صحافة الجزائر ترفع سقف حرية التعبير

الصحافة الجزائرية بالأكشاك
undefined

هشام موفق-الجزائر

رفعت الصحافة المكتوبة بالجزائر في الآونة الأخيرة من سقف حرية التعبير لديها بعد تطرقها لقضايا كانت إلى وقت قريب في خانة "المسكوت عنه"، بسبب محاذير سياسية وأمنية.

وبينما ثمن البعض هذا التطور في أداء الصحافة المكتوبة، تحفظ البعض الآخر عليه منتقدين الخلط بين "الشتم" و"حرية التعبير".

فقد نشرت صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية رسالة لمسؤول سابق بشركة سوناطراك البترولية وجهها لمدير جهاز الاستعلامات (المخابرات) الجنرال محمد مدين المعروف باسم توفيق، منتقدا إياه منح الغطاء السياسي لبعض المسؤولين الجزائريين الذين "نهبوا" ثروات البلاد.

وأفردت الصحيفة مساحة واسعة لصورة حسين مالطي -نائب الرئيس الأسبق لسوناطراك- مع صورة لمدير المخابرات الجنرال توفيق.

عبد النور بوخمخم: الصحيفتان متحررتان من آليات السلطة المستعملة في تدجين الصحف(الجزيرة)
عبد النور بوخمخم: الصحيفتان متحررتان من آليات السلطة المستعملة في تدجين الصحف(الجزيرة)

ويعتبر ما قامت به الوطن سابقة في تاريخ الصحافة الجزائرية المحترفة، إذ لم يكن بالإمكان سابقا أن يتم التطرق لمسؤولين "نافذين" من هذا الحجم في الدولة، وخاصة لرجالات الأمن وأدائهم. لتأتي هذه الرسالة الموجهة خصيصا لقائد الأمن.

انتقادات
وبدورها كتبت صحيفة الخبر أمس مقالا، انتقدت فيه رؤساء البلاد السابقين ورؤساء الحكومات الذين فضلوا الصمت في الإدلاء بآرائهم في الانسداد الحالي بالساحة السياسية بالجزائر.

وقالت الخبر إن الحاصل أن العارفين بخبايا النظام ومواطن العلة والوهن السياسي، بقوا متفرجين على واقع موسوم بأضداد وتناقضات وانسداد، لا يتحرجون من صمتهم حياله، بينما كانوا في يوم من الأيام، إما من صانعيه وهم في دواليب الحكم، أو عايشوه وهم حكام.

وكان كُتاب صحفيون قد حرروا أعمدة هنا وهناك تنتقد تدخل مصالح الأمن في الصحافة والسياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات، كما أماطوا اللثام عن عدة قضايا فساد مست مسؤولين في الدولة.

وقال الكاتب سعد بوعقبة في عموده "نقطة نظام" إنه "لا شك في أن سبب إغراق البلاد في مثل هذه المشاكل يعود أساسا إلى ظاهرة التسيير الأمني المفرط للاقتصاد والعدالة والإعلام. وهذا هو الجو الذي يوفر البيئة المناسبة للفساد وسيادة الرداءة".

وتعتبر هذه الفترة من "أزهى فترات" الصحافة الجزائرية منذ أكثر من عشرية من الزمن، حين كان "التحفظ" في معالجة ونشر المعلومة سيد الموقف.

‪فيصل مطاوي:‬ توجيه رسالة مسؤول سابق لمسؤول أمني لا يمكن تجاهلها(الجزيرة)
‪فيصل مطاوي:‬ توجيه رسالة مسؤول سابق لمسؤول أمني لا يمكن تجاهلها(الجزيرة)

حرية تعبير
من جانبه يرى نقيب الصحفيين السابق عبد النور بوخمخم أن الجرأة الملفتة في كتابات هؤلاء تساهم في الرفع من سقف الحريات الإعلامية بالبلد.

وقال للجزيرة نت إن هذه الحرية ما كانت لتكون لولا تحرر الصحيفتين دون سواهما من آليات لطالما استعملتها السلطة لتدجين الإعلام المستقل، وهي الإعلانات والمطابع الحكومية.

من جهته، يؤكد الكاتب الصحفي في صحيفة الوطن فيصل مطاوي أن نشر جريدته لهذه الرسالة "يدخل في إطار حرية التعبير" التي تتمتع بها. وقال للجزيرة نت إن نشر رسالة مسؤول جزائري سابق لمسؤول أمني ولو بلهجة حادة "لا يمكن تجاهلها".

وأضاف "نحن الآن بين أمريْن متناقضين فلو لم ننشر الرسالة لقيل إن المخابرات ضغطت عليكم، ولكن لما نشرناها يروّج بأننا تلقينا الضوء الأخضر من الجهاز لذلك، والحقيقة غير هذا".

شجاعة
لكن الكاتب الصحفي عبد الكريم علام يرى غير ذلك، وقال للجزيرة نت "إن ما قامت به الوطن لا يمت لحرية التعبير وللمهنية بصلة".

‪‬ عبد الكريم علام: تساءل إذا ما كانت للصحيفة الشجاعة في نشر رسالة مواطن بسيط ينتقد فيها مدير جريدة؟(الجزيرة)
‪‬ عبد الكريم علام: تساءل إذا ما كانت للصحيفة الشجاعة في نشر رسالة مواطن بسيط ينتقد فيها مدير جريدة؟(الجزيرة)

وأضاف أن "الجريدة فتحت المجال لرجل بترول أن يتحدث في قضايا السياسة والأمن والعدالة، ويشتم دون أدلة على سلطات البلاد وينتقد أداءهم، متسائلا إذا ما كانت للصحيفة الشجاعة في نشر رسالة مواطن بسيط ينتقد فيها مدير جريدة؟".

وبحسب الكاتب فإن الهدف من وراء هذه المقالات هو فتح نقاش واستغلاله لتصبح الصحيفة هي المرجعية، ويرى في هذه الطريقة "احتيالا على الرأي العام وعلى المهنية".

إلا أن الباحث في علوم الإعلام والاتصال الدكتور إبراهيم براهيمي حيا ما أسماها شجاعة المسؤولين بجريدة الوطن على نشر رسالة مالطي.

وقال للجزيرة نت إن "هذا المسؤول كان قد قدّم تقارير من قبل -مثلما فعلنا نحن- لكن يبدو أنه يئس من الوضع".

المصدر : الجزيرة