بورسعيد.. هادئة لكنها حزينة

لافتات الحداد تملأ شوارع بورسعيد
undefined

أنس زكي-بورسعيد

مرة أخرى تفاجئنا بورسعيد، لكن هذه المرة بهدوء مشوب بالحزن ساد في يوم كان أكثر المصريين تفاؤلا يتوقع أن يشهد عنفا داميا، خاصة أنه اليوم الذي أعلن فيه القضاء أحكامه بشأن "مجزرة بورسعيد".

وشملت الأحكام إعدام  21 متهما والسجن لفترات متفاوتة لأكثر من عشرين آخرين، مقابل تبرئة 28 من إجمالي 73 متهما في هذه القضية.

الرحلة إلى بورسعيد كانت مقلقة منذ بدايتها، خصوصا مع ما شهده الصباح من قرار لهيئة السكك الحديدية بتوقف قطاراتها المنطلقة من القاهرة عند الإسماعيلية دون استكمال الرحلة إلى بورسعيد تخوفا من أعمال عنف محتملة.

ولما تحولت إلى محطة سيارات الأجرة وجدتها تعاني ندرة في الركاب الراغبين في التوجه إلى بورسعيد، خصوصا مع تنامي مخاوف من أن تقدم جماهير "ألتراس" الأهلي على مهاجمة السيارات المتجهة إلى بورسعيد كما حدث من قبل.

في الطريق إلى بورسعيد استعادت الذاكرة تسلسلا مؤلما بدأ قبل أكثر من عام، عندما حقق فريق المصري البورسعيدي لكرة القدم فوزا كبيرا على ضيفه الأهلي، تبعه نزول الجماهير إلى أرض الملعب لا لتحتفل وإنما لتتجه إلى مدرجات الفريق الزائر، لينتهي الأمر بمصرع أكثر من سبعين مشجعا دون أي تدخل من عناصر الشرطة التي كانت تتولى تأمين المباراة.

ومنذ ذلك اليوم ورابطة مشجعي الأهلي التي تحمل اسم "ألتراس" تنظم الكثير من المظاهرات التي تتحول غالبا إلى أعمال عنف بدعوى المطالبة بالقصاص من جماهير بورسعيد، خاصة أن العلاقة بين الطرفين لم تكن أبدا على ما يرام، وكذلك القصاص من الشرطة التي يتهمونها بالتواطؤ ويعتبرونها شريكا في الجريمة.

‪الجيش يتولى تأمين مداخل بورسعيد‬ (الجزيرة)
‪الجيش يتولى تأمين مداخل بورسعيد‬ (الجزيرة)

هدوء بعد عنف
أما الأسابيع القليلة الماضية فقد شهدت اشتعالا للعنف في بورسعيد منذ إعلان القاضي إحالة أوراق 21 متهما إلى مفتي الجمهورية، وهو ما يعني في القضاء المصري أن نية القاضي تتجه إلى الحكم بإعدامهم، ودارت مواجهات دامية بين محتجين والشرطة راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات المصابين.

وصلنا إلى مشارف بورسعيد وفي أذهاننا أن العنف اليوم سيكون مضاعفا، وشعرنا ببعض الطمأنينة عندما وجدنا الجيش يسيطر على المداخل ويقوم بعمليات تفتيش دقيقة، ثم كانت المفاجأة عندما دخلنا بورسعيد ووجدنا هدوءا أقرب إلى الموت، فالشوارع خالية تقريبا والمحال التجارية التي تقدر بالمئات وربما الآلاف مغلقة تماما باستثناء عدد قليل جدا.

وباستثناء سيارة شرطة وقفت على استحياء إلى جانب إحدى مدرعات الجيش عند مدخل بورسعيد، لم نشهد لاحقا أي أثر للشرطة، وحتى المقرات الأمنية سواء مديرية الأمن أو جهاز الأمن الوطني كانت خاوية، وتظهر عليها آثار الحرائق التي لحقت بها في الأيام الماضية خلال المظاهرات التي استمرت طويلا بين الشرطة والمتظاهرين.

حداد وحزن

المحلات مغلقة في بورسعيد (الجزيرة نت)
المحلات مغلقة في بورسعيد (الجزيرة نت)

وكان اللافت للنظر هو تلك اللافتات التي تنتشر في أنحاء متفرقة من بورسعيد وتحمل كل منها كلمة واحدة هي "حداد"، وهو ما أوضحه لنا أحد مواطني بورسعيد الذي قال إن المدينة تشعر بأنها ظلمت طويلا وعوقبت كثيرا، ولم تعد تملك إلا رفع راية الحداد على من فقدتهم وستفقدهم من أبنائها.

واعتبر المواطن البورسعيدي أن حالة الهدوء دليل على تحضر أبناء المدينة، لكنه حرص على الإشارة إلى أن الساعات الأولى لليوم شهدت العديد من الاحتجاجات ولكن بشكل سلمي، قبل أن يسود السكون مع الساعات الأخيرة من اليوم، وهو سكون قد لا يستمر طويلا حسب محدثنا الذي قال إن بورسعيد سترد حتما على الأحكام القضائية التي يرى أنها جائرة.

بالكاد نجحنا في استيقاف عدد من المارة، لكن الجواب كان واحدا وهو أن جماهير بورسعيد بريئة من المجزرة التي يتهمون عناصر من الأمن والنظام السابق بترتيبها، وهي أيضا مظلومة إزاء ما يصفونه بتجاهل وإهمال من قبل السلطة ومعاملة قاسية من جانب الشرطة.

لكن المثير أن من تحدثوا إلينا أظهروا نقمتهم على الشرطة واعتبروا أن رحيلها عن المدينة ساعد في حالة الهدوء الحالية، لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه أنه لا غنى عن الشرطة مهما حدث، ويصرون على وجود جهات وعناصر معينة -سواء من داخل الشرطة أو خارجها- لها مصلحة في إشعال العنف، ليس في بورسعيد فقط وإنما في مصر بأسرها.

المصدر : الجزيرة