سؤال وجواب حول تكتل "التيار الإسلامي العريض" في السودان

"التيار الإسلامي العريض" ضم كيانات إسلامية، من بينها سلفية، وحدد مجموعة أهداف قال إنه سيسعى لتحقيقها (الأناضول)

الخرطوم – في سابقة نادرة أعلنت 10 تنظيمات وتيارات إسلامية في السودان الاتحاد تحت مسمى "التيار الإسلامي العريض" ضم كيانات إسلامية، من ضمنها سلفية، وحددت مجموعة أهداف قالت إنها تسعى لتحقيقها، من بينها صيانة السيادة الوطنية وتنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة وإصلاح الشأن السياسي.

وتأتي هذه الخطوة في ظل انسداد سياسي واحتقان حاد يعم الساحة السودانية منذ قرارات اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحت لافتة الإصلاح وتوسيع قاعدة المشاركة قبل أن يقر في تصريحات له خلال أبريل/نيسان الجاري بالفشل في تحقيق أي اختراق مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتردي الأحوال الأمنية.

ويرى مراقبون أن وحدة التيارات الإسلامية التي أعلنت أول أمس الاثنين تفتح الباب واسعا أمام عودة الحركة الإسلامية السودانية للممارسة السياسية بعد إقصائها من الساحة في 11 أبريل/نيسان 2019 حين أطاح جنرالات في الجيش بحكومة الرئيس عمر البشير تحت ضغوط واحتجاجات شعبية متطاولة، كما عززت عمليات الإفراج عن قادة بارزين في النظام السابق من فرضية تماهي القيادة العسكرية مع الإسلاميين الذين كانوا على رأس الحكومة المعزولة خاصة أن قادة التغيير كانوا من كبار مسؤولي اللجنة الأمنية وثيقة الصلة بالبشير ورموز حكمه.

ما الكيانات والتيارات المؤسسة للتحالف الإسلامي العريض؟

وقع على ميثاق تأسيس التحالف الأحدث في الخارطة السياسية السودانية؛ "حركة الإصلاح الآن" التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، أحد أبرز مستشاري البشير السابقين قبل أن ينشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 مشكلا تنظيما منفصلا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها. ورفعت الحركة الوليدة حينها شعارات تدعو لبناء تيار شعبي جامع لأهل السودان.

كما ضم التيار الإسلامي العريض الحركة الإسلامية السودانية والتي مثلها القيادي المعروف في النظام السابق أمين حسن عمر الذي شغل عدة مناصب تنفيذية وقيادية في الحكومة المعزولة، حيث تعد الحركة الظهر الذي تأسست عليه حكومة البشير والتي حكمت السودان نحو 30 عاما تخللتها فترات شاركت خلالها الحكم أحزاب وتحالفات حركات مسلحة، لكن الحركة الإسلامية ظلت المسيطر على الساحة بواجهات عديدة.

ومن الموقعين كذلك منبر السلام العادل وهي جماعة أسسها الراحل الطيب مصطفى الذي عرف بتأييده لفصل جنوب السودان، كما تربطه صلة قرابة بالبشير ويعد من قادة التنظيم الإسلامي.

وضم التحالف الوليد أيضا حزب دولة القانون والتنمية وهو من التنظيمات الحديثة ويقوده رجل الدين محمد علي الجزولي الأقرب للتيار السلفي المتشدد لحد مجاهرته في وقت سابق بتأييد تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن الموقعين أيضا الإخوان المسلمون؛ التنظيم العالمي بقيادة عادل على الله، وجماعة الإخوان المسلمين السودانية بزعامة عوض الله حسن، وهما جماعتان لكل منهما قيادتها ورؤيتها المنفصلة، كما انضم لهذا التيار تحالف العدالة القومي برئاسة التجاني السيسي، بجانب تيار النهضة تحت قيادة محمد مجذوب ومبادرة وحدة الصف وهي تيار لإسلاميين اختاروا الوقوف على الحياد حين انقسمت الحركة الإسلامية في العام 1999.

ما دواعي توقيع ميثاق التحالف؟

يقول المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في السودان حسن عبد الحميد إن التكتل الإسلامي العريض كان لزاما في مواجهة التمزق الداخلي الذي يستدعي توحد كل الأحزاب المنقسمة بما فيها أحزاب الاتحادي والأمة وغيرها.

ولا يكترث عبد الحميد لوقع الخطوة علي المحيطين الدولي والإقليمي قائلا إن التيار الإسلامي من حقه التكتل والتجمع ومخاطبة قواعده، مؤكدا أن لديهم رؤية محددة للتعامل مع العالم الخارجي كما أن للتيار الوليد خططه للتعاطي مع الوضع الداخلي والأزمة الوطنية، مضيفا "لسنا ضد أحد ولن نقبل أن تفرض علينا أي جهة رأيها والمجتمع الدولي يتحتم عليه احترام خيارات السودانيين والإسلاميين على وجه التحديد".

وفي المقابل، يؤكد أمين حسن عمر أنهم يشاركون في التوقيع للتبرؤ من المسؤولية عن جريرة الانقسام الذي عصف بالحركة -في إشارة لمفاصلة 1999- بتلاحم جديد.

وأضاف "الهدف من الإعلان تنسيق المواقف بين التيارات الإسلامية نحو الهدف الأول، وهو نهضة البلد بالدين، والوقوف في وجه الحملة المنسقة ضد الحركة الإسلامية". وتابع "هدفنا وحدة التنظيم حيث يندرج الناس حتى يشكلوا حركة فعالة".

وانتقد الميثاق في ديباجته قوى الحرية والتغيير وقال إن أولوياتها خلال الثلاث سنوات الماضية انطلقت من مشروع ثقافي يصادم ثوابت الأمة وإنها عبثت بالقوانين ومناهج التعليم بنحو يهدد الأمن الاجتماعي، كما أشار إلى أن السودان لم يشهد تقسيما حادا للمجتمع وتعبيرا عن المواقف بأخذ اليد على نحو ما شهده في السنوات الثلاثة الأخيرة.

هل التيار الإسلامي غطاء للعسكريين وحليف خفي لتمرير أجندتهم؟

يرى القيادي في تحالف الحرية والتغيير نور الدين صلاح الدين إن تأسيس التيار الإسلامي العريض يمثل تطورا في مستوى العلاقة بين السلطة العسكرية والحركة الإسلامية من الغزل المتبادل إلى الارتباط الوثيق، وفي ظل الإخفاق في إدارة الدولة وفي تحقيق مزاعم ومبررات "الانقلاب" وعدم قدرته على إيجاد المشروعية القانونية والظهير السياسي والمقبولة الشعبية فإن السلطة الانقلابية كما يقول نور الدين لا تجد أمامها مناصا إلا العودة لحاضنتها، وهي الحركة الإسلامية التي باعدت الثورة بينهما.

ويشير القيادي للجزيرة نت إلى أنه في المقابل فإن الحركة الإسلامية تجد أمامها فرصة لا تعوض في سبيل عودتها إلى المشهد السياسي مجددا وبقوة دفع يوفرها الانقلاب بإعادة منسوبيها إلى أجهزة الدولة وفك الحظر عن مؤسساتها الاقتصادية.

ووفق ما يقول فإن هذا الحلف المتناقض ينضم لتحالف" الانقلابيين" وإن كان ثمة حسنة فهو جمعه للكل في سلة واحدة ليسهل التعامل في المعركة الدائرة بين من سماها صلاح الدين وقوى الظلام والشمولية والقوى المؤمنة والعاملة لأجل الدولة المدنية الديمقراطية.

في المقابل يقطع المتحدث باسم الإخوان المسلمين بأن التيار الإسلامي ليس لديه أي صلات بالعسكريين؛ لكنهم -كما يقول- يدعمون خيار الانتخابات الحرة وإقامة الدولة المدنية، كما يشدد على عدم إمكانية إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي، مثلما حاولت قوى الحرية والتغيير أن تفعل، مؤكدا عزمهم الإسهام في حل الأزمة السياسية باعتبارهم الأقدر على الوصول للمعالجات.

تحالف مرحلي أم اندماج؟

تأسيس التيار الإسلامي العريض يشير بوضوح إلى ملامح المرحلة القادمة بشأن مستقبل الإسلاميين السياسي في السودان خلال الفترة الانتقالية ومرحلة الانتخابات، حسبما يقول الصحفي والمحلل السياسي طلال إسماعيل للجزيرة نت، ويلفت إلى أن أكثر من نصف الفصائل المنضوية تحت لواء التيار الإسلامي العريض تمثل الحركة الإسلامية بقيادة زعيمها الراحل حسن الترابي، على الرغم من غياب المؤتمر الشعبي عن التوقيع، قبل أن يصيبها الانشقاق في الرابع من رمضان 1999، وهذا يوضح -كما يقول- الرؤية الخاصة بدمج هذه التنظيمات في هياكل موحدة خلال المرحلة المقبلة.

ويشير إسماعيل إلى أن وجود تيارات إسلامية أخرى في التنظيم مثل حزب دولة القانون والتنمية والعدالة القومي والإخوان المسلمين يوضح رؤية الانتقال إلى مرحلة التحالفات السياسية وبداية تشكلها، متوقعا التحاق أحزاب أو فصائل أخرى قبل موعد الانتخابات. ويضيف "من الواضح أن هنالك خطوات خلال هاتين المرحلتين، الأولى الاندماج التنظيمي والثانية بناء قاعدة التحالفات".

لكن المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين يشدد على أن الخطوة الحالية لا تتعدى التنسيق، خاصة أن كل هذه الكيانات لا تزال تحتفظ بأجهزتها وقيادتها لكنها ماضية في اتجاه الاندماج والكيان الواحد.

لماذا قاطع المؤتمر الشعبي التحالف الإسلامي العريض؟

تخلى المؤتمر الشعبي الموسوم بأنه أكبر القوى الإسلامية في السودان عن التيار العريض باعتباره ردة عن خط الحزب الذي يعمل الآن على جمع أهل السودان في مائدة مستديرة بحثا عن حل شامل للأزمة وصولا للانتخابات، وبالتالي لا يمكنه الانكفاء والانغلاق داخل تيار أيديولوجي محدد وفقا لمسؤول الإعلام في الحزب عوض فلسطيني الذي يؤكد أن حزبه لا يرتبط حاليا بأي تحالفات أو تكتلات ويعمل كحركة مجتمع متكامل ليسع الجميع ومن غير المنطقي أن يعود بعد 30 عاما من النشأة للانغلاق في تنظيم بعينه.

ما مدى تأثير التحالف الجديد على تطورات المشهد السياسي في السودان؟

تلقي وحدة التيارات الإسلامية بتأثيرات واضحة على المشهد السياسي بإعادة التوازن فيه، كما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد علي، وهو ما يحتم على القوى السياسية الأخرى أيضا الدخول في تحالفات وتقويتها ومراجعة التجربة.

لكن وحدة التيارات الإسلامية ليست كافية من وجهة نظره من دون مراجعة التجربة السابقة وتقويمها وترك فرصة أكبر للشباب والاستفادة من أخطاء الماضي واستصحاب المتغيرات بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول.

ويتابع أن "دلالات هذه الوحدة يمكن قراءتها في سياق الاستعداد للانتخابات وربما الدخول في العملية السياسية الانتقالية من خلال أي تسوية أو توافق قادم"، كما يستبعد محمد علي أن تكون الخطوة تمت بموجب صفقة مع المكون العسكري لكنها جاءت بسبب تغير المشهد وتفاقم صراعات القوى السياسية فيما بينها، متوقعا أن تشهد الفترة القادمة تنافسا سياسيا كبيرا بين التحالفات التي أصبحت تتشكل الآن.

ومن وجهة نظر الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية الهادي محمد الأمين ترتبط التحالفات والشراكات بين هذه الجماعات بعاملين الأول غريزي، فتتحد وتقوى تماسكها الداخلي لمواجهة التحديات الخارجية التي تستهدفها.

أما العامل فوثيق الصلة بالتطورات السياسية، حيث استفادت التيارات الإسلامية من هشاشة الوضع السياسي الذي أغراها بعد ترهل تحالف الحرية والتغيير فاستغلت الظروف الحالية للصعود والتمدد في المركز والولايات بكوادرها  النشطة وإمكاناتها المالية وقدراتها التنظيمية العالية فضلا عن احتفاظها بشبكة علاقات خارجية مقابل ضعف خصومها السياسيين وترددهم وهي عناصر كما يقول الأمين تساهم لحد كبير في تشكيل وبلورة الرأي العام الداخلي والخارجي.

 

المصدر : الجزيرة