بارك وصفحة جديدة بتاريخ كوريا الجنوبية
فقد حظيت مرشحة الحزب الحاكم بارك غون هي بـ(51.6%) من أصوات الناخبين، بعد منافسة شرسة مع مون جي إن مرشح الحزب الديمقراطي المتحد (يسار وسط).
واتسمت الانتخابات باحتدام المنافسة ليست لكونها بين رجل وامرأة، أو بين برامج سياسية مختلفة لحزب حاكم محافظ وتيار ليبرالي معارض يسعى إلى التغيير، بل بدت وكأنها صراع بين أجيال.
وعكست نتائج الانتخابات ومن قبلها عملية الاقتراع المزاج السياسي للتركيبة الديمغرافية للمجتمع الكوري بين أغلبية من كبار السن يشكلون 60% من المجتمع، ويتمسكون بالتركيبة السياسية القائمة ويؤمنون بالإصلاح التدريجي، في مقابل أقلية من الشباب المتمرد الذي لا يثق في أحزابه التقليدية ويسعى إلى هز أركانه متسلحا بأدوات التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي.
إلا أن هؤلاء الشباب لا يزالون يفتقرون إلى التأطير المنظم والخبرة السياسية والقيادة القادرة على تحقيق جذب شبابي حولها.
لكن مؤيديه أحجموا عن المشاركة في الانتخابات ورفضوا منح أصواتهم لمرشح المعارضة تاركين الميدان لمتوسطي وكبار السن الذين نجحوا في حسم التنافس لصالح مرشحة الحزب الحاكم، مفضلين الاستقرار على التغيير.
نقطة تحول
ويعتبر فوز بارك غون هي نقطة تحول تاريخية كبرى في كوريا الجنوبية باعتبارها أول امرأة تصل إلى سدة الحكم ليس في بلادها فحسب، بل في منطقة شمال شرق آسيا بأسرها.
وتبلغ بارك من العمر ستين عاماً لكنها لم تتزوج، وهي الابنة الكبرى للرئيس السابق الجنرال بارك شونغ هي الذي قاد انقلاباً عسكرياً أوصله إلى السلطة عام 1961.
وعلى الرغم من أن والدها مارس السلطة بقمع ودكتاتورية فإن عهده الذي استمر لعقدين من الزمن تميز بنهضة صناعية، وشكلت حقبته أساسا قويا لأن تصبح كوريا الجنوبية واحدة من نمور آسيا الاقتصادية ولتتربع لاحقاً على عرش رابع اقتصاد آسيوي.
كما عرفت بارك أيضاً بأنها امرأة عصامية اعتمدت على نفسها بعد أن خذلها رفاق والدها السابقون وتخلوا عنها، وتميزت أيضاً بتواضعها وقربها من الناس ولعل مأساتها العائلية أكسبتها المزيد من التعاطف الشعبي فقد قضت والدتها ضحية عميلة اغتيال استهدفت والدها عام 1974 على يد عميل لكوريا الشمالية.
وبعدها بخمس سنوات قضى والدها برصاصات من مسدس مدير استخباراته. كما تعرضت هي نفسها لهجوم بآلة حادة من معارض سياسي ترك أثرا على وجهها.
ومارست بارك السياسة في حزب سينوري المحافظ وكانت دائماً من دعاة الإصلاح وتميزت بنشاطها كنائبة في البرلمان، لكن لم يعرف عنها تبنيها لقضايا المرأة ودفاعها عن حقوقها في مجتمع تعاني فيه المرأة من إنكار لحقوقها، فعلى سبيل المثال تنخفض نسبة أجور النساء بحوالي 40% عن مثيلاتها عند الرجال.
وفور انتخابها قالت إن بلادها ستشهد "عصراً جديداً" خلال عهدها الذي سيستمر خمس سنوات، مؤكدة أن آثاره ستشمل شبه الجزيرة الكورية. وقد اقترحت الرئيسة الجديدة عقد لقاء قمة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لتخفيف حدة التوتر بين البلدين.
ومن المتوقع أن تواجه الرئيسة المنتخبة عدة قضايا داخلية وإقليمية جمة كالركود الاقتصادي وهيمنة الشركات الكبرى على اقتصاد البلاد والحاجة إلى إيجاد ملايين من فرص العمل والوضع المتوتر مع كوريا الشمالية وعودة اليمين الياباني إلى السلطة من جديد وما سيحمله معه من احتمالات توتر قادمة بلا شك بين الجانبين على خلفية جزر متنازع عليها.
إضافة إلى ذلك، ضرورة محافظة دبلوماسية كوريا الجنوبية على توازن إستراتيجي في علاقاتها بين بكين وواشنطن في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات وتغيرات أمنية وإستراتيجية عميقة.