التسلح الصيني.. تشكيك وقلق أميركي

The Chinese aircraft carrier 'Varyag' passes Bosporus bridge in Istanbul, Turkey, Thursday, 01 November 2001. The congested Bosporous Strait was closed to shipping traffic Thursday to allow the aircraft carrier to be towed through, after a wait of several months, Anatolia news agency reported.

حاملة الطائرات الصينية فارياج خلال مرورها في المياة الإقليمية التركية (الأوروبية-أرشيف)

أحمد السباعي

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1990 وانهيار مفهوم "العالم المتعدد الأقطاب" وتحكّم الولايات المتحدة بمصائر دول العالم ولعبها دور الشرطي الدولي مستخدمة فائض قوتها العسكرية وتفوقها التكنولوجي كان لا بد من ظهور قوة آتية من شرق آسيا لتهدد عرش واشنطن بل وتشكل تهديدا جديا عليها، ألا وهي الصين.

فالطفرة الذي شهدتها جمهورية الصين الشعبية في المجالات كافة، وفي مقدمتها الاقتصاد، وإزاحتها لجارتها وغريمتها اليابان عن مركز ثاني أفضل اقتصاد في العالم، أذهلت العالم وأثارت قلقه.

ولكن ما يقض مضاجع واشنطن فضلا عن الاقتصاد هو التسلح الصيني، والتطور الذي يطرأ على القدرات العسكرية الصينية رغم أنهم يهونون من شأنه، لكن يبدو أن "التنين الصيني" قادم وبقوة لاحتلال مراتب متقدمة في المنظومة العسكرية العالمية.

حيث فاق التقدم السريع الذي طرأ على "جيش التحرير الشعبي الصيني" التوقعات العسكرية الأميركية رغم أن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) متأكدة من أن بعض قدراته ما زالت في "طور النمو"، لكن كما يقال "رب ضارة نافعة" فهذا الحديث عن التقدم الصيني العسكري قد يساعد البنتاغون على التصدي لمحاولات إحداث تخفيضات أكبر في نفقات الدفاع كما لوح البعض في أروقة الكونغرس.

حاملة طائرات
وأعلنت الصين جهارا نهارا عن هذا التطور، حين بدأت أولى حاملات الطائرات وهي السفينة "فارياج" -التي اشترتها من أوكرانيا وأجريت عليها تعديلات من العهد السوفياتي- التجارب البحرية في يوليو/ تموز، وذكرت مصادر صينية أن بكين تصنع أيضا حاملتي طائرات محليا. وهي مقولة يعتقد الجيش الأميركي أنها مضللة على أفضل تقدير.

وعن هذا التضليل، يقول قائد القوات الأميركية بالمحيط الهادي إن "الاستعراض" التي تقوم به الصين عبر عمليات الشراء ومتابعة بعض الإجراءات الروتينية على متن حاملة الطائرات "الوليدة" لن ينفع الصين في وضع "لبنة عسكرية" في مسارها نحو التطور.

وأضاف الأدميرال روبرت ويلارد أن "فارياج هي السفينة الوحيدة التي لم نر سواها وتحدثوا عنها أيا كانت درجة مصداقيتهم، وهذه السفينة على سبيل التحديد هي التي أبحرت".

وتتتابع تشكيكات البنتاغون بالروايات الصينية بالقول إن حاملة الطائرات المعدلة التي تعود للعهد السوفياتي لم تعمل بكامل طاقتها بعد، ولن تتمكن الصين -آخر عضو دائم بمجلس الأمن الدولي يمتلك حاملة طائرات- من تشغيل الحاملة بشكل فعال وعلى متنها أي طائرات قتالية قبل عدة سنوات.

وأظهر تقييم للبنتاغون قدم للكونغرس أن البحرية البرازيلية عرضت تدريب الصين على عمليات حاملات الطائرات، لكن التقييم لفت إلى أن قدرات البرازيل المحدودة في هذا المجال والمشكلات الكبيرة لدى برنامج الحاملات البرازيلي ذاته تثير أسئلة حول ما يتضمنه هذا العرض.


الجيش الأميركي يقول إن أمام الجيش الصيني شوطا طويلا لإتقان القدرة للقيام بعمليات مشتركة كبيرة (الفرنسية-أرشيف) 
الجيش الأميركي يقول إن أمام الجيش الصيني شوطا طويلا لإتقان القدرة للقيام بعمليات مشتركة كبيرة (الفرنسية-أرشيف) 

الشبح الصيني
أما بخصوص الطائرات المقاتلة، فتأتي "جيه20" الصينية الشبح في الطليعة، حيث تم اختبارها أول مرة في يناير/ كانون الثاني تزامنا مع زيارة قام بها وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس إلى بكين.

وعلى الرغم من اهتمام البنتاغون بالمقاتلة "جيه20" فإنه لا يتوقع أن تكون فعالة في العمليات قبل عام 2018، وتقول مصادر إن هناك أيضا تساؤلات حول مدى فاعلية قدرتها في مجال المقاتلات الشبح رغم نجاح تجربتها فيما يتعلق بعدم ظهورها فعلا على شاشات الرادار، لكنها لم تكشف عن مواصفات أخرى تساعدها على تجنب رصدها بشكل قد يحدث لاحقا.

وفي هذا الصدد، يشير تقرير البنتاغون إلى أن الصين تواجه عدة عقبات أثناء تحركها نحو إنتاج "جيه20" منها إتقان إنتاج محرك عالي الأداء، عكس مقاتلات الشبح الأميركية التي أثبتت كفاءتها منذ إنتاج أول طراز "أف117 نايتهوك" والتي قامت بأولى رحلاتها قبل ثلاثين عاما وأحيلت هذه الطائرة للتقاعد عام 2007.

ومن الأسلحة والتقنيات إلى العنصر البشري، حيث يؤكد مسؤولون أميركيون أن "جيش التحرير الشعبي الصيني" ما زال أمامه شوط قبل إتقان القدرة على القيام بعمليات مشتركة كبيرة، وهو أمر سيكون مطلوبا للاستفادة لأقصى مدى من قدراته الجديدة التي تتصدر عناوين الصحف.

هنا يتفوق الجيش الأميركي على نظيره الصيني بأشواط، وخاصة أن القوات الأميركية خاضت خلال السنوات العشر الماضية حروبا أتقنت خلالها العمليات المشتركة التي تجمع فرقا ومهارات من كافة ألوية القوات المسلحة.

وفي مسار التشكيك نفسه، حذر الأميرال ديفيد دورسيت، وهو أكبر مسؤول في المخابرات البحرية الأميركية قبل تقاعده في وقت سابق من العام الجاري، من المبالغة في تقدير القدرات العسكرية الصينية، ويتساءل "هل شهدنا تدريبات كبيرة مشتركة معقدة؟ كلا إنهم ما زالوا في المرحلة الأولى من تطوير قدراتهم العسكرية".

ورغم كل ما تقدم من تشكيك وتفسير وتقدير فإن الجيش الأميركي أقر بأن الصين على المسار الصحيح لبناء جيش حديث "يركز على الشؤون الإقليمية" بحلول 2020، كما يحاول بشكل ثابت سد الفجوة التكنولوجية مع القوات المسلحة الحديثة رغم افتقاره للخبرة العملية ووجود كميات كبيرة من المعدات القديمة.

واشنطن: تطلعات الصين العالمية طويلة الأجل إذ أنها تسعى لتحويل بحريتها إلى قوة عالمية (الفرنسية-أرشيف)
واشنطن: تطلعات الصين العالمية طويلة الأجل إذ أنها تسعى لتحويل بحريتها إلى قوة عالمية (الفرنسية-أرشيف)

مخاوف أميركية
وفي مقارنة سريعة لحجم النفقات العسكرية بين بكين وواشنطن، يظهر جليا التفوق الأميركي حتى في الإنفاق.

فميزانية البنتاغون حاليا تزيد على نصف تريليون دولار دون حساب تكاليف الحروب، بينما لا تتجاوز النفقات الدفاعية الصينية -مع زيادة 12.7% في مخصصات الدفاع لعام 2011- ستمائة مليار يوان (94 مليار دولار).

من جهته، قال دين تشينغ، الخبير بالشؤون الصينية في مركز أبحاث هيريتيج في واشنطن، إن التقدم الذي ستحرزه الصين في المستقبل مثل تطوير قدراتها في مجال الصواريخ البالستية المضادة للسفن سيؤثر على التقييمات الأميركية للمخاطر عند نشر القوات قرب شواطئها، لكن هذا لا يعني أن الصين ستتمكن من منع القوات الأميركية من الوصول إلى المياه المجاورة في أي وقت قريب.

ويمثل الموقف المتشدد لجيش الصين في بحر الصين الجنوبي وتفوقه العسكري المتزايد على تايوان إضافة إلى استثماراتها في غواصات نووية مصدر قلق، مما يشير إلى أن الصين تسعى لدعم العمليات في مناطق تبعد كثيرا عن تايوان.

هذه المخاوف وجدت أرضا خصبة في الكونغرس، حيث اتهم رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، الصين بتجسس إلكتروني واسع النطاق، ومع النظر في طموح الصين العسكري في المنطقة ترد أيضا مسألة طموحها العالمي.

لكن الأدميرال دورسيت أشار إلى أن تطلعات الصين العالمية طويلة الأجل، إذ أنها تسعى لتحويل بحريتها إلى قوة عالمية بحلول أواسط القرن الحالي. ومضى يقول إن هذا هو الموعد الذي حددوه، ولكن "هل يمكن أن نتوقع أن يكونوا بعد عشر سنوات أكثر مهارة مما هم عليه الآن قطعا ما دام الاقتصاد قويا".

المصدر : الجزيرة + وكالات