تتار القرم.. ماض أليم وواقع صعب

التتار حملوا لافتات تطالب بحقوقهم وتندد بإهمالهم.
undefined

محمد صفوان جولاق-القرم

تحولت الذكرى 68 لمأساة تهجير تتار إقليم شبه جزيرة القرم المسلمين من أراضيهم في جنوب أوكرانيا إلى مناسبة للتأكيد على حق العودة ورفض التهجير القسري، وهو الحدث الذي فرض معاناة وآلاما على جميع تفاصيل حياتهم، ولا يزال سببا لواقع صعب يهدد مستقبلهم.

وإحياء للذكرى 68 لمأساة التهجير، شهدت مدينة سيمفروبل في الإقليم مساء أمس تظاهرة حاشدة شارك فيها ما لا يقل عن 30 ألف تتري، للمطالبة بحقوق شعبهم وحلول لقضاياهم المعلقة.

وكان تتار القرم المسلمون قد تعرضوا للتهجير القسري عام 1944 بأمر من الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بدعوى الخيانة في الحرب العالمية الثانية، فنقلوا بقطارات شحن في ظروف سيئة قضت على ما لا يقل عن 300 ألف شخص منهم، وشردتهم في بلاد المهجر بشرق آسيا وشمال روسيا.

ويقول الباحث في تاريخ القرم د. أمين القاسم للجزيرة نت إنه رغم تبرئة البرلمان السوفياتي للتتار من تهمة الخيانة في العام 1989، فإن ذلك لم يسهم في استعادة كرامتهم وإعادة حقوقهم وأملاكهم التي صودرت منهم، بل بقوا في نظر شعوب الاتحاد المنهار لاجئين مشردين.

‪آلام التهجير حاضرة حتى اليوم في حياة تتار القرم‬ (الجزيرة)
‪آلام التهجير حاضرة حتى اليوم في حياة تتار القرم‬ (الجزيرة)

أما علي حمزين مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس شعب تتار القرم، وهو أبرز مؤسسة سياسية تترية في أوكرانيا، فيؤكد للجزيرة نت أن مأساة التهجير شردت ما لا يقل عن أربعة ملايين تتري، معظمهم يعيشون اليوم في تركيا التي هربوا إليها وفيها أصبحوا أتراكا.

آثار باقية
ولا تزال الكثير من آثار التهجير وآلامه باقية حتى اليوم في واقع حياة تتار القرم وفي مختلف المجالات.

يقول أمين القاسم إن التتار تشبثوا بدينهم وهويتهم وثقافتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم في المهجر، وجهدوا لنقلها إلى الأبناء والأحفاد رغم الحظر الذي فرض عليهم، لكن التهجير أثر سلبا وبوضوح على جميع تلك المجالات، وأدى إلى ذوبان شريحة واسعة منهم في المجتمع الاشتراكي.

ويضيف "الكثير من الأبناء والأحفاد اليوم لا يجيدون اللغة التترية، ولا يعرف الكثير منهم شيئا عن الدين والثقافة والعادات والتقاليد، فهي لا تنعكس على حياتهم، بل تبرز في إحياء مناسباتهم في أفضل الأحوال".

كما يقول إن سنوات الإبعاد لم تسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط للمستقبل، فقد كانوا منبوذين ومسلوبي الحقوق "كخونة"، وبالتالي عاش معظمهم وعادوا فقراء، بعد أن أبعدوا كذلك.

وعلى صعيد آخر يقول الشاب رسلان زين الدينوف إن التهجير مزق عرى التتار الاجتماعية، ولا تكاد توجد أسرة تترية إلا ولديها قصة ترويها حول أحد أفرادها الذين فقدوا أو ماتوا خلال رحلة التهجير، ومنهم جدته التي نزلت من القطار كغيرها لقضاء حاجتها، ثم تحرك القطار فجأة ليترك جميع من نزلوا ويفقدون.

‪الدعاء للأموات والمفقودين خلال التظاهرة‬ (الجزيرة نت)
‪الدعاء للأموات والمفقودين خلال التظاهرة‬ (الجزيرة نت)

وعن هذه القضايا قال علي حمزين إن أوكرانيا تعترف بالتتار كأقلية عرقية، والدستور الأوكراني يدعم حقوق الأقليات، وخاصة ما يتعلق بتعلم اللغة والحفاظ على الثقافة، لكننا لم نحصل على هذه الحقوق التي نطالب بها دائما.

وأشار إلى أن من أبرز القضايا إقرار مناهج دراسية، وتعويض التتار بأراض وبيوت بدل تلك التي صودرت منهم بعيد التهجير، الأمر الذي يدعمه الدستور والقانون أيضا، بحسب حمزين.

ولفت إلى أن التتار يصرخون لأنهم جزء من المجتمع الأوكراني، لكنهم يعيشون غرباء فيه، وإهمال قضاياهم يهدد مستقبلهم ويحد من طموحاتهم ونشاطاتهم، ومنها التجارية.

واتهم نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحكومة رئيس الوزراء ميكولا آزاروف بممارسة سياسة إهمال قضايا التتار عمدا، وأكد أنه لا توجد أية مؤشرات تدل على إرادة حقيقة من قبلهم لحل قضايا التتار.

يذكر أن تعداد تتار القرم يبلغ اليوم نحو 500 ألف نسمة، يسكن معظمهم القرى النائية، وينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة. ولا توجد في القرم إلا 15 مدرسة قومية خاصة بهم، تحتضن نحو 5 آلاف طالب تتري فقط من أصل نحو 40 ألفا.

ولا تزال الكثير من المصاعب والمحن مرتبطة بحياة تتار القرم حتى اليوم بعد 20 عاما على استقلال أوكرانيا وبدء مشوار عودتهم إلى الوطن.

المصدر : الجزيرة