كيسنجر: عقيدة تدخل أميركي جديدة بالمنطقة

Former US secretary of state Henry Kissinger gives the laudatio for former US president George Bush (not in pictue) during an awards ceremony for the 2nd annual Kissinger
undefined

تساءل وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن مدى جدوى ما وصفه بعقيدة التدخل الأميركي الجديدة تحت اسم "التدخل الإنساني" في الشرق الأوسط، وقال: هل تحل إعادة البناء الديمقراطية محل المصالح القومية كمرشد للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، وهل إعادة البناء الديمقراطية هي ما تمثَّله الربيع العربي بالفعل؟

ويقول كيسنجر في مقال بصحيفة واشنطن بوست إن الولايات المتحدة -التي تراجعت عن جهود عسكرية في العراق وأفغانستان قامت على أسس الأمن القومي الأميركي- تنخرط مجددا في عدة دول في المنطقة باسم التدخل الإنساني.

ويضيف أن الإجماع الراهن هو أن الولايات المتحدة ملزمة أخلاقيا بالاصطفاف إلى جانب الحركات الثورية في الشرق الأوسط، كنوع من التعويض عن سياسات الحرب الباردة التي تعاونت في إطارها مع حكومات غير ديمقراطية في المنطقة لأسباب أمنية.

ورغم أن البعض زعم أن دعم الحكومات الهشة بدعوى الاستقرار الدولي أدى إلى عدم الاستقرار الطويل الأمد، فإن الحرب الباردة استمرت ثلاثين عاما وحققت تحولات إستراتيجية حاسمة أهمها تخلي مصر عن تحالفها مع الاتحاد السوفياتي، وأبرمت معاهدة كامب ديفد مع إسرائيل.

ويشير إلى أن الربيع العربي يعرّف على نطاق واسع بأنه ثورة شبابية تقوم على المبادئ الليبرالية، ومع ذلك فإن ليبيا لا تحكمها تلك القوى، وبالكاد تستمر كدولة.

وهذا ينطبق على مصر التي حقق فيها الإسلاميون الأغلبية في الانتخابات، وعلى المعارضة السورية التي تفتقر كما يبدو إلى هيمنة الديمقراطيين.

وحتى أن الإجماع بشأن سوريا في جامعة الدول العربية -والكلام للكاتب- لم يأت من دول تميزت بممارسة الديمقراطية، بل كان يعكس الصراع الألفي بين الشيعة والسنة، ومحاولة استعادة الهيمنة السنية من الأقلية الشيعية، مدللا على ذلك بقلق الأقليات الأخرى من مسيحيين ودروز وأكراد من تغيير النظام.

ويمضي كيسنجر في القول إن الحكم على الثورة يجب أن يكون من خلال وجهتها لا مصدرها، ومن خلال نتائجها لا شعاراتها.

الحكم على السياسة الخارجية الأميركية في النهاية ينطلق من مدى استجابة ما سيتمخض عن الربيع العربي لتحسين مسؤولية الدول التي خضعت للإصلاح تجاه النظام العالمي والمؤسسات الإنسانية

تدخل غير دائم
ويرى الكاتب أن عقيدة التدخل الإنساني في الشرق الأوسط لن تدوم بالنسبة للولايات المتحدة طالما أنها تبقى بعيدة عن الأمن القومي الأميركي، مشيرا إلى أن التدخل يتطلب النظر في الأهمية الإستراتيجية والنسيج الاجتماعي لتلك البلاد وتقييم ما يمكن أن يصلح كي يحل محل النظام القديم.

فحتى كتابة هذه السطور -وفقا لكيسنجر- فإن القوى السياسية الأصولية التقليدية التي تعزز نفسها بالتحالف مع الثوريين الراديكاليين، تهدد بالهيمنة على العملية، في حين أن عناصر الشبكة الاجتماعية التي صاغت البداية تتعرض للتهميش.

ويطرح الكاتب جملة من القضايا -على شكل أسئلة- يقول إنها ما زالت غائبة عن دائرة النقاش بشأن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الربيع العربي.

ومن هذه القضايا: ما هي نتائج الربيع العربي التي تبدو متوائمة مع المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة؟ هل يمكن الجمع بين الانسحاب الإستراتيجي من دول أساسية وتقليص البعثات العسكرية ضمن عقيدة التدخل الإنساني؟

فالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط كانت على مدى نصف قرن تقوم على جملة من الأهداف الأمنية، منها منع أي قوة من الهيمنة على المنطقة، وضمان تدفق موارد الطاقة، ومحاولة التوسط لتحقيق سلام بين العرب وإسرائيل.

ويحدد كيسنجر الأطر العامة للسياسة الخارجية قائلا إن العملية التي تنتهي بحكومات إقليمية سواء كانت ضعيفة جدا أو مناهضة جدا للولايات المتحدة في توجهها بحيث لا تقوى على دعم الأهداف الأميركية، أو تلك العملية التي تغدو فيها الولايات المتحدة غير مرحب بها، هي التي ينبغي أن تكون محور القلق الإستراتيجي الأميركي.

ويختم بأن السلوك الأميركي حيال الربيع العربي تجاهل حتى الآن أن يجعل من أميركا عائقا أمام التحولات الثورية، وقال إن ذلك ليس إنجازا ثانويا، ولكنه أحد مكونات النهج الناجح.

ولكنه يستدرك قائلا إن الحكم على السياسة الخارجية الأميركية في النهاية ينطلق من مدى استجابة ما سيتمخض عن الربيع العربي لتحسين مسؤولية الدول التي خضعت للإصلاح تجاه النظام العالمي والمؤسسات الإنسانية.

المصدر : واشنطن بوست