تسريبات المالكي.. ما دلالات التوقيت وكيف ستؤثر في الوضع العراقي؟

التسريبات جاءت في توقيت بالغ الحساسية، مع استمرار تعثر محاولات تشكيل الحكومة من قِبل القوى الشيعية المنضوية فيما يعرف بالإطار التنسيقي.

المالكي نفى صدور الكلام الوارد في التسريبات عنه (الفرنسية)

بغداد- مفاجأة من العيار الثقيل أطلقها ناشط عراقي مقيم في أميركا بنشره تسريبات صوتية منسوبة لزعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وكان لها وقع كبير في الوضع السياسي المحتقن بالبلاد، ولا سيما مع تعثر تشكيل الحكومة بعد أكثر من 9 أشهر على الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كثيرة هي الدلالات التي كشفت عنها التسريبات التي نشرها الناشط علي فاضل، لكونها جاءت في توقيت بالغ الحساسية مع استمرار تعثر محاولات تشكيل الحكومة من قِبل القوى الشيعية المنضوية فيما يعرف بالإطار التنسيقي، بعد استقالة نواب التيار الصدري الفائز في الانتخابات من البرلمان الشهر الماضي.

الدلالات والمواقف

تتعدد الآراء السياسية حول دلالات التسريبات المنسوبة للمالكي، إذ يرى المحلل السياسي وائل الركابي أن التسريبات مفبركة وأن اختيار توقيتها فيه العديد من الدلالات والأهداف، لعل أبرزها يتمثل في محاولة خلط الأوراق في هذا التوقيت الحساس الذي يمر به العراق، فضلا عن محاولة خلق فتنة بين أبناء المكون الواحد (الشيعة) بعد فشل كل محاولات تأجيج الاقتتال الشيعي الشيعي.

وأضاف الركابي المقرّب من الإطار التنسيقي -في حديثه للجزيرة نت- أن التسريبات تهدف بالأساس إلى تأخير تشكيل الحكومة، مع قرب الإعلان عن انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الأيام القادمة.

حصرية - الباحث السياسي - الكردي - محمد زنكنه
زنكنة: لا بد من الاستعانة بجهة قضائية لأجل إثبات صحة هذه التسريبات (الجزيرة)

أما كرديا، فيعتقد الباحث السياسي في الشأن العراقي محمد زنكنة أنه لا بد من الاستعانة بجهة قضائية لأجل إثبات صحة هذه التسريبات من كذبها، دون اللجوء إلى الانجرار والتورط في اتهامات سياسية لشخصية سياسية معروفة، مشيرا إلى خطورة التسريبات وما كشفت عنه في خضم الخلافات الكبيرة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، في وقت بات فيه التيار الصدري أقوى سياسيا خارج قبة البرلمان، ويستطيع فعل الكثير مع عدم التزامه بالبرتوكولات السياسية والبرلمانية، معتقدا أن التسريبات قصمت ظهر المالكي وأن نفيه صحتها قد لا ينفعه في شيء.

وعن الدلالات، أوضح زنكنة أن هناك العديد من علامات الاستفهام بشأن هذه التسريبات، خاصة أنها جاءت متزامنة مع مؤتمر جدة الذي انعقد في السعودية بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن وجميع قادة دول الخليج العربي ومصر والعراق والأردن، فضلا عن تزامنها مع الصلاة الموحدة التي دعا لها الصدر.

ليس هذا فحسب، إذ يعتقد زنكنة -في حديثه للجزيرة نت- أن التسريبات كانت مدروسة التوقيت، وأن الوضع داخل الإطار التنسيقي بات متأزما بعدها وقد يشهد انسحابات كثيرة ستتوالى مع استمرار نشر بقية الأجزاء بما قد يؤدي لتصدع الإطار، خاصة أنه يضغط على جميع الكتل السياسية لأجل التغطية على أزمته الجديدة.

أما عن موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، فأكد زنكنة أن الحزب لم يعلق على هذه التسريبات، وأنه ينظر للعلاقات القديمة مع حزب الدعوة التي تمتد لعقود من الزمن دون النظر للأشخاص وما يصرّحون به، بحسب تعبيره.

هاشم: التسريبات أريد بها تصعيد الخلاف بين مختلف الأطراف السياسية في العراق (الجزيرة)

من جانبه، وصف الباحث السياسي العراقي رعد هاشم التسريبات بـ"غير البريئة" وبأنها تزامنت مع تراكم الخلافات السياسية، خاصة بين الكتل الشيعية من جهة وبين تحالف إنقاذ وطن السابق الذي كان يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني، لافتا إلى أنها كشفت عن رؤية متشددة متطرفة تمس المكونات العراقية وحتى الشيعية منها.

وأضاف هاشم -في حديثه للجزيرة نت- أن المالكي بعث رسائل سلبية وخطيرة في ذات الوقت، بما يتجاوز الخطوط الحمراء للتعاطي السياسي مع بقية الكتل السياسية، وهو ما قد يجعله مستبعدا من المشهد السياسي بعد أن لم تستثنِ التسريبات أي كتلة سياسية أو دينية.

وفي السياق، يعتقد هاشم أن التسريبات أريد بها تصعيد الخلاف بين مختلف الأطراف بما قد يزيد من صعوبة إيجاد الحلول في ظل تأزم واضح للمشهد السياسي، وهو ما قد يؤدي لصراعات سياسية وتأزم وانكفاء أكبر للكتل نحو اتجاهات لا تصبّ في مسار العمل السياسي.

الموقف الصدري

وبالذهاب إلى موقف التيار الصدري، حيث جاء الردّ من زعيمه مقتدى الصدر، عندما طالب -في تغريدة على حسابه بتويتر- المالكي باعتزال السياسة وتسليم نفسه للقضاء.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي إن أهم التسريبات كانت في الجزء الخامس التي كشفت عن نية مبيتة لإعادة الدكتاتورية إلى العراق، فضلا عن مهاجمة المالكي لمختلف القوات الأمنية ومن ضمنها قوات الحشد الشعبي.

ويتحدث التميمي عن أن ردّ زعيم التيار الصدري لم يكن متأخرا، حيث فضّل انقضاء صلاة الجمعة الموحدة التي كانت يوم الجمعة الماضي، معللا تأخر الرد بمدى الاحتقان الذي تسببت به التسريبات لدى جمهور التيار، وبالتالي جاء رد الصدر بعد تثبته من صحة التسريبات وقناعته بها.

أما عن دلالات التوقيت، فيتحدث التميمي عن أن التسريبات زادت من الخلافات البينية داخل الإطار التنسيقي الشيعي، وبالتالي فإن العامل الذي كان يوحد الإطار سابقا كان مواجهة تحالف إنقاذ وطن بين التيار وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي، وبانسحاب التيار الصدري من البرلمان بات الإطار التنسيقي في مواجهة داخلية عززتها التسريبات، بما قد يعيد الوضع في العراق إلى تجربة عام 2018، مع زيادة الخلافات بين تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وبين ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.

حصرية - الباحث السياسي - مجاشع التميمي
التميمي يرى أن التسريبات زادت من الخلافات البينية داخل الإطار التنسيقي الشيعي (الجزيرة)

مستقبل تشكيل الحكومة

وعلى مدى الأشهر التسعة الماضية، لم تفلح عشرات المبادرات السياسية في الوصول لاتفاق يفضي لتشكيل الحكومة العراقية القادمة، وبات من الصعوبة بمكان -بحسب التميمي- تشكيل الحكومة القادمة مع عودة الكتل السياسية لمحاولة إعادة العراق للمربع الأول، وهو ما يرفضه زعيم التيار الصدري جملة وتفصيلا.

ويعلل ذلك بأن الإطار التنسيقي، وبعد أكثر من شهر من استقالة نواب التيار الصدري، لم يصل لاتفاق على ترشيح شخصية معينة لرئاسة الحكومة، بما سيصب في مصلحة رئيس مجلس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي واستمراره في تسيير أعمال الحكومة الحالية.

ويذهب في هذا المنحى المحلل السياسي رعد هاشم الذي يضيف أن المتغيرات التي نتجت عن التسريبات زادت من صعوبة إيجاد حلول معقولة وتشكيل الحكومة القادمة، لافتا إلى أن هذه التسريبات قد تتسبب في إنهاء المالكي سياسيا مع تشظي أطراف العملية السياسية وعلى مختلف المستويات والتوجهات.

وفيما يتعلق باحتمالية اندلاع صراع مسلح، أوضح هاشم -في حديثه للجزيرة نت- أن التأزم الناتج عن التسريبات لا تحمد عقباه، خاصة مع امتلاك غالبية الأطراف للسلاح الذي قد يستخدم لمواجهة التحديات، وأن مزيدا من التسريبات بما قد تحتويه ستزيد من احتماليات الصراع.

ومن جانب آخر، يعتقد الباحث السياسي غانم العابد -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا توجد فرص كبيرة لتشكيل حكومة عراقية، وأن السيناريو الأقرب للوضع العراقي يتمثل في التوجه لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، ما لم يشهد العراق حدثا طارئا يقلب الوضع السياسي رأسا على عقب، بحسب تعبيره.

العابد: السيناريو الأقرب للوضع العراقي يتمثل بالتوجه لإجراء انتخابات تشريعية جديدة (الجزيرة)

مستقبل المالكي

ويتفق غالبية المتابعين للشأن السياسي العراقي على أن التسريبات سيكون لها انعكاسات كبيرة على المستقبل السياسي للمالكي، وهو ما يؤكده العابد الذي يرى ألا مستقبل سياسيا له، وأن دلالات التسريبات تشكل دليلا قاطعا على ما وصفه بـ"الميول الدكتاتورية" للمالكي التي تأتي في خضم سعيه للحصول على الولاية الثالثة في رئاسة الحكومة، موضحا أن ما تسرّب حتى اللحظة من تسجيلات كشف عن مخاطر أمنية بالغة الأهمية، وأنها قضت تماما على فرص حصول المالكي على منصب رئاسة الوزراء، بعد أن رأى أنه الأوفر حظا لتولي المنصب بعد استقالة نواب التيار الصدري مستعينا بعدد مقاعده الأكبر ضمن الإطار التنسيقي.

وبالعودة إلى مجاشع التميمي وملامح مستقبل المالكي السياسية بعد التسريبات بأجزائها الخمسة، أوضح أنها ستؤثر على المستقبل السياسي للمالكي، وهو ما قد يعني أنه لن يحظى بأي فرصة لتولي رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، لافتا إلى أن التسريب الأخير تسبب بمعضلة كبيرة لائتلاف دولة القانون، بما يجعله عائقا أمام أي محاولة لتشكيل الحكومة العراقية من قبل الإطار التنسيقي الذي بات الكتلة الكبرى برلمانيا بعد استقالة نواب التيار الصدري.

من جهته، يقول المحلل محمد زنكنة -المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني- إنه وبغض النظر عن مدى صحة التسريبات، فإنها ستضرّ بالمالكي كثيرا ولا سيما في هذا التوقيت.

على الجانب الآخر، ينفي وائل الركابي -المقرب من الإطار التنسيقي- أي تأثير للتسريبات على تشكيل الحكومة، ويرى أن المالكي لن يتأثر سياسيا بما تسرب من تسجيلات وصفها بـ"المفبركة"، وأن القضاء العراقي لم يقل كلمته بعد.

 

وكان المالكي نفى صدور الكلام الوارد في التسريبات عنه، وحذّر من عمليات "التزوير والتزييف واستخدام أجهزة التقنية الحديثة في نسب تصريحات لي ولغيري".

ويترقب العراقيون الوضع السياسي في بلادهم، بعد أن أضافت التسريبات الأخيرة مزيدا من التعقيد والغموض على مستقبل البلاد، وسط ترقب سياسي وشعبي لما ستفضي عنه التسريبات القادمة التي يبدو أنها لن تتوقف عند الأجزاء الخمسة التي نشرت حتى اللحظة.

المصدر : الجزيرة