القصف يجبر الآلاف على النزوح بريف حلب

حسن قطان-حلب

على طول الطريق الواصل بين قرى الريفين الجنوبي والغربي لحلب، ينتشر نحو مئة ألف نازح هربوا من المعارك وقصف روسيا والنظام، حيث يقيم معظمهم في الأراضي الزراعية والمستودعات عشوائيا، في ظل معاناة وفقدان أبسط مقومات الحياة.

ومع تقدم المعارك بين الثوار وقوات النظام في بلدتي عزان وعبطين، وتكثيف القصف الجوي الروسي، نزح أهالي مدن العيس والحاضر والزربة ذات الكثافة السكانية. 

وفي خيمة منفردة وسط حقل للقمح بقرية مراقيص، تسكن أم محمود -وبناتها الخمس- التي نزحت ليلاً من منزلها في عبطين تحت القصف، حيث مضى على إقامتها في الخيمة أربعة أيام، ولم تملك خلالها إلا بضعة أغطية وفرش، فأم محمود لم تتمكن من إخراج أمتعتها معها بسبب اندلاع القصف والمعارك فجأة.

وتروي الأم الستينية للجزيرة نت تفاصيل النزوح قائلة "جنّ الليل علينا ونحن في منزلنا، وامتد القصف ساعات، فأخبرنا جيراننا أن جيش النظام اقتحم عبطين وأمر الناس بالرحيل فخرجنا فورا، وطوال الرحلة كنا مذعورين من قصف الطيران".

وتضيف أنهم هربوا بأرواحهم دون أن يأخذوا شيئا معهم، وهي تعيش في خيمة صغيرة وتعاني يوميا للبحث عن المياه والطعام، وتابعت "نقلت إلى المشفى لأنني مريضة، ولولا أهل الخير الذين يسعفوننا كل يوم فإننا لن نجد أي شيء نأكله".

‪سيارة تابعة لجمعية
‪سيارة تابعة لجمعية "شباب ساعد" توزع الأغطية والأطعمة على النازحين في المستودعات‬ (الجزيرة نت)

مستودعات
وعلى بعد أميال من بلدة مراقيص، تقطن 15 عائلة في مستودعات حجرية بلا أبواب ولا نوافذ، حيث أعيد تأهيلها بقليل من الأحجار والستائر لتحجب ساكنيها، بينما يلعب الأطفال ويتجمهرون حول سيارة إغاثة وصلت للتو حاملة أطعمة وألبسة، في حين تعد الأمهات وجبة من البطاطا والبصل. 

وداخل أحد المستودعات، تسكن أم حسين مع بناتها وزوجات أبنائها، فهم يشكلون أربع عائلات نزحت معا في رحلة طويلة، حيث أمضوا ليلتين في العراء تحت أشجار الزيتون، وتنقلوا بين عدة قرى شهدت جميعها قصفاً من الطائرات الروسية، ليستقر الوضع بهم في المستودع الذي يفتقر لأبسط مقومات العيش.

وتشكو أم حسين للجزيرة نت صعوبة تنقلهم بين ثلاث قرى، مضيفة أن لديها رضيعة مريضة وبلا دواء، وأنهم يعانون كل يوم في تأمين قوتهم.

‪عمر يداعب الأطفال أمام منزله الذي يحتضن عائلتين نازحتين‬ (الجزيرة نت)
‪عمر يداعب الأطفال أمام منزله الذي يحتضن عائلتين نازحتين‬ (الجزيرة نت)

تضامن
وفي مواجهة أزمة النزوح الكبيرة، يبدي الأهالي تضامنهم مع بعضهم بعضا بفتح منازلهم لإيواء أقاربهم وأصدقائهم النازحين من مناطق القصف، ومن بينهم عُمر الذي يسكن بقرية أبو رويل ويتكفل بإيواء عائلتين نزحتا من قرية الحاضر.

وأمام المنزل يجلس عمر وحوله أطفاله وأطفال العائلتين، حيث يحكي لهم القصص ويشركهم في ألعاب جماعية، ويحدث الجزيرة نت عن ضرورة تضامن الأهالي مع بعضهم بعضا في هذه المحنة.

ويضيف عمر "لست الوحيد الذي يحتضن عائلات نازحة في هذه القرية، فمناطقنا ما زالت آمنة من القصف بفضل الله، والجميع هنا يستضيف عائلات إخواننا الهاربين من قصف روسيا والنظام".

وبحسب إحصائيات صادرة عن جمعية "شباب ساعد"، فقد بلغ عدد النازحين من مدن وقرى الحاضر والعيس والزربة نحو مئة ألف شخص، حيث اتجهوا جنوبا وغربا ضمن تجمعات عشوائية منتشرة بين الأراضي الزراعية.

ويعرب مدير الجمعية أحمد أبو مجاهد عن قلقه تجاه الكارثة الإنسانية التي تعصف بأهالي جنوب حلب، مؤكدا أن الوضع "مأساوي"، فالعائلات هناك بحاجة لكل شيء، وبالرغم مما تقدمه الجمعية فما زالوا بحاجة للمزيد، مما يستدعي تدخل المنظمات الإنسانية.

المصدر : الجزيرة