اختطاف الرهائن يدول الحرب في مالي

أبو البراء يشترط انسحاب الجيش الجزائري للتفاوض
 
undefined

أحمد السباعي

يبدو أن التداعيات الإقليمية والدولية للحرب الفرنسية على مالي بدأت تطل برأسها، وأول وابلها كان خطف تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي 41 رهينة أجنبيا بينهم أميركيون وبريطانيون وفرنسيون ويابانيون، أي أنهم من الدول الكبرى التي دعمت فرنسا لفظيا ومعنويا وعزفت عن مساعدتها عسكريا وميدانيا.

ورغم الرد السريع وغير المتوقع من أكثر المتشائمين بباريس، فإنه أدخل الجزائر والدول الإقليمية في قلب صراع غير معروف أمده ولا نتائجه، ودفع بالدول المختطف رعاياها إلى المستنقع المالي، حتى ولو من الباب الدبلوماسي والضغط السياسي على الجزائر لكبحها من استخدام القوة في تخليص الرهائن من أيدي جماعات ترى الجزائر التفاوض معهم خطا أحمر يمس بأمنها القومي.

وهذا الخط الأحمر الجزائري أخرج مسؤوليها بتصريحات رافضة للتفاوض ومحاصرة المجمع السكني الذي يتواجد فيه الخاطفون والرهائن، الرد جاء مباشرا من الخاطفين بالطلب من الجيش الانسحاب حتى يتسنى للخاطفين التفاوض مع الدول التي يحتجز مواطنوها.

ثم طالبوا بضمان خروج آمن لهم وللرهائن، مؤكدين أن العملية جاءت ردا على التدخل "الصارخ" للجزائر بالهجمات الفرنسية وفتح أجوائها أمام الطائرات.

وعن هذا يقول الصحفي الجزائري فيصل مطاوي إن الملف معقد للجزائر التي تتعامل معه بطريقة أمنية، خصوصا أن الرهائن خُطفوا في منطقة بترولية حساسة، مما دفع وزير الداخلية للقول إن "الإرهاب" دائما يستهدف الجزائر خصوصا الجماعات الناشطة في الساحل الصحراوي، وبهذا تريد الجزائر -حسب مطاوي- الفصل بين حادثة الاختطاف وما يحدث في مالي.

وأوضح أن الجزائر تقع بين مطرقة معاييره وسندان الضغط الدولي لمنع أي نهاية دموية لعملية الخطف، وهنا يكمن السؤال عن كيفية تحرير الرهائن دون تدحل عسكري، خصوصا أن الخاطفين هددوا بنسف المنشآت النفطية في حال قرر الجيش الهجوم.

أزمة الجزائر
وأشار مطاوي إلى أن الدبلوماسية الجزائرية ارتكبت أخطاء كثيرة في الملف المالي، فبدلا من المدافعة عن الحل السياسي التفاوضي والتواصل مع جماعة أنصار الدين وحركة تحرير أزواد، قامت بفتح أجوائها للطائرات الفرنسية بذريعة أنها تضرب "الإرهاب" في المنطقة.

وأبدى قلقه من أزمة أمنية جديدة في البلاد بسبب هذه الجماعات التي سبق لها ضرب الجزائر وقامت بتفجيرات وخطف رعايا أجانب، ولفت إلى أن الجزائر رفعت من تأهبها الأمني وأغلقت حدودها الشاسعة الصحراوية مع مالي التي تبلغ نحو 1400 كلم، لكن هذه الحدود بحاجة إلى إمكانيات ضخمة لمراقبتها والتحكم بها، وختم بسؤال، هل فرنسا تضرب بمالي والجزائر تدفع الثمن رغم أن الجزائر ليست الدولة الوحيد التي فتحت أجواءها؟

على الضفة الفرنسية يقول المتخصص بالجماعات الإسلامية بالمغرب العربي ماثيو قويدر إن خطف الرهائن يستهدف الجزائر ومنشآتها النفطية حتى يجبرها على الدخول في الحرب مع فرنسا ويبرز أيضا تضارب الموقف الجزائري من مساندته "للمستعمر السابق" ضد بلد مجاور.

ولكن جنسيات الرهائن ستدفع الحرب على مالي نحو التدويل، فدول المختطفين سيُضطرون للتدخل على الأقل سياسيا ودبلوماسيا للضغط على الجزائر، لأن هذه الدول لن تقبل أن يقتل رعاياها فقط من أجل البترول والغاز.

واستبعد قويدر على المدى القريب أن تضرب الجماعات في عقر دار الدول الغربية، مبقيا الاحتمال على المدى البعيد، خصوصا أن هذه الحركات ستكسب تعاطفا من أشخاص بهذه الدول قد تنفذ هجمات ثم ينسبونها لهذه الجماعات، وأوضح أن الخطر الكبير يكمن في استهداف الرعايا الأجانب وتحديدا الفرنسيين المنتشرين بكثافة في أفريقيا.

ولفت إلى أن فرنسا وقعت في مفارقة كبيرة، فهي تدخلت لتحرير فرنسيين خُطفوا ولمنع خطف آخرين وجدوا أنفسهم أمام عمليات خطف أخرى، مشيرا إلى أن فرنسا قد لا تقع في المستنقع المالي في حال وصول قوات أفريقية قادرة على تعويض القوات الفرنسية على الأرض.

‪(الجزيرة‬ جرجس: الصراع في مالي بدأ يأخذ أبعادا إقليمية ودولية ولن يبقى صراعا محليا 
‪(الجزيرة‬ جرجس: الصراع في مالي بدأ يأخذ أبعادا إقليمية ودولية ولن يبقى صراعا محليا 

خلاف إستراتيجي
ورد عدم دعم أميركا وأوروبا لفرنسا لخلاف في النظرة الإستراتيجية للأمور، فأميركا والدول الأوروبية الأخرى ترى أن ما يحصل في مالي من تداعيات الربيع العربي، أي أن القوى الإسلامية التي استلمت الحكم في عدد من دول شمال أفريقيا وصلت لمالي، وترى أميركا أن جميع هذه الدول مآلها لحكم إسلامي ولا داعي للدخول بحرب ضدها خصوصا أن دول الجوار مسلمة.

أما فرنسا فما زالت تحليلاتها الإستراتيجية قديمة أي من قبل الربيع العربي وتفيد بأن كل "الجماعات الإسلامية متطرفة وإرهابية ويجب محاربتها".

في السياق يقول أستاذ العلوم السياسية وخبير العلاقات الدولية عبد النور بن عنتر إن الاختطاف نقل الصراع بمالي إلى داخل الجزائر وأعطاه بعدا إقليميا خصوصا أن الجزائر حساسة تجاه الخطر الأمني الذي عانت منه في السابق.

واستبعد بن عنتر تفاوض الجزائر مع الخاطفين، خصوصا أنها امتنعت أكثر من مرة عن المشاركة في عمليات دفع فدية لإطلاق رعايا أجانب، إضافة إلى أنها حال تفاوضت ستفتح بابا واسعا أمام تكرار هذه العمليات، خصوصا أن اليد العاملة الأجنبية موجودة بكثافة في منشآت نفطية منتشرة في مناطق صحراوية شاسعة من غير الممكن السيطرة عليها. وتوقع أن يطول أمد أزمة خطف الرهائن أياما وربما أسابيع بسبب رغبة الجزائر في الحسم العسكري والضغط الدولي الغربي لكبحه.

من جانبه أكد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بلندن فواز جرجس أن الصراع في مالي بدأ يأخذ أبعادا إقليمية ودولية ولن يبقى صراعا محليا، وأوضح أن الاختطاف هو بداية التداعيات، لأن هناك علاقة عضوية بين ما يجري في مالي ودول المنطقة.

وأضاف أن العزوف الأميركي عن التدخل في أزمة مالي يعود إلى اعتقادهم بأن تدخلا غربيا سيؤدي لنتائج عكسية وإلى عدم التنسيق الإستراتيجي بين باريس وواشنطن ولندن وبرلين، لأن قراءتهم تفيد بأن هذه التنظيمات هي محلية لا أممية، ورغم ارتباطهم فكريا بتنظيم القاعدة فإن إمكاناتهم وطريقة عملهم بعيدة عن التنظيم الأم.

وأشار إلى أن الأميركيين يرون أن على دول غرب أفريقيا التعامل مع الأزمة في مالي لقناعة غربية بالابتعاد عن هذا المستنقع، وأضاف أن الغرب قلق من أن تنعكس الأزمة المالية تفجيرات وهجمات في شوارع العواصم الغربية.

المصدر : الجزيرة