أبو الفدا.. مقاتل من دمشق ولد من رحم الموت

بقي أبو الفدا لأيام طويلة دون وعي وعندما استفاق كان فاقدا للذاكرة (1)
الأطباء وصفوا حالة أبو الفدا بأنها معجزة طبية وإلهية (الجزيرة نت)

سلافة جبور-دمشق

"لقد لامست عتبة الموت، لكنني -بفضل من الله أولا والأطباء والممرضين وعائلتي ثانيا- ولدت من جديد، وعمري اليوم هو سنة". بهذه الكلمات يتحدث المقاتل السوري أبو الفدا عن معجزة إلهية أعادته إلى الحياة بعد أن كاد يفارقها.

فمنذ حوالي عام، وخلال المعارك المحتدمة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة في حي برزة الدمشقي، أصيب أبو الفدا قائد سرية بلال الحبشي التابعة للواء الأول في دمشق إصابة بالغة في صدره، ونقل إلى المستشفى الميداني في حي القابون المجاور بقلبٍ ينبض ببطء ونزف شديد وأمل ضئيل بالحياة.

ويقول الطبيب الجراح نزار -المسؤول عن مشفى الحياة الميداني بالقابون- "كنا منشغلين بعشرات الإصابات في المستشفى، أجرينا إنعاشا قلبيا رئوياً لأبو الفدا واستجاب قلبه وعاد للنبض، إلا أن حدقاته توسعت وهو دليل على موت سريري محتم نتيجة موت جذع الدماغ".

مضيفا أنهم نقلوا له كميات من الدم تبلغ ضعف كمية الدم الموجودة بشكل طبيعي في جسم الإنسان.

وبعد انتهاء الطبيب من عدة عمليات أخرى، ورغم حالة أبو الفدا الميؤوس منها نظريا بسبب توسع الحدقات، أجرى له عملية فتح للصدر ووصل للشريان الرئوي، وهي عملية لا تقع ضمن نطاق اختصاصه الجراحي. ومع أن العملية انتهت بنجاح بقي المريض في حالة موت سريري ووضعت له أجهزة لتساعده على التنفس، وظل في غيبوبة لأكثر من أسبوعين.

صعوبات
ويضيف الطبيب في حديثه للجزيرة نت "بدأ أبو الفدا بعد مضي أسبوعين بتحريك جفونه، ثم فتح عينيه وبدا كأنه يكتشف العالم لأول مرة".

بعد فترة أصبح قادرا على التنفس وحده دون الأجهزة المساعدة، لكنه لم يكن على دراية بأي شيء وكأنه طفل صغير خلق للتو. كطبيب خبير أستطيع القول إن ما حدث هو معجزة إلهية بكل تأكيد، يندر أن نرى مثيلها في عالم الطب".

بدوره يتحدث أبو الخير -الطبيب المساعد العامل في مشفى الحياة الميداني- عن الصعوبات التي واجهوها لإسعاف أبو الفدا في ظل الحصار المطبق الذي فرضه النظام على أحياء برزة والقابون لأشهر طويلة، والتي تجعل من عودته للحياة معجزة بحق.

فبحسب أبو الخير، تعتبر أكياس الدم في ظل الحصار أهم من الذخيرة والطعام والشراب، واستخدامها لأحد المرضى يعني عدم القدرة على استخدامها لمريض آخر، إلا أن واجبهم المقدس لم يدع أمامهم المجال سوى استخدام أكثر من عشرين كيسا لنقل حوالي عشرة ليترات من الدم لأبو الفدا، والذي بدأت تجري في عروقه دماء أصدقائه والكثيرين ممن جاؤوا للتبرع بالدم في ذلك اليوم العصيب.

وينوه أبو الخير بدور عائلة أبو الفدا الكبير في عودته للحياة الطبيعية، ويقول "لم تفارق عائلة أبو الفدا ابنها منذ مجيئه المستشفى، ولم تفقد الأمل بنجاته، وقف أهله يختلسون النظر إلينا في غرفة العمليات، ومع أنهم لاحظوا علامات اليأس على وجوهنا استمروا بقراءة آيات من القرآن الكريم والدعاء لابنهم".

ويتابع "عند دخوله الغيبوبة كانوا يتحدثون إليه كل يوم وكأنه يسمعهم ويحس بهم، أما عندما استفاق من الغيبوبة فكانت فرحتهم كفرحة مجيء مولود جديد، وكان لهم الدور الأكبر في تحفيز قدراته وعودة ذاكرته وقدرته على الكلام".

وهذا أمر يؤكده أبو الفدا، الذي يقول إنه عانى لأشهر طويلة بعد استيقاظه من الغيبوبة من مشاكل في الذاكرة، إلا أن رعاية أسرته التي أحاطته بالحب والاهتمام اللازمين كان له الدور الأكبر في عودته للحياة الطبيعية.

ويقول أبو الفدا إن شعوره وفرحته اليوم لا توصفان، خاصة بعد عودته لحمل السلاح مع عناصر سريته ومرابطته في الموقع نفسه الذي أصيب فيه وحمل له الموت منذ عام.

المصدر : الجزيرة