توقف البيرق يكشف أزمة الصحافة بلبنان

صفحة أولى من إحدى نسخ جريدة البيرق

صفحة أولى من إحدى نسخ جريدة البيرق (الجزيرة نت)

نيقولا طعمة-بيروت

يكشف توقف جريدة "البيرق" اللبنانية بعد مضي زهاء قرن على صدورها عن أزمة في صناعة الصحافة ومصير الصحف التي تفتقر إلى المال السياسي أو الدعم الحزبي أو الخارجي في بلد يعتبر رائدا في الصحافة على المستوى العربي.

فتوقف "البيرق" -التي أسسها سعيد عقل عام 1912- يطرح تساؤلات بشأن مصاعب الصحافة اللبنانية ومصير الصحفيين العاملين فيها.

ويرى عضو نقابة المحررين جوزف قصيفي أن تراث الصحافة لم يعد قادرا على الصمود، ويتجه للإقفال، في ظل الإعلام الإلكتروني والفضائيات التي حلت محل الكثير من الوسائل الإعلامية.

أما عضو نقابة الصحافة إلياس عون الذي عمل مديرا عاما لدار "ألف ليلة وليلة" التي كانت "البيرق" إحدى منشوراتها منذ ستينيات القرن الماضي، فيعتقد أن "الدعم المادي الخارجي أو الحزبي هو شرط أساسي لاستمرار الصحافة".

ورأى عون أن "الصحافة اللبنانية ككل تمر بمرحلة عصيبة، لأن الدول العربية باتت تملك صحافتها المتطورة، بينما كانت الصحافة اللبنانية هي الناطقة باسم العرب في الفترات الأسبق".

ومع تراجع العمل الاستثماري في لبنان جراء الأحداث الطويلة، تراجع سوق الإعلانات، مما فاقم من مشكلة الصحافة وعرض العاملين فيها لخسارة وظائفهم.

جوزف قصيفي: تراث الصحافة لم يعد قادرا على الصمود (الجزيرة نت)
جوزف قصيفي: تراث الصحافة لم يعد قادرا على الصمود (الجزيرة نت)

تاريخ البيرق
ورأى عون أن البيرق "كانت جريدة ناشطة، دأبت أن تكون محايدة، ومرت بصعوبات حين توفر للصحف اللبنانية التمويل الكافي لتصدر بصفحات متعددة، فلم تواكب "البيرق" هذه الموجة، وضعفت ماليا لكن حضورها بقي قويا بين الصحف التي استمرت في الصدور.

وقد استطاع ملحم كرم نقيب المحررين الراحل الذي اشترى البيرق في ستينيات القرن الماضي أن يؤسس دار "ألف ليلة وليلة" ضمت إلى جانب "البيرق" مجلة الحوادث ومجلة ال”Revue Du Liban” باللغة الفرنسية، و"المونداي مورنينغ" بالإنجليزية”.

جدير بالذكر أن مؤسس البيرق سعيد عقل -وهو أحد شهداء الاستقلال- حيث تحولت بعد شنقه مع أربعين آخرين ١٩١٤ إلى ورثته.

وكان لصحيفة البيرق دور في النصف الأول من القرن العشرين، حينما كان لبنان منقسما بين كتلتين سياسيتين رئيسيتين، الكتلة الوطنية والكتلة الدستورية، وكانت "البيرق" ناطقة باسم الكتلة الوطنية التي ترأسها رئيس جمهورية لبنان آميل إدة (١٩٣٦١٩٤١).

ومرت الصحيفة بمراحل متعددة، ثم أصبحت شركة مساهمة، إلى أن اشتراها نقيب المحررين ملحم كرم منذ مطلع الستينيات، واستمرت إلى حين توقفها منذ شهر ونصف لخلاف بين الورثة".

إلياس عون:
ليس هناك قانون خاص بالصحافة في لبنان، وينطبق على العاملين في الصحافة قانون العمل اللبناني الذي يبت القضاء في إشكالاته

قوانين الصحافة
وبينما تقوم الدول المتطورة بإجراءات ووضع قوانين تحمي الصحافة والعاملين فيها بطرق مختلفة، تعتبر السلطات اللبنانية أنها ليست مسؤولة عن نجاح القطاع أو فشله.

وإذا كانت مبيعات الصحف سابقا تغطي بعض نفقات الإصدار، فإن أعداد الصحف المبيعة في لبنان لم تعد تتعدى بضعة آلاف لأفضل جريدة يوميا، وبالتالي فإن مدخول البيع لا يغطي إلا جزءا يسيرا من النفقات.

ويقول إلياس عون "ليس هناك قانون خاص بالصحافة في لبنان، وينطبق على العاملين في الصحافة قانون العمل اللبناني الذي يبت القضاء في إشكالاته”.

ويؤكد قصيفي كلام عون، مضيفا أن "الدول المتقدمة تقوم بالدعم المالي واللوجستي والعيني للمطبوعات لكي تستمر لأنها تشكل الذاكرة الثقافية والتاريخ اليومي لكل بلد، إضافة إلى أن مثل هذا الإجراء يساعد الصحيفة على الاستغناء عن الدعم الخارجي، والارتباط بأجندات خارجية. هذا الأمر غير موجود في لبنان”.

وعن القوانين الصحفية عالميا قال إنها "أصبحت متطورة إلى درجة لا تبارى، فهناك "محكمة عليا" مؤلفة من نقابة الصحفيين ونقابة الناشرين، وهناك "مدونة سلوك" يصار من خلالها إلى مراقبة عمل الصحف والصحفيين. بينما لا نزال في لبنان بمحاكم مطبوعات عفا عليها الزمن".

وأوضح أن "نقابة المحررين طالبت بتطوير القوانين الصحفية لتصبح الحماية أفضل"، ذاكرا أنه "طرحت عقود العمل الجماعية سنة 1981، فرفضتها نقابة الصحافة، بحجة أن لا قدرة لأصحاب الصحف على الإيفاء بشروط العقود".

المصدر : الجزيرة