وسائل عدة وتساؤلات عن المصير.. إعلانات تبرعات رمضان جدل سنوي بمصر

التبرعات أثارت في شهر رمضان الماضي سؤالا متكررا، وهو أين تذهب وما وجهتها النهائية، ووصل الأمر إلى البرلمان، مما يخيم بظلاله على مشهد هذا العام، كما يقول مراقبون

جمعية مصطفي محمود في احد مراحل تجهيز التبرعات مواقع تواصل
إحدى الجمعيات الخيرية في أثناء تجهيز التبرعات (مواقع التواصل)

القاهرة- تعددت الوسائل لجمع التبرعات بمناسبة شهر رمضان المعظم في مصر، وتباينت الأفكار والحملات لجلب تلك التبرعات وتحصيلها، وسط تساؤلات سنوية عن حجم الإنفاق الإعلاني ومصير تلك التبرعات.

ويرى مختصون تحدثوا للجزيرة نت أن تنوع حملات التبرعات في رمضان وكثافتها تكشف عن الواقع المصري الذي يلاحقه نسب فقر تصل إلى ربع السكان، فضلا عن أزمات الغلاء والتضخم، مما يتطلب توفير شبكة أمان اقتصادي وتكافل اجتماعي، ترى مؤسسات الدولة ضرورة حمايتها كونها رافدا مهما للأمن الاقتصادي للبلاد يجب ضبط مساره.

لكن كثافة الإعلانات تدفع رواد مواقع التواصل الاجتماعي للتساؤل كل عام عن أسباب التكلفة الكبيرة لإعلانات الجمعيات الخيرية، ومصير تلك التبرعات.

ترابط وتلاحم

في هذا السياق، تؤكد المستشارة الاجتماعية والأسرية منال خضر أن شهر رمضان هو عنوان تلاحم وتعاضد الشعب المصري، لذلك تجد فيه استعدادا غير مسبوق لدعم المحتاجين والفقراء، وأن يدخل هذا الشهر الكريم على كل فئات الشعب، وهم في فرحة وسعادة وتلاحم وترابط حتى المسيحيين منهم.

وفي حديثها للجزيرة نت، توضح خضر أن الأمر تخطى الجمعيات إلى حرص قطاع من فئات الشعب الفقيرة والكادحة على دعم فئات أكثر احتياجا منهم، وذلك قبل شهر رمضان، مثل سيدة مسنة تحرص طوال العام على تخزين مواد غذائية من قوت بيتها لتوزيعها على الأشد فقرا في رمضان، وأخرى تقوم بتجهيز ما يقرب من 300 شنطة كل عام في رمضان للفقراء والمحتاجين عن طريق الاشتراك مع أصدقائها وجيرانها في "جمعية مالية".

وتشير إلى العديد من ميسوري الحال الذين يحددون مواعيد زكواتهم السنوية قبل شهر رمضان لإدخال الفرح والسرور على قلوب أفراد الشعب كله، وهو ما يتعاظم في ظل الغلاء الحالي وزيادة طبقات الفقراء احتياجا، ويعدّ بابا من أبواب تحفيز الجمعيات على العمل بكثافة في الشهر الفضيل.

احتياج وأمن اقتصادي

من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي والكاتب الصحفي إبراهيم الطاهر إن تنوع حملات التبرعات في رمضان وكثافتها، تكشف عن حاجة الجمعيات إلى روافد مالية كبيرة تغطي واقع تتحدث أرقامه عن وجود نحو ربع السكان في مصر تحت خط الفقر.

وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت الطاهر الانتباه إلى أن العمل الخيري والتكافل الاجتماعي يمثلان شبكة حماية اجتماعية ملحة للفقراء ومحدودي الدخل، تستوجب ما يتم رصده من تنوع الوسائل وتكثيف الجهود، خاصة في موسم كريم مثل شهر رمضان المعظم.

ويشير الباحث الاقتصادي إلى أن الضغوط الاقتصادية والمعيشية على المصريين قد تؤدي إلى تغيير واضح وملموس في الإحصائيات المتعلقة بالتبرعات السنوية، سواء على مستوى حجم قاعدة المتبرعين أو على مستوى إجمالي قيمة التبرعات.

ويتوقع الطاهر أن يكون فرس الرهان في دعم هذا الرافد المالي للفقراء هو تحويلات ملايين المصريين العاملين في الخارج، والتي شهدت ارتفاعا خلال الأشهر القليلة الماضية، بالإضافة إلى رجال الأعمال الذين لم تتضرر مشاريعهم واستثماراتهم كثيرا.

ويؤكد الطاهر أن هناك حرصا لافتا من مؤسسات الدولة المعنية على ضمان استمرار هذا الرافد الاقتصادي، وحمايته من أي شيء بما يصب في مصلحة الأمن الاقتصادي للبلاد، ولكن هذا لا يمنع من إعلان الجمعيات كشف حساب بمصير التبرعات التي حصلت عليها، بجانب تقديمه للجهات الرقابية.

ويوضح الطاهر أن التمويل الخيري، سواء في صورة النقد المباشر أو دعم الجمعيات الخيرية لمشاريع صغيرة، بات أحد أبرز مصادر الدخل الرئيسية لملايين من الفقراء ومحدودي الدخل في مصر، خاصة في ظل موجات الغلاء المتتالية والضغوط الاقتصادية والمعيشية المستمرة.

وسائل متنوعة

المؤسسات الخيرية من جانبها دخلت سباق جمع التبرعات بوسائل متنوعة، خاصة استثمار المشاهير، مثل الممثل الكوميدي الشهير محمد هنيدي، الذي كان من أدوات مؤسسة "مصر الخير"، واحدة من أبرز مؤسسات العمل الخيري بالبلاد، للدعاية لمشروعاتها الخيرية في شهر رمضان، وحث المصريين على التبرع عبر إعلان تلفزيوني رائج.

وأشارت المؤسسة في إعلانها إلى عدد من الطرق للتبرع منها الحساب البنكي أو عبر الموقع الإلكتروني الرسمي، واستخدمت المؤسسة البعد الديني، لجلب التبرعات، عبر كلمة لرئيس مجلس إدارتها مفتى الديار المصرية الأسبق علي جمعة.

المصريون بالخارج كانوا أحد أهم المستهدفين من قبل المؤسسة الخيرية، التي لجأت كذلك إلى توقيع بروتوكول تعاون مع شركة مصر للطيران، يتضمن فتح حساب للتبرع بالأميال لصالح المؤسسة عبر أحد برامج الشركة. 

وفي سياق متصل، لجأت جمعية "بداية" ومؤسسة "عمار الأرض" إلى الداعية المصري الشهير مصطفى حسنى لاستخدام منصاته المليونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لدعوة المصريين إلى التبرع لأنشطتهما.

"شنط رمضان"

وتصدرت حقائب المواد الغذائية "شنط رمضان" دعايات العديد من الجمعيات وتحركات الأفراد، وهي عبارة عن حقائب بلاستيكية أو كراتين تحتوي على مواد غذائية متفاوتة القيمة والكمية.

وطرحت جمعية "الأورمان" البارزة في العمل الخيري -في بيان رسمي هذا العام- حملة "بكرتونة رمضان بيتهم عمران".

وفي المضمار نفسه، أعلنت جمعية رسالة للأعمال الخيرية عن حملتها لهذا العام عبر جلب تبرعات لشنط رمضان ووجبات إفطار صائم.

وعبر التبرع الإلكتروني وحساب بنكي دعت المصريين لمشاركتها ثواب إفطار صائم بتكلفة 180 جنيها للشنطة التي تضم العديد من المواد الغذائية، و45 جنيها ثمنا لوجبة الإفطار.

أما بنك الطعام المصري الشهير في مجال الإطعام الخيري، فقد دخل موسم البحث عن تبرعات المصريين في شهر رمضان بحملة "10 مليون وجبة إفطار وسحور".

مصير التبرعات

لكن هذه التبرعات أثارت في شهر رمضان الماضي سؤالا متكررا، وهو أين تذهب وما وجهتها النهائية، ووصل الأمر إلى البرلمان، مما يخيم بظلاله على مشهد هذا العام، كما يقول مراقبون.

وعبّر رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم من التكلفة الكبيرة لإعلانات الجمعيات الخيرية، وطالب بعضهم بضرورة الكشف عن مصير تلك التبرعات، والنسبة التي تحصل عليها الإدارات.

ويوجد بمصر نحو 52 ألف جمعية ومؤسسة اجتماعية، وفق تصريحات صحفية لأيمن عبد الموجود، مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي لشؤون العمل الأهلي. ويؤكد مدراء الجمعيات الخيرية عادة خضوعهم لمراقبة الأجهزة الرقابية، وأن الإعلانات تحقق عوائد كبيرة لا يمكن تحقيقها من دونها.

وتقدم عضو مجلس النواب المصري أحمد إدريس -خلال شهر رمضان العام الماضي- بسؤال برلماني إلى وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، حول مصير تبرعات المواطنين، وأوجه مراقبة القائمين على الجمعيات ومجالات صرفها ومصيرها.

وفي تصريحات صحفية، انتقد المحامي والخبير الحقوقي محمود البدوي ما وصفه بمواسم استجداء العطف والمتاجرة بآلام بعض المحتاجين من جانب بعض الكيانات التي تجيد العزف على وتر حب الإنفاق والصدقات ومواسم الزكاة وفي مقدمتها شهر رمضان المبارك، وهو ما يتم ترجمته في صورة حملات إعلانية ضخمة تتكلف ملايين الجنيهات.

ودعا البدوي إلى استخدام ما وصفها بالأموال الطائلة الخاصة بالحملات الإعلانية للمؤسسات الخيرية في دعم المرضي والمحتاجين، مشيرا إلى تجاوز تلك الإعلانات حد المسائلة القانونية بسبب استغلال أطفال مرضي أو أيتام في الظهور بتلك الإعلانات، وهو الأمر المؤثم بمقتضي نصوص قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010.

وكان المستشار القانوني لوزارة التضامن الاجتماعي محمد القمّاري أكد نهاية العام الماضي أن الوزارة قررت حظر استغلال الجمعيات الخيرية للأطفال في الإعلانات، عبر وسائل الإعلام، لجمع التبرعات، من خلال إثارة الشفقة لدى المشاهدين وما إلى ذلك، مشيرا إلى أن أي جمعية تقوم بذلك فهي مهددة بعقوبات تصل للغلق.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي