مجزرة الميدان في أوكرانيا.. أين الحقيقة؟

محمد صفوان جولاق-كييف

خيم الحزن على العاصمة الأوكرانية كييف من جديد في الذكرى الأولى لـ"مجزرة الميدان" كما يسميها نشطاء "اليورو ميدان"، وأنصار التقارب مع الاتحاد الأوروبي والغرب.

وفي الفترة ما بين 18 و21 فبراير/شباط من العام الماضي سقط أكثر من سبعين قتيلا في صفوف محتجين طالبوا بإسقاط نظام الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وثلاثين قتيلا من قوات الأمن، في حادثة كانت الأكثر دموية بتاريخ كييف المستقلة.

كمئات غيرها، تبكي وتصلي إيرينا، وتضع الزهور أمام صورة ابنها في الشارع الذي شهد معظم عمليات القتل، فتحول اسمه إلى شارع "مائة السماء" ولا يزال مغلقا، تخليدا لذكرى من ضحوا فقتلوا وأصبحوا "أبطالا".

الحقيقة واضحة بالنسبة للسيدة إيرينا التي فقدت ابنها ذي الثلاثين ربيعا، فقوات الأمن سلاح قاتل صنع ليدافع عن الأنظمة المستبدة المتعاقبة عند الحاجة، و"بُرمج وفق منظومة الفساد ليحميها ويكون جزءا منها" كما تؤكد للجزيرة نت.

‪حقيقة الجهة التي نفذت عمليات قنص المحتجين ورجال الأمن لا تزال غامضة‬ (الجزيرة نت)
‪حقيقة الجهة التي نفذت عمليات قنص المحتجين ورجال الأمن لا تزال غامضة‬ (الجزيرة نت)

مخطط روسي
أحداث الميدان كانت سببا رئيسيا لحل وإعادة تشكيل معظم قوات الأمن التي شاركت آنذاك، خاصة قوات الصقور "بيروكوت" لمكافحة الشغب، لكن حقيقة الجهة التي نفذت عمليات "قنص المحتجين ورجال الأمن" ظلت غامضة، فكثرت الاتهامات والفرضيات دون أي إثباتات تذكر.

ولم يستبعد كثير من المحققين أن يكون طرف ثالث قد نفذ عمليات القتل عندما عمت الفوضى وتعالت سحب الدخان وجن الليل، إلى أن خرج مؤخرا رئيس جهاز الاستخبارات الأوكراني (إس بي أ) فالينتين ناليفايتشينكو فقال إن مساعدا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مسؤولا عن القناصة في الميدان.

ناليفايتشينكو أكد أن التحقيقات مع عناصر قوات "ألفا" الخاصة التابعة لجهازه أثبتت أن فلاديسلاف سوركوفا مساعد للرئيس بوتين، وأنه كان في كييف، وكان يقود مجموعات من القناصة الأجانب في الميدان خلال فبراير/شباط من العام الماضي.

وأشار إلى وجود شهادات ووثائق تثبت أن أولئك القناصة استهدفوا المحتجين بشكل رئيس، وأنهم استهدفوا قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية أيضا.

في كييف هناك أصوات خافتة تخشى العلن، لا تزال تعتبر أن ما يحدث يأتي في إطار التحريض على روسيا، وإلقاء اللوم عليها بدلا من التعامل بمنطق وحكمة مع الأحداث، كما يرى أصحاب تلك الأصوات

تحريض جديد
تأكيدات واتهامات ناليفايتشينكو لاقت صدى لدى شريحة واسعة من المجتمع الأوكراني، فالمزاج العام بات معاديا لروسيا وكل ما يصدر عنها بعد أحداث الميدان، خاصة بعد ضم القرم إلى أراضيها جنوبا، ودعم الانفصاليين شرقا.

غير أن في كييف أصواتا خافتة تخشى العلن، لا تزال تعتبر أن ما يحدث يأتي في إطار التحريض على روسيا، وإلقاء اللوم عليها بدلا من التعامل بمنطق وحكمة مع الأحداث، كما يرى أصحاب تلك الأصوات.

رومان -ناشط في احتجاجات "أنتي ميدان" التي تلاشت بعد هروب الرئيس يانوكوفيتش إلى روسيا في 23 فبراير/شباط 2014، رفض تصويره أو الكشف عن هويته- وقال للجزيرة نت "لم نكن نعارض حرية الرأي والتعبير، والكثير منا كان يقر بفساد يانوكوفيتش ونظامه، ولكننا كنا نؤمن بأن الغرب يدعم الموالين له ليخلق الفوضى في أوكرانيا، وليحرقها بهدف الضغط على روسيا، واعدا إياها بسراب العضوية والتقارب معه".

وأضاف "كان في صفوف المحتجين من يحمل الزجاجات الحارقة وسكاكين وحتى المسدسات، فلماذا نسلم بأن القاتل طرف محسوب على نظام يانوكوفيتش أو روسيا؟ ولماذا لا يكون طرفا محسوبا على المحتجين أنفسهم أو الغرب الذي دعمهم؟" على حد تساؤله.

المصدر : الجزيرة