هل تغرق فرنسا برمال مالي المتحركة؟


أحمد السباعي

بعد نحو أسبوع من القصف الجوي الفرنسي على شمال مالي، تخرج فرنسا لتقر بأن الجماعات المسلحة لا تزال تسيطر على بلدتين مهمتين، وفي وقت يبدو فيه أن فرنسا تستعد لصراع طويل وشاق بدأ يقض مضاجعها التكلفة المالية لهذه الحرب في الرمال المالية المتحركة.

فالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الباحث عن دعم لوجستي أكبر من حلفائه، زار الإمارات العربية المتحدة بحثا عن الدعم المالي الخليجي، حيث كشفت صحيفة إندبندنت البريطانية أنه حث دول الخليج على المشاركة ماليا في العمليات العسكرية والإنسانية في مالي وخصوصا عقب شكوى وزير فرنسي بأن الدعم اللوجستي من الدول الأوروبية الأخرى محدود أو يكاد يكون معدوما.

يأتي هذا "التبرم" الفرنسي من الدول الأوروبية في وقت تقدم دول المغرب العربي لها دعما متفاوتا يتراوح بين فتح الأجواء لطائرتها أو حتى المساهمة في العمليات العسكرية، فقد نُقل عن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال لقائه هولاند بأبو ظبي احتمال إسهام بلاده بالعملية العسكرية إذا طلبت مالي ذلك.

ويبدو أن وعد الجماعات المسلحة لفرنسا بجعل مالي أفغانستان "ثانية" بدأ تنفيذه حيث خطف مسلحون خمسة يابانيين وفرنسيا من منشأة نفطية بالجزائر، إضافة إلى زرع أنفسهم وسط السكان المحليين مما يصعب المهمة الفرنسية التي ألحقت بهم خسائر كبيرة خلال الضربات الأولى لأنه كان من السهل التعرف على المقاتلين.

‪أبو دياب: زيارة هولاند للإمارات كانت مبرمجة منذ مدة طويلة ولم يلغها بسبب العلاقات المميزة بين البلدين‬ (الجزيرة)
‪أبو دياب: زيارة هولاند للإمارات كانت مبرمجة منذ مدة طويلة ولم يلغها بسبب العلاقات المميزة بين البلدين‬ (الجزيرة)

فرنسا جاهزة
هذا السيناريو، تقول الصحفية الفرنسية آن جوديتشيلي، بصدده، إن فرنسا تحضرت لهذه الحرب جيدا وتعرف أن الصراع سيكون صعبا وشاقا ودونه عقبات وخسائر كثيرة، ولهذا فقد قامت بوضع خطط على المدى القريب وحتى البعيد للتعامل مع هذه الحرب.

ورغم أن الكلفة الاقتصادية ليست واضحة حتى الآن ولكن يبدو أنها ستكون كبيرة ومرهقة وخصوصا في ظل غياب المساعدات الأوروبية، وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي إلى البحث عن مصادر تمويل في نيويورك ودول الخليج العربي، لهذا تريد باريس أن تحقق نتائج ملموسة على الأرض لكي تحصل على المساعدات عندما تطلبها.

في السياق يقول الخبير بالعلاقات الدولية خطار أبو دياب إن باريس كانت تخطط لهذه العملية منذ الصيف الماضي، مشيرا إلى أنها لن تفاجأ أو فوجئت بما سيحصل.

وأضاف أن فرنسا لا تريد أن تبقى في عملية مباشرة بمالي أكثر من ثلاثة أشهر، ولذا فبعد التمهيد الجوي ووصول قوات برية فرنسية ستقوم فرنسا بإقامة خط وهمي يفصل بين الشمال والجنوب يمهد لانتشار القوة الأفريقية والدولية المزمع تشكيلها في وقت لاحق.

ولفت إلى أن عدم تدخل فرنسا كان يعني نهاية الدولة في مالي وبناء قاعدة متقدمة للجماعات المسلحة في هذا البلد، ووصف زيارة هولاند للإمارات بأنها مبرمجة منذ مدة طويلة وأن الرئيس الفرنسي لم يلغها بسبب "العلاقات المميزة بين البلدين"، وأوضح أن الدعم لم يطلب فقط من الإمارات والخليج بل من كل أصدقاء فرنسا مؤكدا أن هناك دولا لبت الطلب والأخرى لم تلب.

سباق المصالح
وأرجع عدم مساعدة أميركا والدول الأوروبية الأخرى بالقدر الكاف للتنافس بين الحلفاء، فالإستراتيجية الأميركية كانت تقضي بترك هذا الموضوع وعدم التعامل معه بسرعة بحجة أن القوى الأفريقية غير قادرة، ولهذا جاء التحرك الفرنسي سريعا للحفاظ على مصالحها هناك.

أما لماذا الحرص الفرنسي على مالي؟ فيجيب أبو دياب بأن هناك جالية فرنسية كبيرة في مالي إضافة إلى المصالح الفرنسية المباشرة في النيجر، وإذا سقطت مالي فيعني سقوط مصالح فرنسا بمنطقة الساحل.

‪الشنقيطي: الاتفاق كان موجودا بين باريس والرئيس الموريتاني لكن الأخير كان يبحث عن مخرج للتدخل العسكري بمالي‬ (الجزيرة)
‪الشنقيطي: الاتفاق كان موجودا بين باريس والرئيس الموريتاني لكن الأخير كان يبحث عن مخرج للتدخل العسكري بمالي‬ (الجزيرة)

وخلص إلى أن فرنسا تعرف جيدا جغرافية هذه البلاد طبيعيا واجتماعيا وهوية من تحارب من الجماعات، لذا ستكون العملية محدودة ولن يتم الذهاب بعيدا فيها بل سيتم إنهاؤها بأسرع وقت ممكن مضيفا أن فرنسا لن تغرق في الرمال المتحركة، لأن غرقها يعني انتهاء دورها الإقليمي والدولي.

أما في الجزائر التي انقلب موقفها من رفضها القاطع للتدخل العسكري إلى فتح أجوائها للطائرات، فيقول الكاتب مصطفى هويس إنه لن تكون هناك انعكاسات عملية واضحة على الجزائر، وإن وجدت فلن تتخطى مستواها الإعلامي والسياسي، واعتبر أن موقف الجزائر ما زال رافضا للتدخل الأجنبي لكن فرنسا سارعت وشنت هذه الحرب متذرعة بطلب من السلطات المالية، وقامت بغلق الحدود كي لا تتسلل عناصر مسلحة إلى داخل الجزائر.

موريتانيا الأضعف
وأوضح الكاتب هويس أن بعض التفسيرات لتغير الموقف الجزائري يفيد بأن فرنسا تشن عملية لمحاربة الجماعات المسلحة وليس حربا على الأزواد أو الجماعات السياسية هناك، وهذا أمر أغرى الجزائر فجعلها توافق على العمل من أجل القضاء على "الجماعات الإرهابية المسلحة" في شمال مالي.

أما المغرب -الذي طوى مؤخرا السنة الأولى لأول حكومة يشكلها الإسلاميون- فقد فتح أجواءه على ما يبدو للطائرات الفرنسية، وعن هذا يقول الأكاديمي المغربي منار سليمي إن هذا يدخل ضمن إستراتيجية المغرب لمكافحة الإرهاب منذ عام 2001، حيث عبرت الرباط في السابق عن تضامنها وتأييدها لكل من يساهم بتطبيق هذه الإستراتيجية. وأضاف أن لموافقة المغرب ودعمه للتدخل الفرنسي بعدا آخر يتمثل بموضوع البوليساريو الذي تحدثت تقارير عن علاقتهم بتنظيم القاعدة، وهذا ما يعقد مشكلة الصحراء الغربية.

وإلى موريتانيا التي تشارك مالي بحدود تمتد لأكثر من 2500 كيلومتر، فيقول الأكاديمي والباحث محمد مختار الشنقيطي إن الرئيس الموريتاني يدين لباريس بإنقاذ حياته بعد محاولة الاغتيال الذي تعرض لها منذ أشهر، وهو أيضا تولى عن فرنسا عدة تدخلات في شمال مالي، وسيعيد الكرة مرة أخرى استجابة لطلب فرنسي، وأضاف أن الفرنسيين سيبقون في مناطق آمنة والاعتماد على الطائرات ويزجون الموريتانيين وغيرهم "الأعمال القذرة" على الأرض.

وأوضح أن الاتفاق كان موجودا بين باريس والرئيس الموريتاني لكن الأخير كان يريد إخراجا للتدخل يكون عبارة عن طلب من مالي، معتبرا أن هذه الحرب لن تجلب حلا لمالي بل ستزيد الأمور تعقيدا، ولكنها ستدخل موريتانيا -الخاصرة الرخوة في المنطقة- في فوضى بعد تسلل آلاف المقاتلين للداخل بسبب هشاشة وضعف الدولة المركزية، كما يعود العنف إلى الجزائر.

المصدر : الجزيرة