من ينزل أوباما عن الشجرة السورية؟

A cutout of US President Barack Obama stands on the sidewalk as demonstrators march in protest during a rally against a possible US and allies attack on Syria in response to possible use of chemical weapons by the Assad government, in Lafayette Park in front of the White House in Washington, DC on August 29, 2013.
undefined
علي صبري
 
يحتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما من يمد له سلما طويلا يساعده على النزول من الشجرة التي اعتلاها بإعلان عزمه توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عقب الهجوم الكيمياوي على غوطة دمشق ومقتل 1300 مدني بالغازات السامة، قبل ضمان ما يكفي من الحلفاء في هذا التوجه، خصوصا بعد خسارته الحليف الأقوى في مثل هذه الأزمات: بريطانيا.
 
يبدو أوباما في موقف صعب عقب تفكك التحالف التقليدي الذي اعتاد الاعتماد عليه في مثل هذه الأزمات الدولية، بعد إعلان بريطانيا وألمانيا عدم مشاركتهما في التحالف الذي شكلته واشنطن لتأديب نظام بشار الأسد. وزاد حرج أوباما مع رفض الكونغرس منحه التفويض بهذه الخطوة رغم تقديم إدارته ما وصفته بالأدلة الدامغة على مسؤولية النظام السوري عن المذبحة.

ويوشك الرئيس الأميركي أن يتخذ قرارا بالمضي بمن تبقى من حلفائه حتى النهاية في مشروع الضربة العسكرية، أو يعيد مساعيه الدبلوماسية لإقناع باقي الحلفاء للذهاب معا في هذا الخيار، حتى لا تتهم أنها ذهبت منفردة ضد رغبة المجتمع الدولي.

ويقدر المراقبون أن توجيه الضربة لدمشق سيستغرق أياما بسبب أزمة أوباما في جمع ما يكفي من الحلفاء إلى صفه، وبسبب وجود مفتشي الأسلحة الكيمياوية على الأرض السورية، ومطالبة بعض الحلفاء انتظار تقديم تقرير فريق التفتيش الأممي لمجلس الأمن قبل اتخاذ قرار بالوقوف إلى جانب هذا الفريق أو ذاك.

وسيعقد البرلمان البريطاني جلسة الأسبوع المقبل لمناقشة المسألة السورية بعد الاستماع لتقرير الفريق الأممي، وهو ما يبقي أمام أوباما نافذة أمل بعودة الحليف الأقوى في هذه الأزمات لتحالفه.

ويرجح محللون سياسيون أن يؤخر أوباما أي عمل عسكري ضد سوريا إلى ما بعد الأسبوع الأول من الشهر القادم بسبب مشاركته بقمة العشرين التي ستعقد في سانت بطرسبرغ في روسيا بالفترة من 5-6 سبتمبر/أيلول المقبل. وهو بالطبع لن يفضل تنفيذ هجوم على سوريا أثناء انعقاد القمة.

وإذا أقدم أوباما على العمل العسكري فسيكون حريصا على إنهائه سريعا، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر سبتمبر/أيلول التي سيلقي كلمة خلالها أمام قادة العالم.

العموم البريطاني يحرم واشنطن لأول مرة من دعم الحليف الأقوى بمشروع عسكري(الفرنسية)
العموم البريطاني يحرم واشنطن لأول مرة من دعم الحليف الأقوى بمشروع عسكري(الفرنسية)

خسارة الحليف التاريخي

العلاقة الإستراتيجية على ضفتي الأطلسي بين واشنطن ولندن كانت على الدوام "علاقة خاصة" على صعيد العلاقات الدولية، تجلت في حروب عدة بدءا من الحرب العالمية الأولى والثانية، إلى الحرب الكورية، والحرب الباردة، ثم حرب الخليج، وغزو العراق وأفغانستان.

رفض مجلس العموم البريطاني طلب رئيس الحكومة المشاركة في العمل العسكري ضد نظام بشار الأسد يترك واشنطن دون حليفها التاريخي. وهنا يبرز السؤال فيما إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تقدم على ضرب سوريا دون الحليف اللصيق في كافة الحروب. وبموازين القوى يعتقد المراقبون أنها تستطيع عمليا، لكن هل عليها أن تفعل؟

يشعر السياسيون البريطانيون أن الولايات المتحدة جرت بلادهم لحرب مكلفة سياسيا وعسكريا في العراق عام 2003 على خلفية ادعاءات ثبت كذبها إزاء وجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين. وتبرز مدى المرارة التي يشعر بها المجتمع البريطاني وسياسيوه من تلك الورطة. وهو ما أقر به ديفد كاميرون بقوله "إنني أتفهم بعمق الدروس المستفادة من الصراعات السابقة لاسيما القلق العميق في البلاد الناشئ عن الخطأ الذي ارتكب في حرب العراق عام 2003".

ويعتبر تصويت العموم البريطاني برفض طلب رئيس الوزراء المشاركة في حرب هو الأول منذ عام 1782 عندما عارض البرلمان طلب الحكومة شن معارك ضد متمردين على الأرض الأميركية، وهو ما اعتبر اعترافا باستقلال أميركا.

وأعرب مسؤولون بريطانيون، مثل وزير الدفاع فيليب هاموند، عن قناعتهم بأن عدم مشاركة بلادهم في العملية العسكرية ضد نظام الأسد سيشعر واشنطن بخيبة أمل من حليفها، وسيخلق قدرا من التوتر بين العلاقة الخاصة التي تربط الطرفين.

وتثير خسارة كاميرون المعركة السياسية أمام برلمان بلاده التساؤل إزاء مكانة بريطانيا على الساحة الدولية، ودورها التقليدي في سياساتها.

أوروبا لا تتفق في ضرب النظام السوري بعيدا عن الأطر الدولية (رويترز)
أوروبا لا تتفق في ضرب النظام السوري بعيدا عن الأطر الدولية (رويترز)

تشتت القارة العجوز

تتمايز مواقف دول الاتحاد الأوروبي بشأن فكرة توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بناء على تقديرات بتورط دمشق في القصف الكيمياوي على مدنيين دون تفويض رسمي من مجلس الأمن، وتقديم أدلة صريحة بمسؤولية النظام السوري عن الحادث.

فبينما تدعم الدانمارك الموقف الفرنسي والأميركي للمضي في العمل العسكري، تطالب بلجيكا بتقديم أدلة كافية تجيز العمل العسكري، أما إيطاليا وبولندا وهولندا فيتمسكون بالتفويض الأممي قبل الإقدام على أي عملية ضد سوريا.

وتبدو المساحة المتاحة أمام دول الاتحاد الأوروبي محصورة فيما دون العمل العسكري المباشر في سوريا، ففي اجتماع لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي الأربعاء، طالب وزراء الدول الـ28 الأعضاء بتعزيز التعاون فيما بينهم بشأن سوريا قبل التعاون مع الولايات المتحدة وتركيا في هذا الشأن.

كما أنهم يتفقون على ضرورة تسليح الجيش السوري الحر وإنشاء منطقة حظر الطيران، وتنفيذ التدابير اللازمة للحد من خطر الجماعات الجهادية.

القارة العجوز تبدو عاجزة عن اتخاذ مواقف موحدة تجاه الأزمات الدولية بسبب تضارب مصالح دول الاتحاد الأوروبي بعد تجارب مشاركة بعض الدول وإحجام بعضها الآخر في حرب العراق عام 2003، والتدخل الفرنسي البريطاني في ليبيا عام 2011، وانفراد فرنسا بالتدخل العسكري في مالي في يناير/كانون الثاني من العام الجاري.

المصدر : الجزيرة + وكالات