بوتفليقة يعترف بالفشل

 
باريس – وليد عباس
ركزت الصحف الفرنسية الصادرة اليوم على موضوعين رئيسيين، الأول يتعلق بالأوضاع الاجتماعية والتوازنات القائمة في خريطة القوى السياسية والنقابية بمناسبة عيد العمال أمس، ومظاهرات نقابات العمال التقليدية التي تجري في هذه المناسبة كل عام، بينما كان الموضوع الثاني هو الأوضاع في الجزائر غداة الكلمة التي ألقاها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والتي أجمعت الصحف الفرنسية على أنها كانت مخيبة للآمال.

تحدثت صحيفة ألفيغارو في عنوانها الرئيسي "1 مايو: اليسار المحطم" عن مجموعة اللقاءات التي يعقدها رئيس الحكومة ليونيل جوسبان حاليا مع قادة أحزاب ائتلافه الحاكم المسمى "اليسار المتعدد" في محاولة لرص صفوف الأغلبية الحاكمة "التي تأثرت بهزيمة انتخابات مجالس البلديات، وضعفت بصعود اليسار المتطرف بعد تزايد خطط التسريح الجماعي في الشركات الفرنسية".

وأشارت الصحيفة إلى مواقف مختلفة لهؤلاء القادة، وخصوصا موقف وزير الداخلية السابق ورئيس "حركة المواطنين" جان بيير شوفينمان الذي أعلن إثر لقائه برئيس الحكومة أن مفهوم "اليسار المتعدد" هو تعبير عن تحالف الحزب الاشتراكي بأشكال مختلفة مع قوى سياسية أخرى، وأن حركته لا تعترف بهذا المفهوم، بينما رفض روبير هو الأمين الوطني للحزب الشيوعي الحديث أمام الصحفيين بعد لقائه مع جوسبان.


الاستنتاج القائل باقتراب نهاية الأغلبية وانفجار اليسار المتعدد، فيه الكثير من التسرع

ألفيغارو

ولاحظت الصحيفة أن هذا الانقسام في صفوف القوى السياسية اليسارية ينعكس في صفوف الحركة النقابية، حيث قامت النقابات أمس بمجموعة مظاهرات بمناسبة عيد العمال، ولكن الصحيفة اعترفت بأن أكبر تلك المظاهرات نظمتها نقابة سي جي تي ونقابة سي أف دي تي بالاشتراك مع نقابات أخرى وذلك بالرغم من الخلاف بين هاتين النقابتين على الموقف من خطط التسريح الجماعي والدور الذي ينبغي أن تلعبه الحكومة في الحوار والصراع الاجتماعي الدائر في فرنسا حاليا.

ولكن الصحيفة رأت في افتتاحيتها أن الاستنتاج القائل باقتراب نهاية الأغلبية وانفجار اليسار المتعدد فيه الكثير من التسرع، حيث يلعب شوفنمان دوره كمرشح للرئاسة ويعارض الحكومة الحالية ولكن في حدود، ذلك أنه في حاجة إلى دعم الحزب الاشتراكي، بينما يدرك الشيوعيون وزعيمهم روبير هو أن نهاية الحكومة أو خروج الوزراء الشيوعيين منها يعني نهاية الخط المسيطر في الحزب حاليا، وفقدان الشيوعيين لدوائرهم الانتخابية في الانتخابات التشريعية المقبلة، ولكن الخطر الذي يهدد جوسبان هو غرق أطراف ائتلاف اليسار في الصراعات دون أن ينفصلوا مما سيؤدي لملل ناخبي هذه القوى.


تتصدى الأحزاب السياسية لمعركة التسريح الجماعي للعمال في شركات مختلفة بينما تشغل النقابات دورا هامشيا

ليبراسيون

واتفقت صحيفة ليبراسيون نسبيا مع الجزء الخاص بعلاقات قوى اليسار المتعدد من هذا التحليل، حيث جاء في عنوانها الرئيسي "1 مايو: شروخ في التقاليد". ولكن الصحيفة ركزت على الخريطة النقابية معتبرة أن أجواء عيد العمال هذا العام كانت على شاكلة الأحوال الجوية وسادها الغيم والضباب بالرغم من سيل خطط التسريح الجماعي التي كان من المفترض أن توحد صفوف النقابات.

ولم تساعد الحكومة الحركة النقابية، حيث ترك جوسبان لاتحاد أرباب العمل حق احتكار الحوار الاجتماعي، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الأساسية بشأن تحديد الأدوار في هذا الحوار مما أوصل الأمور إلى طريق مسدود، واليوم تتصدى الأحزاب السياسية لمعركة التسريح الجماعي للعمال في شركات مختلفة بينما تشغل النقابات دورا هامشيا، وتنقسم حول الدور الذي ينبغي أن تلعبه الدولة والقوى السياسية في الحوار الاجتماعي.

أما صحيفة لومانيتيه التي جاء في عنوانها الرئيسي "أول مايو ضد التسريح" فقد ركزت في افتتاحيتها على أجواء الغضب التي سادت مظاهرة الأمس ضد سياسات التسريح، وقدمت تحليلا يربط بين هذه السياسات واستراتيجيات العولمة، وحذرت الافتتاحية في الختام قائلة "قبل عام واحد من انتخابات هامة، لا تستجيب سياسة جوسبان لطموحات ناخبي اليسار الذين ينبغي عليهم تجنب فخ خيبة الأمل، وتقديم الحل لمعادلة سياسية جديدة تتجنب الوضع المتجمد الذي أدت إليه سياسة جوسبان وتتجنب عودة اليمين".

وخصصت صحيفتا لوموند وباريزيان العناوين الرئيسية للأزمة القائمة في الجزائر، وقالت صحيفة لوموند الصادرة مساء أمس في عنوانها الرئيسي "الجزائر: ثورة البربر من أجل الحريات" حيث نقلت وقائع الاضطرابات في منطقة القبائل وحصيلة الاشتباكات مع قوى الأمن والتي بلغت ما يقرب الستين قتيل و600 جريح.


غياب آفاق جادة لإشاعة الديمقراطية في مداخلة الرئيس بوتفليقة يمكن أن تؤدي لصب الزيت على النار

لوموند

ونقلت الصحيفة عن سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المتحالف مع السلطة والذي يمثل النخبة في منطقة القبائل، إعلانه باستحالة البقاء في حكومة تطلق رصاصات حية ضد شعبها، كما نقلت عن الأمين الأول لجبهة القوات الاشتراكية، وهي حركة تتمركز بدورها في منطقة القبائل، وصفه لأسلوب السلطة في مواجهة الاضطرابات بأنها "مجزرة في جلسة مغلقة"، واتهامه للسلطة بأنها تسعى لإشعال النيران في وسط البلاد بهدف حل خلافاتها وإعادة ترتيب توازناتها الداخلية.

ونقلت الصحيفة في الختام المخاوف السائدة في أوساط المعارضة من أن غياب آفاق جادة لإشاعة الديمقراطية في مداخلة الرئيس بوتفليقة يمكن أن تؤدي لصب الزيت على النار بحيث يصبح من المستحيل السيطرة على الحريق.

ويبدو أن مخاوف أوساط المعارضة في منطقة القبائل تتحقق جزئيا، حيث تجمع صحف اليوم على أن مداخلة الرئيس الجزائري كانت مخيبة للأمل، وقالت صحيفة باريزيان في عنوانها الرئيسي "الجزائر: فشل بوتفليقة" مشيرة إلى أن غضب الشباب المحروم من الحرية وفرص العمل والموارد المالية في منطقة القبائل يعكس وضعا منتشرا في كافة أرجاء الجزائر.

وبعد عامين من حكم بوتفليقة، والذي يرى فيه الجميع رهينة في أيدي الجيش، لم يتمكن الرئيس الجزائري من فرض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي أعلن عنها، ويعاني نظام بوتفليقة الذي يسوده الفساد واستغلال النفوذ والعجز عن التصدي لعنف الإسلاميين من حالة ضعف شديد.

وأجرت الصحيفة حديثا مع سعد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية رأى فيه أن خطاب الرئيس الجزائري لم يختلف عن خطابات الرؤساء السابقين في ظروف مشابهة، وخصوصا خطاب الرئيس السابق الشاذلي إثر الاضطرابات التي وقعت في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حيث يتضح تضامن أوساط السلطة فيما بينها بدلا من القواعد التي ينبغي أن تسود في دولة القانون.

ورأت صحيفة ألفيغارو في مداخلة الرئيس الجزائري اعترافا بالعجز أمام الأحداث التي تعيشها بلاده، حيث ألقى مداخلة قصيرة باللغة العربية الفصحى على غير عادته، ولم يقترح إجراءات محددة باستثناء تشكيل لجنة تحقيق حول أحداث منطقة القبائل، على أن تضم أطرافا من المجتمع المدني.

ولكن بوتفليقة استخدم أيضا الحديث التقليدي عن العدو الداخلي الذي يهدف لضرب الوحدة الوطنية عبر مؤامرة تحاك خيوطها خارج البلاد، مما دفع الصحيفة للتساؤل عن الهدف من تشكيل لجنة تحقيق، حيث حدد الرئيس الجزائري بالفعل أسباب ودوافع الأحداث التي من المفترض أن تكون موضع التحقيق.


حديث بوتفليقة لن يكفي لتهدئة الأوضاع، نظرا لأن الكلمات وحدها غير كافية لردم الفجوة بين السلطة والمتظاهرين

ألفيغارو

وأشارت الصحيفة إلى عدم الوضوح الذي يحيط بمهمة وتركيبة هذه اللجنة، وأن لجنة مشابهة سابقة لم تتوصل إلى أي نتيجة فيما يتعلق بحادث اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف عام 1992.

وأعربت الصحيفة عن اعتقادها بأن حديث بوتفليقة لن يكفي لتهدئة الأوضاع، نظرا لأن الكلمات وحدها غير كافية لردم الفجوة بين السلطة والمتظاهرين، ورأت ألفيغارو أن الرئيس الجزائري عندما يقدم تعازيه لأسر الضحايا فإنه يحاول التنصل من مسؤوليته عن أساليب القمع العنيفة التي استخدمتها قوى الأمن في منطقة القبائل.

واتفقت صحيفة ليبراسيون مع هذا التحليل فيما يتعلق بلجنة التحقيق، ونقلت الصحيفة في مقال عنوانه "بوتفليقة يعد من دون أن يقنع" ردود الفعل الأولى في منطقة القبائل على خطاب رئيس البلاد، وتميزت ردود الفعل هذه بالغضب وخيبة الأمل، حيث يتساءل الجزائريون عما إذا كان الرئيس قد أدرك حجم الثورة القائمة منذ أسبوعين ومدى امتداد السخط في كافة أرجاء البلاد.


الرئيس الجزائري يحاول منذ عامين تعديل الدستور لتوسيع سلطاته الرئاسية، ولكنه عجز حتى الآن عن فرض الأمر على جنرالات الجيش

ليبراسيون

ورأت الصحيفة أن "بوتفليقة الذي بدا بالأمس بعيدا ولم تظهر عليه مشاعر خاصة، أكد للجزائريين عوامل سخطهم من سلطة تعيش حالة انفصال تام عن الشعب".

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الجزائري يحاول منذ عامين تعديل الدستور لتوسيع سلطاته الرئاسية، ولكنه عجز حتى الآن عن فرض الأمر على جنرالات الجيش الذين يشترطون في المقابل تعيين نائب رئيس، أي تعيين رجل قادر على أن يحل محله لدى أول خلاف.

وقالت الصحيفة مشيرة إلى أن بوتفليقة خسر أمس -بانسحاب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من حكومته- الدعم الوحيد الذي كان يتمتع به في منطقة القبائل.

المصدر : الصحافة الفرنسية