العراق يشهد أكبر سرقة في التاريخ بـ2.5 مليار دولار.. فكيف تمت السرقة؟ وهل يمكن استعادة الأموال؟

مقر وزارة المالية العراقية (الجزيرة)

بغداد ـ اتهمت هيئة الضرائب العراقية 5 شركات خاصة بسرقة أكثر من 2.5 مليار دولار، من أموال الهيئة، بالتنسيق مع عدد من الموظفين في وزارة المالية، مما يجعلها تصنف أكبر سرقة في تاريخ العالم، عبر سحب أموال بشكل مباشر، وليس عبر عقود لتنفيذ مشاريع داخل البلاد، فكيف تمت تلك السرقة؟ وهل يمكن استعادة الأموال المنهوبة؟

وكان الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، أعلن سرقة أكثر من 150 مليار دولار من العراق، رغم بلوغ إيرادات العراق أكثر من تريليون دينار، ويحتل العراق المرتبة 157 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد لعام 2021 التي تصدره مؤسسة الشفافية الدولية.

ووفقا للهيئة، فإن بإمكان 2.5 مليار دولار دفع رواتب لأكثر من 500 ألف موظف لمدة عام، أو بناء ألفي مدرسة وإنهاء أزمة الدوام الثلاثي في المدارس، أو شراء أكثر من مليون جرعة كيميائية لعلاج مرضى السرطان الذين يعانون اليوم من غياب العلاج وفقدان حياتهم بالمستشفيات.

وحسب إيضاح هيئة الضرائب، فإن الأموال المسروقة استقطعت من قبل الشركات والأفراد الذين لديهم مشاريع مع الحكومة، أو من خلال استيراد البضائع، عبر دفعهم 10% من إجمالي المبلغ، الذي يسترد بعد الانتهاء من المشروع.

وقالت الهيئة، إن "أموال الهيئة البالغة 3.7 تريليون دينار في حسابها بمصرف الرافدين، سرقت عبر تحرير 247 صكا، من التاسع من سبتمبر/أيلول 2021 وحتى 11 أغسطس/آب 2022، وجرى إيداعها في حسابات شركات القانت للمقاولات العامة (677.2 مليون دولار) والحوت الأحدب (329 مليون دولار) ورياح بغداد (817 مليون دولار) والمبدعون للخدمات النفطية (299 مليون دولار) وبادية المساء (437 مليون دولار)".

وأضافت الهيئة أن "الأموال سحبت نقدا بعد إيداعها بحسابات الشركات، ولم تذهب إلى أصحاب حق استرداد الأمانات الضريبية الحقيقيين أو تذهب كإيراد للخزينة العامة".

وسُحب المبلغ المسروق خلال فترة وزير المالية الأسبق علي علاوي، الذي قال إن "الحكومة الحالية، لم تنجح في ضبط الفساد والحد منه، وكل دعوات الإصلاح جرى إعاقتها بسبب النظام البرلماني الذي يخدم مجموعات المصالح الخاصة ويقوض الدولة ومؤسسات وسمح بالاستيلاء على الدولة من قبلهم".

أغرب سرقة في التاريخ

واستقال وزير المالية بالوكالة، إحسان عبد الجبار، على خلفية قرار البرلمان بإنهاء وجوده بوزارة المالية بعد رفضه الاستجابة لدعوات الاجتماع مع اللجنة المالية النيابية، داخل البرلمان.

وقال عبد الجبار، في وثيقة أرسلها للكاظمي، واطلعت عليها "الجزيرة نت"، إن "الأموال حولت من حساب هيئة الضرائب إلى شركات مؤسسة حديثا ليس لها علاقة أو حق أو استحقاق في هذه الأموال التي تتجاوز الـ 2.5 مليار دولار".

وأكد أن "هذه الجريمة امتداد لمخالفات أصغر حجما ولكنها أكثر عددا منتشرة في عدد من دوائر وزارة المالية ومستمرة منذ سنوات، وهي أحد أسباب انهيار النظام الاقتصادي العراقي وضياع إيرادات الدولة".

وبين أن "هذه السرقة هي الأغرب من نوعها في تاريخ العراق والعالم، خصوصا أن عدد من كبار قادة البلد قدموا النصيحة لي بترك العمل في الوزارة لما وجوده من مخصصات وجهود التقت مصلحتها على إيقاف إجراءاتي بالتحقيق في هذه السرقة".

وتمتلك الأحزاب السياسية هيئات اقتصادية تقوم بالسيطرة على المشاريع في الوزارات التابعة لها وإحالتها لرجال أعمال تابعين لهم، مما أضاع على العراق أكثر من 190 مليار دولار منذ العام 2003 وحتى الآن، عبر المشاريع التي لم تنجز بلغت 7055 مشروعا.

2- هادي السلامي: الأحزاب الحاكمة سرقت الأموال عبر تأسيس شركات وهمية "الصورة الجزيرة نت"
هادي السلامي: "الأموال المسروقة من هيئة الضرائب قامت بها الأحزاب الحاكمة عبر تأسيس شركات وهمية" (الجزيرة)

الأحزاب الحاكمة

من جهة أخرى، قال عضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، للجزيرة نت، إن "وزارة المالية تعتبر أكثر الوزارات فسادا، والفساد مستشر في جميع مفاصلها وليس في هيئة الضرائب، أو الجمارك"، مضيفا أن "الأموال المسروقة من هيئة الضرائب قامت بها الأحزاب الحاكمة عبر تأسيس شركات وهمية".

وأكد أن وزير المالية الأسبق علي علاوي يتحمل جزءا من المسؤولية، لأنه قام بصرف الأموال دون الاستجابة لقرار ديوان الرقابة المالية بتدقيق هذه الشركات، مشيرا إلى أن الأحزاب الحاكمة استولت على مليارات الدولارات من خلال دائرة عقارات الدولة التي باعت أراضي لهم بأسعار زهيدة جدا، والاستيلاء على مطار النجف ومساحات كبيرة من الأراضي المهمة.

وشكل العراق فريقا لاسترداد الأموال المسروقة بالتعاون مع الأمم المتحدة وعدة دول، إذ طلب من الإنتربول تعقب الأشخاص المتهمين بالفساد والهاربين وإرجاعهم للعراق من أجل المحاكمة، وكذلك مطالبة الدول بحجز الأموال.

3- محمد رحيم: الأموال المنهوبة ساهم برفع أسعار العقارات "الجزيرة نت"
محمد رحيم: الأموال المنهوبة دخلت السوق العراقية من خلال شراء العقارات مما ساهم برفع أسعارها (الجزيرة)

إعادة الأموال

وقال رئيس مؤسسة النهرين لدعم الشفافية، محمد رحيم، وهي مؤسسة عضو في التحالف الدولي لمكافحة الفساد داخل العراق، للجزيرة نت، إن هذه الأموال متراكمة في حساب هيئة الضرائب، بعد استقطاع نسب كأمانات ضريبية من الشركات التي تستورد البضائع، مضيفا أن هذه الأموال المسروقة دخلت السوق العراقية من خلال شراء العقارات في الأحياء السكنية والمجمعات الاستثمارية، مما ساهم بارتفاع العقار بأكثر من 200% منذ العام 2021 وحتى الآن.

وأوضح أن التحقيق متواصل بعملية تحديد الجهات المتورطة، بسحب الأموال، وأن القضاء بدأ إجراءاته بالحجز على الأموال وتجميدها.

وأكد أن الأموال يمكن أن تعاد إلى خزينة الدولة، بعد مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة للأشخاص المتهمين، والتعاون مع الدول لاستردادها إذا كانت خارج العراق، مشيرا إلى أن ملياري دولار من الأموال العراقية محجوزة حاليا بمختلف الدول ويجري استردادها من قبل هيئة النزاهة.

المصدر : الجزيرة