غنية بالنفط ونزح إليها مليونا يمني.. هل يواصل الجيش تقدمه بعد تراجع الحوثيين في مأرب؟

Pro-government tribal fighters take position in a desert area southeast of Marib, Yemen
القوات الحكومية تقدمت في الجبهة الجنوبية أمام تقهقر الحوثيين في المعارك الأخيرة (رويترز)

يتسامر عبد الغني محسن مع مقاتلين قبليين آخرين بالقرب من خيمة نصبوها في معسكرهم بصحراء جنوب مأرب، ومن بعيد كان دوي إطلاق نار متقطع يقضّ مضجع الليلة المقمرة.
يتحدث عبد الغني بلهجة هادئة ومطمئنة، بعد أن كسرت القوات الحكومية ورجال القبائل هجوم الحوثيين المستمر على مدينة مأرب منذ أشهر، وبات الحديث عن سقوط المدينة بيد الحوثيين أمرا غير ممكن.

ويقول للجزيرة نت "في الأيام الأخيرة حققنا تقدما كبيرا، ونحن الآن على وشك محاصرة الحوثيين في جبل البلق (18 كيلومترا جنوب مأرب) بعد أن نفذنا التفافا عليهم، وإذا استعدنا السيطرة على الجبل سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا في تأمين المدينة".

وكان الحوثيون قد شنّوا هجوما واسعا للسيطرة على مدينة مأرب الغنية بالنفط، والمعقل الأخير للحكومة اليمنية شمالي البلاد، منذ بداية العام الجاري، وصار سقوط المدينة مسألة وقت فقط، وذلك هدد بكارثة إنسانية في المدينة التي تؤوي أكثر من مليوني نازح.

كيف تغيرت الوقائع العسكرية على الأرض؟

صنعت القوات الحكومية المسنودة برجال القبائل دفاعات محكمة في مواجهة قوس الحوثيين المضروب على المدينة، الذي يمتد من رغوان ومدغل في الشمال، وصرواح في الغرب، ويصل حتى جبال البلق في الجنوب.

وشكلت الضربات الجوية للتحالف السعودي الإماراتي عاملا مساعدا للقوات الحكومية في التعامل مع هجمات الحوثيين المتكررة التي اعتمدت على القوة البشرية الكبيرة والقصف بالصواريخ، ليسفر ذلك عن مقتل 14 ألفا و700 عنصر حوثي منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حسب ما قال أحد المسؤولين في وزارة الدفاع التابعة للحوثيين في صنعاء لوكالة الأنباء الفرنسية.

لكن مصدرا عسكريا في وزارة الدفاع التابعة للحكومة اليمنية -فضّل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام- قال للجزيرة نت إن الحوثيين تعرضوا لأكبر استنزاف منذ اندلاع الحرب في البلاد مع نهاية 2014، مشيرا إلى أن الأشهر الأخيرة كانت جحيما على الحوثيين، كما قال.

وأضاف "انكسار الحوثيين حدث بعد أن تعرضوا لمحرقة واسعة، خصوصا مع تكثيف التحالف ضرباته الجوية".

وقال المتحدث العسكري للحوثيين العميد يحيى سريع قبل أيام إن التحالف شنّ 7100 غارة جوية عام 2021 معظمها في محافظة مأرب، في حين قالت صحيفة الثورة الرسمية التابعة للحوثيين إن أكثر من 5 آلاف غارة جوية كانت في مأرب.

وبتتبع الحصيلة اليومية المعلنة منذ بداية يناير/كانون الثاني الجاري، شيع الحوثيون 366 قياديا برتب مختلفة، في حين لم يعلنوا أي حصيلة تتعلق بالقتلى من المقاتلين.

ما الذي منح القوات الحكومية الأفضلية على الأرض؟

منح تقدم قوات العمالقة المدعومة إماراتيا في محافظة شبوة القوات الحكومية نقاط قوة، ووفق المصدر العسكري الحكومي فإن تراجع الحوثيين من مديريات شبوة المحاذية إداريا لمحافظة مأرب من الجنوب خفف الضغط على مدينة مأرب.

وأضاف "تسليح ألوية العمالقة لا يقارن بتسليحنا، يمتلكون أسلحة ثقيلة وحديثة ومدرعات، وراجمات صواريخ، وصواريخ حرارية، ودبابات، ودعما استخباراتيا ولوجستيا، إذ يقصف التحالف بمعدل 50 إلى 60 غارة جوية، كلها تدمّر قوات العدو الهجومية والدفاعية ونقاط تجمعه وأرتالا من آلياته".

ويفصّل المصدر العسكري أن هذه القوة الكبيرة كانت مكافئة لقوة الحوثيين، كما نقلت المعركة إلى المنطقة الواقعة بين محافظات مأرب وشبوة والبيضاء التي تبعد عن مدينة مأرب قرابة 90 كيلومترا.

ما الذي سيغير المشهد العسكري في اليمن؟

تنفس سكان مدينة مأرب الصعداء أخيرا بعد تراجع الحوثيين من الجهة الجنوبية، لكن خطر اقتحام المدينة ما زال قائما إذا ما عجزت القوات الحكومية عن إجبار الحوثيين على الانسحاب من مديرية صرواح في الغرب، التي يسيطرون عليها منذ 6 أعوام.

ووفق رئيس شعبة الصحافة العسكرية بدائرة التوجيه المعنوي في القوات الحكومية، المقدم رشاد المخلافي، فإن الحوثيين فقدوا أخيرا عنصر الهجوم بشكل كبير، بسبب قطع طريق إمدادهم من الجنوب عقب تقدم القوات الحكومية وقوات العمالقة.

وقال للجزيرة نت إن عددا كبيرا من الحوثيين في الجبهة الجنوبية الغربية باتوا محاصرين، في حين يعيد الجيش تأمين البوابة الجنوبية للمحافظة من جديد.

لكن المخلافي يقول إن مواصلة تقدم قوات العمالقة مرهون بقرار من التحالف السعودي الإماراتي، وإذا تقدمت القوات الحكومية نحو محافظة البيضاء الإستراتيجية (جنوب غرب مأرب) فإن ذلك سيغير من خريطة المشهد العسكري في اليمن، بما في ذلك مأرب.

كيف رد الحوثيون على خسائرهم في مأرب وشبوة؟

حشد الحوثيون آلافا من مقاتليهم نحو مأرب وشبوة، وأطلقوا مئات من الطائرات المسيّرة، كما زرعوا مناطق واسعة بالألغام المتفجرة في مديرية حريب (جنوبي مأرب) لمنع تقدم قوات القوات الحكومية وألوية العمالقة، لكن ذلك لم يوقف هجوم الألوية.

وأعلن الحوثيون أمس الاثنين استهداف مناطق في أبو ظبي الداعمة لقوات العمالقة، وهددوا بتوسيع بنك الأهداف داخل الأراضي الإماراتية، إذا ما تواصلت خسائرهم في شبوة.

وحذر المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع أنهم سيعدّون الإمارات دولة غير آمنة ما دامت ماضية في عدوانها على اليمن، وفق تعبيره. ووصف مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى (أعلى سلطة في مناطق الحوثيين) الهجوم على أبو ظبي بأنه "رسالة للنظام الإماراتي بخطورة الاستمرار في عدوانه على اليمن".

وقال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين محمد البخيتي، في مداخلة مع قناة الجزيرة، إن القصف على أبو ظبي كان ردا على دعم الإمارات لألوية العمالقة في محافظتي شبوة ومأرب.

هل انتهت آمال الحوثيين بالسيطرة على مدينة مأرب؟

يقول الخبير العسكري والرئيس السابق لدائرة التوجيه المعنوي في القوات الحكومية اليمنية اللواء محسن خصروف إن التحول النوعي في معركة مأرب سيغير من المعادلة العسكرية، خصوصا إذا واصلت القوات الحكومية تقدمها نحو محافظات أخرى.

ويوضح للجزيرة نت أن الإستراتيجية العسكرية في مأرب المعتمدة على الدفاعات المحكمة، والتحول إلى الهجوم، واستغلال فرصة تقدم قوات العمالقة في شبوة؛ كلها عوامل تجعل آمال الحوثيين في السيطرة على مأرب في خبر كان.

ويضيف "يحاول الحوثيون حاليا إخراج مسلحيهم المحاصرين إلى منطقة الجوبة (45 كيلومترا جنوب مدينة مأرب) بعد أن تقطعت خطوط الإمداد".

ويقول خصروف إن مدينة مأرب عصية، وإن انتصارها في الحرب قد يعيد تشكيل المشهد العسكري في اليمن.

المصدر : الجزيرة