"مولات الفقراء" بحلب.. غلاء وضعف إقبال

إحدى البسطات وقد خلت من عملية الشراء
undefined

حسام حمدان-حلب

الأسواق الشعبية في كل مكان هي "مولات الفقراء" يجدون فيها متنفسا من غلاء أسعار كل ما يحتاجونه من مواد غذائية، وخضروات، وفواكه، وملابس، وأحذية، وأدوات منزلية، وإكسسوارات، ولعب أطفال.

لكن الأمر اختلف هذه الأيام في سوق سد اللوز الشعبي بمنطقة الشعار في مدينة حلب الذي لم يعد  ملاذا من نار الأسعار في الأسواق الأخرى, فحركة الإقبال على الشراء ليست كبيرة، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية نتيجة الحرب، وانعدام فرص العمل، وقلة الدخل، رغم قرب حلول شهر رمضان المبارك.

والسوق يشكو قلة زواره بعد أن كان مفعماً بالحركة، والأسعار تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات، والبعض يقطع السوق جيئة وذهابا، ويخرج منها خالي الوفاض إلا من رؤية لبعض المنتجات اشتهتها الأعين لكن كانت اليد قصيرة.

نار الأسعار
أبو محمد صاحب أحد محلات الألبسة في السوق، قال "الغلاء رهيب، والأسعار نار، والقدرة الشرائية للناس أصبحت محدودة، والناس تشتري فقط ما هو ضروري".

وأضاف "نحن خسرنا كثيرا عما كان عليه الوضع قبل الأحداث، فقد كانت الأسعار رخيصة نوعاً ما، إلا أنها أصبحت غالية، والإقبال على الشراء ضعيف بسبب العامل الاقتصادي والاجتماعي".

أحد محلات الجملة وقد خفت بضاعته على الرفوف (الجزيرة نت)
أحد محلات الجملة وقد خفت بضاعته على الرفوف (الجزيرة نت)

وقال كان الناس من قبل يشترون قطعة أو قطعتين وحتى ثلاث، لكن الآن لا يشترون إلا واحدة وقد لا يشترون, موضحاً أن القطعة التي كانت تباع بنحو300 ليرة سورية تباع اليوم بألف ليرة.

وتقول أم سيف -وهي داخل أحد محلات الألبسة- "لم أشتر حتى الآن أي شيء لأن الأسعار غالية". ويتدخل أحد الواقفين فيقول معظم من ترونهم في هذا الشارع يأتون للفرجة خاصة في فترة المساء.

ويقول أبو خالد -تاجر ألبسة- إن القطعة التي كانت تباع بمائة ليرة صارت تباع بسعر 400، والدولار كان بخمسين ليرة سورية وأصبح اليوم بنحو 150 ليرة، أي ثلاثة أضعاف سعره الأصلي.

وأضاف إذا ظل الوضع على ما هو عليه فلن يحدث إقبال على الشراء. فسألناه حتى مع قرب حلول شهر رمضان المبارك؟ فقال إن "الفرحة ماتت في قلوب الناس ولم يعودوا كما كانوا من قبل, ونحن لم نعد نفرق بين شهر وآخر، حتى الاستعدادات التي كان ينبغي أن نقوم بها كتجار ألبسة لم نقم بها هذا العام".

وخروجاً عن المشهد السابق، يقول أبو أحمد -وهو صاحب محل ذهب متواضع- إنه كلما ازداد الغلاء زاد إقبال الناس على الشراء حفاظاً على مدخراتهم.

وأضاف أن أسعار الذهب تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات, فسعر الغرام من قبل كان يصل إلى ألفي ليرة سورية واليوم بات بستة آلاف ليرة, لكن الإيرادات إجمالا قلَّت عن السابق بسبب انخفاض القدرة الشرائية للناس.

محل ذهب متواضع بسوق سد اللوز (الجزيرة)
محل ذهب متواضع بسوق سد اللوز (الجزيرة)

تجارة الجملة
إبراهيم العيسى -صاحب محل تجارة بالجملة- قال كنا نستعد لرمضان قبل شهر وشهرين، ولكن هذا العام لم نفعل ذلك، أولاً بسبب الغلاء، وثانياً لأن معظم السلع المطلوبة غير متوفرة، وثالثا انخفاض القدرة الشرائية, فالناس لم تعد تشتري إلا ما تفرضه الحاجات الأساسية.

ودلّل على ذلك بأن "العرقسوس" الذي يكثر استخدامه في رمضان ارتفع سعره إلى 400 ليرة للكيلوغرام الواحد وكذلك التمر صار بـ 400 ليرة للكيلوغرام، والمرتديلا التي كانت بـ25 ليرة أصبحت بـ 85 ليرة, لذلك فهو لا يتوقع زيادة الإقبال مع حلول شهر رمضان المبارك.

وأضاف أن الناس يطلبون الأشياء الضرورية فقط، بينما كانوا من قبل يشترون بكميات كبيرة وكانت الرفوف لا تستوعب البضاعة، لكنها اليوم باتت فارغة.

وفي سوق الخضار والفواكه المركزي، يشاهد المرء الكثير من الخضروات والفواكه، لكن حركة الشراء ضعيفة بشكل ملحوظ.

أبو علي قال وهو يحمل في يديه كيسين "هذا هو كل ما تمكنت من شرائه لإعداد وجبة اليوم. وهي كيلو من الفاصوليا وآخر من الطماطم, فالأسعار غالية وتدبير أمور المعيشة أصبح صعباً".

وقال "أنا على باب الله، يوم هيك ويوم هيك، وأعيل 15 فردا، وفتحت أنا وأولادي محلاً لإصلاح الدراجات النارية، لكي نتمكن من الحياة، وندفع إيجار المنزل الذي نعيش فيه بعد أن قُصِف منزلنا".

وبالنظر إلى لافتات بعض الأسعار يشعر المرء أنها بالفعل خارج نطاق القدرة الشرائية للأفراد, فمتوسط دخل الفرد يصل إلى عشرين ألف ليرة، ويحتاج إلى ألف ليرة يوميا لكي يعيش عيشة الكفاف، علماً بأن المواطنين لا يدفعون فواتير الكهرباء والماء.

ولا يختلف سوق سد اللوز الشعبي عن أسواق حلب، فبقية الأسواق الشعبية الأخرى التي تنتشر في أحياء المدينة تتقاسم معه غلاء الأسعار، وضعف الإقبال.

المصدر : الجزيرة