبر غويني أن "بروز أساليب جديدة في الاحتجاجات من تخييط للأفواه وتقطيع الأجساد أمر قد يدخل البلاد في احتقان أكثر" خاصة مع تراجع السلطات المركزية عن "التزاماتها من خلال إقرار موازنة 2016 والتي أحدثت ضررا مس الفئات الاجتماعية الهشة والمحدودة الدخل".

ورغم اعترافه بمشروعية المطالب المرفوعة، فإن رئيس حزب الكرامة (موالي للسلطة) أحمد بن حمو يؤكد أن "خياطة الأفواه وما رافقه من ممارسات عنف أمر غير مقبول". ودعا الشباب المحتج إلى "ضرورة الوعي بالمخاطر المحدقة بالبلاد".

وقال بن حمو للجزيرة نت "على هؤلاء أن يتذكروا ما فعلته نار بوعزيزي التي أحرقت تونس وأحرقت غيرها من الدول العربية".

وفي تقديره فإن أزمة البطالة بهذه المناطق سيتم احتواؤها خلال الستة الشهور القادمة، مع دخول نظام تشغيل جديد حيز التنفيذ، وهو النظام الذي يقول إنه "دقيق وشفاف ويقدم كل المعلومات عن سوق الشغل لطالبيه".

وبين رئيس حزب الكرامة أن حزبه تقدم بمقترح آخر يكون أكثر جدوى، وهو رفع الأجور في مجالات البناء والفلاحة إلى مستوى الأجور التي تقدمها الشركات النفطية، وهو الأمر الذي سينهي برأيه "أزمة اليد العاملة في هذه المجالات، ويقضي على مشكلة طال أمدها".

المصدر : الجزيرة