بدء تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية لمسار دارفور.. هل يوقف نزيف الحرب في السودان؟

الحكومة السودانية توقع مع المعارضة اتفاق سلام بجوبا
الحكومة السودانية وقّعت مع المعارضة المسلحة اتفاق سلام بجوبا في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020 (الجزيرة)

بعد يوم من إعلان رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، البداية الفعلية للترتيبات الأمنية المدرجة ضمن اتفاقية سلام السودان، اتهمت الجبهة الثالثة "تمازج" الموقعة ضمن الأطراف الأخرى إلى جانب الحركات المسلحة الرئيسية على الاتفاق، اجتماع المجلس الأعلى المشترك للترتيبات الأمنية بإقصائها.

الحركة حذرت من "مغبة تجاوزها"، وقالت إن ذلك "سيدخل إقليم دارفور مرة أخرى في انقسامات لن تتيح الفرصة للوحدة والتنمية المستدامة".

وتشير هذه اللهجة إلى احتمالات استمرار تفجر الأوضاع في الإقليم، الذي لم يهدأ حتى بعد توقيع الحركات المسلحة على اتفاقية السلام مع الحكومة المركزية في عاصمة دولة جنوب السودان، جوبا في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وكان المجلس الأعلى للدفاع المشترك لمراقبة اتفاقية سلام جوبا، عقد اجتماعا، الأربعاء، في عاصمة شمال دارفور الفاشر بحضور البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" وقيادات الحركات المسلحة الرئيسية في مسار دارفور لمناقشة التطورات في الإقليم وبدء عملية الترتيبات الأمنية التي تأخرت كثيرا باعتراف البرهان.

ما اتفاقية سلام جوبا؟

بعد سقوط نظام "الإنقاذ" الذي ترأسه عمر البشير في 11 أبريل/نيسان 2019، رفضت الجبهة الثورية، أحد أطراف قوى نداء السودان الموقعة على إعلان قوى الحرية والتغيير، التوقيع على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية مع المكون العسكري الذي استلم السلطة عقب سقوط البشير.

وفضلت الجبهة الثورية اتخاذ مسار آخر، باعتبارها قوة مسلحة لها مطالب إضافية، بعضها يتعلق بضمان ترتيبات أوضاع قواتها وأخرى تتعلق بمناطقها، وأفضى ذلك، عقب تشكيل حكومة الفترة الانتقالية الأولى، إلى مفاوضات جرت في جوبا وبرعاية من حكومتها ومشاركة أطراف إقليمية ودولية.

المفاوضات اتخذت منهج المسارات الإقليمية، وشاركت فيها حركة "جيش تحرير السودان/مني أركو مناوي" و"حركة العدل والمساواة السودانية" التي يرأسها جبريل إبراهيم، و"تجمع قوى تحرير السودان"، إلى جانب حركة "جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي"، بزعامة الهادي إدريس، و"التحالف السوداني".

ومثلت "الحركة الشعبية – الجبهة الثورية" برئاسة مالك عقار منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى مسار شرق السودان ووسط السودان وشمال السودان. والتحقت بالاتفاق بعض الحركات الأخرى من دارفور.

لماذا الترتيبات الأمنية في مساري دارفور والمنطقتين؟

تمثل حركات الكفاح المسلح في دارفور والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عقار، القوى التي تحمل السلاح فعليا، وهي المستهدفة في اتفاقية سلام جوبا ببند الترتيبات الأمنية دون المسارات الأخرى. ودشنت حركة عقار بداية الترتيبات الأمنية للجيش الشعبي لتحرير السودان بالنيل الأزرق في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وبمعسكر الرويكيبة في جنوب كردفان، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بحضور وزير الدفاع السوداني، حينها، ياسين إبراهيم.

واشتملت الترتيبات الأمنية المتعلقة بالمنطقتين على 60 بندا، وتهدف إلى بناء جيش سوداني موحد بحسب نصوص الاتفاق.

مسار دارفور هو الأكثر تعقيدا في تنفيذ الترتيبات الأمنية لتعدد الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق.

وتتكون بنود الترتيبات الأمنية في هذا المسار من 36 بندا، وشملت تكوين لجنة عسكرية عليا مشتركة، تضم إلى جانب ممثلي الأطراف السودانية ممثلين لدول الوساطة ودولة تشاد والاتحاد الأفريقي وممثلا أمميا. وتهدف أيضا إلى بناء جيش وطني مهني واحد بعقيدة عسكرية جديدة موحدة.

ما مراحل تنفيذ الترتيبات الأمنية؟

بحسب اتفاقية سلام جوبا، تمر الاتفاقية خلال جداول تنفيذها الزمنية المعلنة بـ4 مراحل:

  •  استمرار وقف الأعمال العدائية للأغراض الإنسانية مما يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
  • تنفيذ وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية الشاملة وتنفيذ برنامج الدمج في المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية.
  • تنفيذ برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.
  • تنفيذ خطة الإصلاح والتطوير والتحديث للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.
  • وتنص على أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ خلال 72 ساعة بعد توقيع الاتفاق.

لماذا دخلت قوات الحركات المسلحة المدن؟

اتفقت الأطراف في مسار دارفور على تحديد مناطق التجميع للقوات على أن تكون خارج المناطق السكنية بمسافات مناسبة وأن تبعد عن الحدود الدولية مسافة 50 كيلومترا، وأن يتم تدريب القوات ودمجها خلال 15 شهرا من توقيع الاتفاقية. ولكن دخلت أعداد كبيرة من قوات حركات الكفاح المسلح في المدن وفي العاصمة الخرطوم.

وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الخبير الإستراتيجي والأمني اللواء أمين إسماعيل إن طلب خروج قوات الحركات المسلحة من الخرطوم والمدن الرئيسية هو معالجة لأخطاء جوهرية وقعت فيها مفاوضات جوبا للسلام، تمثلت في عدم تحديد عتاد الحركات وأعداد القوات، والتي طلب منها رفع كشوفات بذلك في مناطق التجميع التي لم تحدد هي أيضا.

وأشار إلى أنه أخيرا تم تحديد مواقع لها في الخرطوم بحري وشرق النيل وأماكن أخرى.

هل هناك أسباب لتأخر تنفيذ الترتيبات الأمنية؟

أول التحديات التي واجهت تنفيذ اتفاق سلام جوبا، ومن ضمنه اتفاق الترتيبات الأمنية، هو التمويل الذي يقارب 1.3 مليار دولار، وكان مطلوبا من الحكومة السودانية توفير 750 مليون دولار منه.

ويقول مراقبون إن كلفة عمليات الدمج والتسريح عالية جدا مما سيشكل ضغطا عاليا على خزانة الدولة، خاصة أن الحركات المسلحة تحاول تضخيم أعداد قواتها للحصول على أكبر تعويضات ممكنة.

وكان رئيس البعثة الأممية بالسودان، فولكر بيرتس، أبلغ في وقت سابق، قبل الإطاحة بحكومة حمدوك، مجلس الأمن والمجتمع الدولي بأهمية توفير الدعم المالي واللوجستي لتنفيذ الترتيبات الأمنية لسلام جوبا.

وأشار مصدر للجزيرة نت، إلى أن واحدة من المشكلات التي تواجه تنفيذ الترتيبات الأمنية هي عدد الضباط والرتب العليا في الحركات المسلحة مقارنة بعدد الأفراد، مما يخالف تنظيم الجيوش المتعارف عليه، إضافة إلى العتاد العسكري.

أين قوات الدعم السريع من هذا المشهد؟

رغم الاختلاف الكبير في وجهات النظر حول طبيعة قوات الدعم السريع، والمطالب بدمجها في الجيش القومي فإن اتفاق سلام جوبا يعتبرها ضمن منظومة المؤسسة العسكرية الرسمية، إلى جانب القوات المسلحة السودانية وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة.

ويؤكد البرهان في أحاديثه أن قوات الدعم السريع جزء من القوات المسلحة وخاضعة لقيادتها.

وشكّل البرهان مؤخرا المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يضم قائد قوات الدعم السريع ونائبه.

المصدر : الجزيرة