الذكرى الأربعون للحرب اللبنانية.. هل غادر شبحها؟

A Palestinain woman pleads with Christian militia in Beirut while a man tries to take children to safety during the Lebanese civil war, 19th January 1976. (Photo by Francoise De Mulder/Roger Viollet/Getty Images)
الحرب اللبنانية حصدت أكثر من مائة ألف قتيل وعشرات الآلاف من المفقودين (غيتي)

علي سعد-بيروت

في 13 أبريل/نيسان 1975 وفي منطقة عين الرمانة التي تقطنها أغلبية مسيحية شرق بيروت، أطلق عناصر من حزب الكتائب اللبناني المسيحي على مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يمرون صدفة في المكان بعيد توتر خلقه حادث وقع في ذات المنطقة، قبالة كنيسة، وكان طرفاه مسلح فلسطيني ومرافق لزعيم حزب الكتائب بيار الجميل.

نتج عن الاشتباك مذبحة عرفت فيما بعد باسم "حادثة عين الرمانة"، ويعتبرها المراقبون الشرارة التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في مثل هذه الأيام قبل أربعين عاما.

استمرت الحرب 15 عاما وذهب ضحيتها أكثر من مائة ألف قتيل وعشرات الآلاف من المفقودين، ولم تتوقف إلا عندما طبقت اتفاقية الطائف لأول مرة عام 1990 بعد نحو عام على توقيعها.

كانت أعواما قاسية على اللبنانيين وعلى المنطقة، حيث كادت الحرب أن تصبح الهوية والتعريف المقترن باسم لبنان، خاصة بعد أن تطورت إلى حروب بالوكالة شاركت فيها دول عديدة عبر أنصار لها من داخل وخارج لبنان.  

ورغم أن قانون العفو العام أقره البرلمان اللبناني صيف العام 1991 وأجريت انتخابات تشريعية عام 1992، فإن لبنان حتى اليوم لم يتعاف بالكامل من آثار الحرب الأهلية وولاءاتها.

وما فتئت البلاد تشهد في العقدين الماضيين انتكاسات كانت بمثابة هزات ارتدادية ناتجة عن زلزال الحرب الأهلية الذي ضرب هذا البلد الصغير الذي كان في وقت من الأوقات يلقب بسويسرا العرب. 

‪رجال دين مسلمون ومسيحيون‬ رجال دين مسلمون ومسيحيونشاركوا باحتفالات ذكرى الحرب (الأوروبية)
‪رجال دين مسلمون ومسيحيون‬ رجال دين مسلمون ومسيحيونشاركوا باحتفالات ذكرى الحرب (الأوروبية)

شبح الحرب
أحد المواطنين اللبنانيين واسمه محمد من ضاحية بيروت الجنوبية، لا يطمح لأكثر من أن يكون قادرا على الذهاب إلى عمله يوميا دون أن يعترضه صدى وابل من الرصاص المتقطع "الذي يذكر دائما بأننا بلد لا يعيش إلا على الحروب".

عُمر محمد من عمر الحرب.. أربعون عاما. يقول للجزيرة نت "نعيش في وضع مأساوي على كل الأصعدة، يمكن أن نشبهه بتلك المرحلة السوداء، لكن بشكل مذهبي قاس، خصوصا مع احتدام الخلاف بين إيران والسعودية".

أما المواطن اللبناني إيلي الذي سمع من والده الكثير من قصص الحرب الأهلية، فيقول إن "كثرة الكلام عن فتنة سنية شيعية في لبنان وضرورة تجنبها يخلف لديه نوعا من القلق المزمن الذي يرافقه يوميا، لأن الحرب الأهلية إذا وقعت لن تستثني أي منطقة في لبنان".

ويضيف للجزيرة نت أن "هاجس البحث عن فرصة عمل خارج لبنان بات جزءا من يومياته بنصيحة من عائلته، خصوصا أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد لا تشجع على البقاء حتى بدون وجود حرب".

ولا يزال معظم السياسيين والأحزاب التي كانت أطرافا مباشرة في الحرب الأهلية موجودين على الساحة، إما في السلطة أو بشكل مؤثر على المشهد السياسي.

سعد الحريري أكد أنه يعمل علىعدم السماح للحرب بالعودة (أسوشيتد برس)
سعد الحريري أكد أنه يعمل علىعدم السماح للحرب بالعودة (أسوشيتد برس)

نيران الحروب
ويستذكر سياسيو لبنان الحرب الأهلية في ذكراها الأربعين بما يشبه اللعنة على تلك الأيام. ودعت قيادات سياسية لبنانية بهذه المناسبة إلى تجنيب لبنان نيران الحروب الجارية في المنطقة، خاصة الحرب في سوريا.

يقول كريم بقرادوني الرئيس السابق لحزب الكتائب الذي لعب الدور الأبرز في الحرب الأهلية، إن "كل السياسيين يلعنون الحرب الأهلية، ولكن لا أحد منهم توقف ليجري نقدا ذاتيا حول أسبابها، وبالتالي لم نخرج منها نفسيا حتى الآن".

ولفت بقرادوني في حديث للجزيرة نت إلى أن "دول العالم ما زالت تناقش الحرب العالمية الثانية وأسبابها، بينما نحن طمسنا الجرح دون أن نقدم العلاج، وأبقينا أسباب تلك الحرب غامضة، لذلك قد نكون نكرر نفس الأسباب دون أن نعي أنها سببت حربا".

أما زعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري فقال في هذه المناسبة إن "لبنان لم يخرج من الحرب الأهلية ليدخل أتون الحروب العربية.. لن نسمح للحرب بأن تعود".

من جهته، يرى خالد حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي الذي شارك في الحرب على غرار باقي الأحزاب، أن الحرب الأهلية بدأت ولم تنته لأنها كانت نتيجة لوضع سياسي قائم في البلد، وهي بعكس ما يقال لم تكن حرب الغير على أرض لبنان، وإن كان للخارج تأثيره في قسم منها.

وقال حدادة في حديث للجزيرة نت إن "النظام الطائفي في لبنان هو الذي أسس الحرب لقطع مسار تطور وتغيير كان قد بدأ مطلع سبعينيات القرن الماضي، فأعاد تكريس طبيعته من حيث سيطرة الإقطاع السياسي وقوى رأس المال على الاقتصاد اللبناني، وبالتالي لا تزال العناصر المكونة لها موجودة، وما زلنا نعيشها بكل أشكالها وإن كانت الأشكال العسكرية تخمد قليلا".

دور الخارج
ويتخوف لبنانيون كثيرون من تكرار الحرب في بلادهم ولكن بعنوان مختلف وهو الفتنة السنية الشيعية، بفعل احتدام الصراع في المنطقة.

لكن بقرادوني يرى أن الفارق الأساسي الذي سيمنع تكرارها هو وجود جيش مقاتل وقوى أمنية قادرة، وهو ما لم يكن موجودا حينها، معتبرا أن هذه هي الضمانة الوحيدة، وكل ما عدا ذلك لا يعول عليه، "فالتدخل الخارجي لا يزال نفسه، ولا نزال نتفاعل ونفعل لما يحدث حولنا، وعقولنا لم تصبح نقية ولا السياسيون غيروا مسلكهم".

أما حدادة فيرى أن الفتنة السنية الشيعية هي الاسم المستخدم اليوم للمخطط الأميركي للمنطقة والذي تلاقيه بعض المشاريع الأخرى، متخوفا من الخطر الذي يمثله هذا المشروع على لبنان لناحية تجديد الصراع العسكري.

وأكد أن أي مواجهة حقيقية لإمكانيات تجدد الصراع العسكري تبدأ بتغيير النظام اللبناني وبمؤتمر تأسيسي يجعل من لبنان دولة ديمقراطية علمانية عربية قادرة على أن تساهم إيجابيا بمواجهة المؤامرة الموجودة في المنطقة.

وقد شارك عدد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين جنبا إلى جنب في مراسم إحياء الذكرى الأربعين للحرب اللبنانية، في بادرة لترويج اللحمة والتوافق بين اللبنانيين.

المصدر : الجزيرة