غلاء المحروقات يفاقم معاناة السوريين

الازدحام الخانق على أحد الحواجز العسكرية في ريف دمشق
ازدحام عند أحد الحواجز العسكرية في ريف دمشق (الجزيرة)

سيلين أحمد-ريف دمشق

مع إعلان وزارة التجارة الداخلية السورية رسميا قرار رفع سعر لتر البنزين حتى 120 ليرة (0.75 دولار) بزيادة مقدارها 20% ليصبح سعر الصفيحة 2400 ليرة، وضع أبو محمد (42 عاما) يده على قلبه، وتبعثرت حساباته المالية من جديد، ولكنه تعوّد ترتيبها إبان كل حدث من العيار الثقيل.

يعمل أبو محمد -وهو أحد سكان بلدة قدسيا بريف دمشق– محاسبا في شركة خاصة، ويدفع ما يعادل نصف راتبه الشهري لقاء ركوبه في الحافلة التي باتت تعريفة ركوبها تتراوح بين 60 ليرة صباحا و90 مساءً، ويتساءل أحيانا "ماذا لو اضطر يوما لركوب سيارة أجرة؟ كيف ستكون عواقب ذلك؟".

ويضيف للجزيرة نت "قضيت نصف عمري في البحث عن عمل، ويبدو أنني سأقضي نصفه الآخر في الحافلة التي تكلفني 300 ليرة يوميا، بعد أن بات مصروفها أكبر من مصروف أسرتي نفسها، وأصبحت أرى سائقي الحافلات أكثر من زوجتي وأولادي، ولا ينقصني إلا أن أصطحب معي ثياب نومي".

يضطر أبو محمد للخروج إلى عمله من السادسة صباحا حتى يصل في الثامنة ونصف نتيجة الازدحام الحاصل على الحواجز العسكرية، في حين تبدأ رحلته المسائية من الساعة السادسة حتى السابعة والنصف.

وحول تفاصيل رحلته اليومية في الحافلة يقول "أصبحت أتهيأ للذهاب إلى العمل كما لو أني مسافر.. اعتدت اصطحاب فطوري الصباحي معي كي أتناوله في الحافلة، أما في طريق عودتي إلى المنزل فأدخل في غفوة عميقة على كتف أحدهم، لكني سرعان ما أستنفر لا شعوريا بمجرد الاقتراب من الحاجز العسكري.. أصل إلى المنزل ولا أرى أمامي إلا السرير.. لقد أصبحت الحافلة منزلي الثاني".

فقد أبو محمد عمله الأول مع بداية الحرب في سوريا عندما أغلقت الشركة التي كان يعمل بها، وانتظر سنتين عمل خلالهما سائق سيارة أجرة كي يعيل أسرته، ثم ابتسم له الحظ منذ شهرين عندما وجد وظيفته الجديدة الواقعة في منطقة المزرعة بدمشق، لكن فرحته لم تكتمل على حد قوله.

يبلغ راتب أبو محمد الشهري عشرين ألف ليرة، لكنه لا يكاد يكفيه وأسرته حتى منتصف الشهر، وزادت معاناته مع زيادة سعر البنزين. 

لم يكن قرار ارتفاع سعر البنزين الأول من نوعه، فقد سبقته قرارات مماثلة في العام الماضي، تم فيها رفع سعر البنزين بمعدل 20 ليرة مرتين.

لم يكن قرار ارتفاع سعر البنزين الأول من نوعه، فقد سبقته قرارات مماثلة في العام الماضي، تم فيها رفع سعر البنزين بمعدل 20 ليرة مرتين

محاولة للتكيف
أما أبو علي فمع تدهور الوضع الإنساني في بلدة ببيلا بريف دمشق، لم يجد أمامه إلا منزل أخيه في بلدة قدسيا، ليلجأ إليه برفقة زوجته وأولاده الثلاثة مصطحبا سيارته القديمة التي تعمل على المازوت.

تحول أبو علي إلى بيع المواد الغذائية على رصيف الشارع بعد القصف الذي تعرض له منزله ومكتبه العقاري في ببيلا من قبل قوات النظام، محاولا تأمين لقمة عيش أسرته، وخطرت في باله فكرة لتحسين وضعه المعيشي.

يقول أبو علي للجزيرة نت "لم يغضبني خبر ارتفاع سعر البنزين، وفكرت في شيء يريحني من عمل البسطات، وحولت سيارتي المتواضعة إلى تاكسي خاص، وضعت تسعيرة الذهاب إلى ساحة الأمويين بدمشق 800 ليرة مما يعني أنها أقل من تاكسي الأجرة الذي بات يأخذ ألف ليرة تقريبا".

ولأن له أقارب كثيرين، فقد اعتاد أبو علي كلما سأله أحد الحواجز الأمنية عن هوية من معه من الركاب أن يجيب "أقاربي" كي يتجنب الوقوع في مشاكل لا تحمد عقباها، مقنعا ركابه بأن إجابته تلك تبعده عن الخوض في تفاصيل وغرامات عدم الترخيص.

ويتابع "أحاول أن أكون حذرا ولطيفا في كل مرة يشمّ فيها ركابي رائحة المازوت، فأزود السيارة بالمازوت حتى آخر قطرة كي لا تقطعني وتفضحني أمامهم، آملا ألا يزيد سعر المازوت أيضا، فقد أصبحت سيارتي مصدر رزقي الوحيد الذي أعيش منه أنا وعائلتي".

المصدر : الجزيرة