بعد لقاء النقب.. هل ترفض مصر "الناتو" العربي الإسرائيلي؟

Bahrain's Foreign Minister Abdullatif bin Rashid al-Zayani, Egypt's Foreign Minister Sameh Shoukry, Israel's Foreign Minister Yair Lapid, U.S. Secretary of State Antony Blinken, Morocco's Foreign Minister Nasser Bourita and United Arab Emirates' Foreign Minister Sheikh Abdullah bin Zayed Al Nahyan pose for a photograph during the Negev Summit in Sde Boker, Israel March 28, 2022. Jacquelyn Martin/Pool via REUTERS
لقاء النقيب (من اليمين) وزراء خارجية الإمارات والمغرب وأميركا وإسرائيل ومصر والبحرين (رويترز)

القاهرة – بعد قمة وزارية احتضنتها إسرائيل في صحراء النقب الاثنين الماضي، ذكرت تقارير إعلامية أن وزراء خارجية أميركا ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات والبحرين اتفقوا على تشكيل "تحالف مشترك لمواجهة التحديات في المنطقة"، في إشارة إلى إيران.

غير أن القاهرة أكدت أن مشاركتها في الاجتماع لم تكن لإنشاء أي تحالف، أو أن تكون القمة موجهة لأي طرف، فما الأسباب التي دفعت القاهرة لحضور هذا الاجتماع التاريخي غير المسبوق؟

رغم التركيز الأميركي الإسرائيلي على إيران فيما يخص مخرجات قمة النقب، فإن ثمة تحديات ومصالح متناقضة بين السداسي المشارك، إذ تختلف المخاوف من نشاط طهران في المنطقة من بلد إلى آخر، وإن كانت أقلها تخوفا هي القاهرة.

وخلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت مساعِ أميركية وإسرائيلية قابلها فتور عربي بتشكيل تحالف على غرار الناتو الأوروبي، لكن مع زيادة وتيرة التطبيع العربي الإسرائيلي وما أثير لاحقًا عن صفقة القرن، عاد الحديث مجددا عن تشكيل التحالف العربي الإسرائيلي مدعوما بالأزمات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية في أوكرانيا والرغبة الأميركية في تحييد إيران لمواجهة روسيا والصين.

واتفق خبيران مصريان في العلاقات الدولية، أحدهما متخصص في الأمن القومي، على أن مصر لن تتورط في تحالف ضد إيران أو غيرها، وأشارا في هذا الصدد إلى عدة أسباب دفعت القاهرة إلى الذهاب إلى النقب.

أبرز هذه الأسباب -حسب تصريحات الخبيرين للجزيرة نت- تتمثل في التأكيد على حضور القضية الفلسطينية، واعتبار مصر العامل الأساسي المشترك في كل لقاءات العرب وإسرائيل، إضافة إلى التأكيد على أن أمن الخليج مرتبط بمنظومة الأمن القومي المصري، وكذلك متطلبات تأمين البحر الأحمر بما يقتضي التحالف مع كافة الدول المشاطئة له بما في ذلك إسرائيل.

لا تحالف ضد أحد

ردا على سؤال بشأن طبيعة ما أثير عن تشكيل تحالف ضد إيران، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن لقاء النقب كان الأساس الذي انعقد من أجله هو استئناف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وتأكيد حل الدولتين، إضافة إلى التحديات المرتبطة بقضايا الإرهاب والتطرف وتحقيق استقرار المنطقة بعيدا عن التدخلات من خارج محيطها الإقليمي المؤثر على الأمن القومي لدول المنطقة.

وشدد شكري في مؤتمر صحفي عقده مساء الاثنين الماضي مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، على أن مصر لم تكن مشاركتها في اجتماع النقب بهدف إنشاء أي تحالف أو أن تكون موجهة ضد أي طرف، مشيرا إلى أن بلاده تسعى لعلاقات تعاون وتفاهم مبنية على أسس أممية وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية، لكنها ترصد في الوقت نفسه من يلتزم بهذه المبادئ، إلى جانب التنسيق مع الدول العربية ومن ضمنها التي حضرت لقاء النقب.

ومن الزاوية المصرية، جاء لقاء النقب بعد نشاط سياسي ودبلوماسي مكثف خلال الأيام الماضية، إذ استضافت المملكة الأردنية الجمعة الماضية قمة رباعية جمعت قادة مصر والأردن والعراق والإمارات.

كما جاءت قمة العقبة بدورها بعد أيام قليلة على لقاء ثلاثي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ.

دلالات رمزية

منطلقًا من حديث شكري عن أن قمة النقب لم يكن الغرض منها تشكيل تحالفات، قال الخبير في الأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد إن القمة في حد ذاتها كان لها دلالة رمزية أكثر من مجرد مخرجات صدرت عنها، خاصة وأن معظم تفاصيلها جرى في الغرف المغلقة ولم يظهر عنها نتائج واضحة.

وأوضح عبد الواحد أن الدلالات الرمزية التي حملتها القمة تتمثل في أمور عدة، أولها نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية لأول مرة في التاريخ في استضافة قمة على مستوى وزاري يشارك فيها 4 وزراء خارجية عرب على أراضيها.

وثاني هذه الدلالات يتمثل في كون قمة النقب إشارة من الولايات المتحدة إلى روسيا وإيران والصين بأنها قادرة على جمع حلفائها في الشرق الأوسط سواء العرب أو إسرائيل على قلب رجل واحد، وثالثا ما تمثله من رسائل إسرائيلية بأن هناك تغيرات في المنطقة، سيكون لتل أبيب دور كبير، إقليميا ودوليا، بدعم أميركي، وفق عبد الواحد.

تحديات ومصالح

وفيما يتعلق بالمصالح والتحديات المصرية التي دفعتها للذهاب إلى النقب، أوضح الخبير الأمني أن بلاده رفضت التحالف، فهي ليست في عداء مع أحد، بل تعمل وفقًا لمصالحها والتهديدات الأمنية التي تواجهها ومن الممكن أن تتعرض لها، على حد قوله.

وأضاف أن مصر ليس لديها مشاكل أو أزمات مع أية دولة في المنطقة، أو صراعات على حدود، أو خلافات على نفوذ جيوإستراتيجي في المنطقة، وسياستها الخارجية واضحة بألا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي مشاركتها في النقب كان لحماية مصالحها فقط وليس مصالح الآخرين.

وعن طبيعة المصالح المصرية، أوضح أن المشاركة المصرية تعطي قوة للموقف المصري في مراحل لاحقة، بداية من أمن البحر الأحمر والقدرة على تأمينه بما يتطلب التحالف مع كافة الدول المشاطئة ولن يتوقف عند الدول العربية فحسب، بل سيشمل إسرائيل ودول الساحل الأفريقي الشرقي.

وأشار في هذا الصدد إلى ما يشكله الحوثيون في اليمن من تهديدات على الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومنه إلى قناة السويس، وبالتالي تلتقي هنا المصالح المصرية مع مصالح الآخرين، مشددًا على أنه عندما تتعارض مصالح مصر مع مصالح المنطقة تتدخل القاهرة لحماية هذه المصالح.

كذلك، من التحديات التي تتطلب الانضمام لتحالفات وتنسيقات بما في ذلك مجموعة قمة النقب -وفق عبد الواحد- مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، سواء من خلال استضافة مراكز مكافحته أو تدريب آخرين وتبادل المعلومات مع أجهزة المخابرات الأجنبية.

لكنه استبعد في الوقت نفسه تورط بلاده في نزاعات لا تمسها بما في ذلك مواجهة إيران، باعتبار نظرة القاهرة لنشاط طهران لا تحمل المخاوف ذاتها الموجودة لدى إسرائيل أو بعض دول الخليج، شريطة ألا يتعارض ذلك مع الأمن القومي المصري.

لا تحالف.. لا ناتو

وعلى مقربة من الرأي السابق، رأى المحلل السياسي مختار غباشي، نائب رئيس مركز الفارابي للدراسات (مصري/خاص)، أنه من المستبعد تماما تشكيل تحالف ناتو عربي إسرائيلي، مشددا على أن الأمر صعب على مصر تحديدا، خاصة وأن السلطة المصرية تدرك تماما الرفض الشعبي لمثل هذه التحالفات، على حد قوله.

وأوضح غباشي أن الهدف المصري من المشاركة في قمة النقب كان لقراءة ما يدور في اللقاء على خلاف هرولة الإمارات والبحرين وما سبقها من تطبيع العلاقات، إذ إن مشاركة البلدين كانت لمنح الحماية والأمان في ظل افتقار المنظومة العربية للهوية وارتباطها بقوى إقليمية التي لها تأثيراتها السلبية على مصر أيضا.

وشدد على أن مصر لن تنضم لأي تحالف، وإنما فقط هي لديها مصالح مع الأطراف المشاركة، متمثلة في التغلغل الإيراني بالمنطقة، والحديث عن تنازلات أميركية غربية لصالح إيران في مفاوضات الملف النووي لتحييدها كي يتم الاهتمام بالمخاطر الروسية والصينية.

كما أن مصر -وفق غباشي- دُعيت للمشاركة لأهداف أخرى، تتمثل في علاقتها بمجلس التعاون الخليجي وتداعيات الحرب الأوكرانية خاصة فيما يرتبط بأزمة القمح، كما أنها حضرت باعتبارها العامل الأساسي المشترك في كل اللقاءات بين العالم العربي وإسرائيل، لاعتبارات اتفاقية السلام التي أصبحت اتفاقية مؤسسية وضعت مصر كحديث أولى مرتبط باستقرار المنطقة.

وأشار غباشي إلى أن مسألة تأمين أمن البحر الأحمر كانت من أهداف المشاركة المصرية، إذ إن تقارير عبرية ذكرت أن القمة ناقشت تشكيل آلية تعاون أمنية إقليمية لمواجهة التهديدات الجوية والبحرية والقرصنة في البحر الأحمر.

أما ما يتعلق بالموقف المصري من النشاط الإيراني، فيرى المحلل السياسي المصري أن القاهرة تتفق مع مخاوف تل أبيب وبعض الدول الخليجية منه لاعتبارات ارتباط الأمن القومي الخليجي بمنظومة الأمن القومي المصري، لكنه أوضح أن الأهم من كل هذه الاعتبارات هو كيفية الاستفادة من النشوة الإسرائيلية باللقاء واعتباره حلمًا لصالح مسار القضية الفلسطينية ودعمها.

المصدر : الجزيرة