هل تمثل اتفاقية عنتيبي بديلا للقاهرة لتسوية أزمة سد النهضة؟ (سؤال وجواب)

ميدان - السيسي وآبي أحمد إثيوبيا ومصر
السيسي (يمين) خلال استقبال آبي أحمد في القاهرة في يونيو/حزيران 2018 (رويترز)

القاهرة – جددت أديس أبابا دعوتها الدول التي لم توقع على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل (المعروفة باتفاقية عنتيبي) إلى سرعة التوقيع أو التصديق عليها، وهي الاتفاقية التي ترفضها القاهرة والخرطوم منذ توقيعها في مايو/أيار 2010.

وجاءت الدعوة على لسان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمس الأحد خلال زيارته لأوغندا التي شهدت توقيع بعض دول الحوض على الاتفاقية قبل 11 عاما، وذلك بعد 4 أيام من دعوة مماثلة أطلقها وزير الدولة في الخارجية الإثيوبية رضوان حسين الذي أكد التزام بلاده بالاستفادة العادلة والمنصفة من مياه النيل بالتشاور الوثيق مع دول الحوض.

وتعترض مصر والسودان على اتفاقية عنتيبي بوصفها تشكل نهاية للحصص التاريخية للدولتين في مياه النيل، في وقت تتبادل فيه الدول مع إثيوبيا اتهامات بالمسؤولية عن تعثر مفاوضات سد النهضة التي يرعاها الاتحاد الأفريقي منذ أشهر، ضمن مسار تفاوضي بدأ قبل 10 سنوات.

ويأتي الطرح الإثيوبي الجديد بشأن اتفاقية عنتيبي بعد أن أوشكت أديس أبابا على الانتهاء من بناء السد وقامت بملء بحيرته لعامين متتاليين.

وفضلا عن سد النهضة، أعلنت شركة الكهرباء الإثيوبية مؤخرا عن خطتها لبناء 71 مشروعا للطاقة في السنوات العشر القادمة بتكلفة تزيد على 40 مليار دولار، منها 16 مشروعا للطاقة الكهرومائية، و24 للرياح و17 للبخار، بالإضافة إلى 14 للطاقة الشمسية.

وترصد الجزيرة نت تساؤلات حول جدوى اتفاقية عنتيبي، وهل تمثل بديلا ممكنا لمصر لتسوية أزمات السدود الإثيوبية، وأسباب طرحها مجددا من قبل إثيوبيا في الوقت الذي يشهد فيه ملف سد النهضة استمرارا في فشل المفاوضات، فيما تعاني إثيوبيا من حرب أهلية.

ما هي اتفاقية عنتيبي؟ وما هي التحفظات المصرية السودانية؟

هي اتفاقية إطارية وقعت في مايو/أيار 2010 بين 4 من دول منبع نهر النيل -في غياب مصر والسودان (وهما دولتا المصب)- في مدينة عنتيبي الأوغندية، حيث وقع ممثلو إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا بالأحرف الأولى على الاتفاق، وبعد أشهر تبعتها بوروندي بالتوقيع.

ووقعت الاتفاقية -التي تعد بداية لأزمة سد النهضة الإثيوبي- بعد محادثات استمرت قرابة 10 سنوات، لتأسيس إطار قانوني ومؤسسي لمبادرة حوض النيل، فيما اعتبرتها مصر والسودان "مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية"، واشترطتا للتوقيع أن تنص على:

  • التأكيد على حقوق البلدين التاريخية في مياه النيل.
  • ضرورة الإخطار المسبق عن كل المشروعات التي يتم تنفيذها على النهر.
  • عدم جواز تغيير أي بند من بنود الاتفاقية إلا بإجماع الآراء باشتراط تضمين دولتي المصب.

ما هي أبرز الاتفاقيات التي سبقت اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل؟

  • اتفاقية 1902: عقدت بين بريطانيا (بصفتها ممثلة لمصر والسودان) وإثيوبيا، ونصت على عدم إقامة مشروعات على المنابع الإثيوبية يكون من شأنها التأثير على مياه النهر.
  • اتفاقية 1929: عقدت بين مصر وبريطانيا (ممثلة عن السودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا)، ونصت أيضا على ألا يقام بغير اتفاق مسبق مع القاهرة أي إجراء على النيل وفروعه وروافده يكون من شأنه إنقاص حصة مصر.
  •  اتفاقية 1959: اتفاقية مكملة لاتفاقية 1929 بين مصر والسودان، وشملت الضبط الكامل لمياه النيل بين البلدين، تخصص منها 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض بقية دول حوض النيل هذه الاتفاقية.
  • مبادرة حوض النيل: أطلقت عام 1999 بهدف وضع إستراتيجية للتعاون بين دول الحوض، وضمت كافة دوله وتقوم على مبدأين أساسيين هما: تحقيق النفع للجميع، وعدم الضرر، إلا أنها كانت آلية مؤقتة لعدم استنادها إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة.

ما هي المرتكزات المصرية على رفض الاتفاقية؟ وماذا عن وجهة نظر دول المنبع؟

بينما ترى مصر والسودان أن التوقيع على اتفاقية عنتيبي يلغي حصص البلدين التاريخية من مياه النيل ويمنع حق الاعتراض (الفيتو) على إقامة مشروعات السدود تعبر الاتفاقية عن رؤية دول المنبع لتأسيس وخلق إطار قانوني ومؤسسي للتعاون بين دول الحوض تحقيقا للملكية المشتركة والاستخدام المنصف والتنمية المستدامة.

وترتكز رؤى مصرية على قرار محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر عام 1989 بأن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها، على خلاف دول المنبع التي تعتبر اتفاقيات المياه وقعت في الفترة الاستعمارية وبالتالي فهي غير ملتزمة بها.

لماذا طرحتها إثيوبيا مجددا؟

بحسب الأكاديمي المصري والخبير في الشأن الأفريقي بدر شافعي، فإن الدعوة الإثيوبية لا تستهدف مصر والسودان فحسب، بل بقية دول الحوض التي لم توقع على الاتفاقية.

وأوضح شافعي للجزيرة نت أنه حتى تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ ينبغي تصديق 6 دول من دول الحوض عليها، وبالتالي الدعوة الإثيوبية تستهدف أيضا دول بوروندي وأوغندا وكينيا التي لم تصدق على موافقتها بعد، في مخاطبة لجميع دول الحوض.

بدوره، ذهب عباس شراقي أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عبر صفحته بموقع فيسبوك إلى أن الطرح الإثيوبي الأخير "محاولة لشغل الرأي العام المحلي لتهدئة الحرب الأهلية في الداخل الإثيوبي، على اعتبار أن هناك خطرا خارجيا متمثلا في قضية سد النهضة، وتصوير أن مصر لا تريد التنمية للشعب الإثيوبي، إضافة إلى محاولة استدراج دول المنبع للدخول في قضية السد، لإطالة أمد المفاوضات حتى ينتهي بناء السد".

هل تمثل عنتيبي بديلا مصريا ممكنا لتسوية أزمات السدود الإثيوبية؟

تتباين الرؤى المصرية حول سيناريوهات توقيع مصر على الاتفاقية لتسوية أزمات السدود الإثيوبية.

من جهته، رأى مصطفى الفقي رئيس مكتبة الإسكندرية والمسؤول السابق في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أنه كان لا بد لمصر أن تشارك في اتفاقية عنتيبي بأي شكل من الأشكال، مشيرا إلى أن الاتفاق كان محطة مهمة لم تلحقها بلاده قبل وقوع أزمة سد النهضة.

وفي تصريحات متلفزة، عاتب الفقي وزراء الري المصريين في التسعينيات وبداية الألفية لعدم رصدهم مخططات إثيوبيا تجاه حق مصر في المياه، موضحا أنه كان لا بد من الانضمام لاتفاقية عنتيبي بناء على تقاليد إنجليزية في التفكير تقول "إذا لم تكن قادرا على ضربهم فانضم إليهم"، بدلا من أن تكون مصر دولة معزولة تتحدث وتبحث منفردة عن مياه النيل.

في المقابل، حذر الأكاديمي بدر شافعي من تداعيات وخطورة توقيع مصر على الاتفاقية، موضحا أن إثيوبيا ترغب في دخول الاتفاقية حيز التنفيذ كي تخرج مصر من منظومة حوض النيل، لتكون هي المهيمن عليها، إضافة إلى إعادة توزيع حصص المياه بناء على معايير "مطاطة" كالتوزيع العادل والمنصف للمياه وحجم المساهمة ومساحة أراضي كل دولة يجري فيها النيل، بما يميع الحقوق والحصة المصرية.

وأشار شافعي إلى أن إثيوبيا دائما تقول إنها لن توقع على اتفاق ملزم في سد النهضة إلا في حال التوقيع على اتفاق شامل، في إشارة إلى اتفاقية عنتيبي.

وسبق أن رصدت دراسة صادرة عن كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة التداعيات والسيناريوهات المحتملة لمصر من وراء الاتفاقية، وتتمثل في:

  • الدخول في صراع مع دول حوض النيل يكون من شأنه عداء عربي أفريقي، وهو أمر تعتبره القاهرة غير مرغوب فيه.
  • التوقيع على الاتفاقية مع التحفظ على البنود التي لا توافق عليها مصر (الاتفاق المشروط)، أي أن يكون توقيع دولتي المصب مصحوبا بتحفظ في ما يتعلق بالإضرار بمصالحهما.
  • ويعتبر هذا السيناريو سلبيا، حيث إن الموافقة بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ ستكون بداية لتنازلات من الممكن أن تستمر، لذا من الممكن استخدام هذا السيناريو في ما بعد، بحسب الدراسة.
  • السيناريو الثالث وهو الأكثر ملاءمة، ويتمثل في التعاون مع باقي دول حوض النيل وخلق وتأسيس علاقات معها في جميع المجالات قائمة على مبدأ المصلحة.

ما أوجه الشبه والاختلاف بين "عنتيبي" واتفاق المبادئ؟

تعد الاتفاقيتان إطاريتين لم تدخلا حيز التنفيذ، حيث لم يقر البرلمان المصري إعلان المبادئ (وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا بالخرطوم في مارس/آذار 2015) حتى الآن، وهناك دعوات لرفضه برلمانيا للانسحاب منه، كما لم تصدق أغلبية الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي عليهما.

ويتمثل الخلاف الرئيسي بينهما -بحسب الأكاديمي بدر شافعي- في كون إعلان المبادئ متعلقا بملف سد النهضة فقط وليس قضية مياه النيل عموما على غرار اتفاقية عنتيبي.

وأوضح أن إعلان المبادئ لم يتناول حصة مصر التاريخية في مياه النيل، وإنما تناول الاستخدام العادل والمنصف، مشيرا إلى أن تلك الجزئية تمثل مشكلة كبيرة لمصر في إعلان المبادئ لأنها لم تحدد كمية محددة من مياه النيل لمصر، كما لم ينص على حقها التاريخي في المياه، وهو ما تتحفظ عليه مصر في اتفاقية عنتيبي.

ووفق مراقبين، فإن ثمة تناقضا واضحا في موقف مصر من الاتفاقيتين، فبينما تتمسك بتحفظاتها على اتفاقية عنتيبي المرتبطة بالأمن المائي والإخطار المسبق والتعديل بأغلبية الثلثين فإن إثيوبيا باتت تتحصصن بموجب إعلان المبادئ في أي تحرك مصري يحفظ حقوقها التاريخية من مياه النيل.

هل سقطت نظرية "الحقوق التاريخية" وأصبحت مصر أمام واقع جديد فرضته دول اتفاقية عنتيبي وعلى رأسها إثيوبيا؟

يقول بدر شافعي إنه لا يستطيع القول إن مبدأ الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل سقط أم لا، لأن مصر ترفض الانضمام إلى اتفاقية عنتيبي، وتتمسك بحقوقها بناء على اتفاقيات قانونية تؤكد هذا الأمر، وهو ما ترفضه إثيوبيا، وبالتالي سيظل النزاع قائما، ولا نستطيع أن نقول إن النظرية سقطت إلا إذا وافقت مصر على الانضمام إلى اتفاقية عنتيبي ببنودها الحالية.

في المقابل، رأى الباحث المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية إبراهيم نوار أن هناك ضرورة في انضمام مصر والسودان إلى المعاهدة الدولية للأنهار واتفاقية عنتيبي.

وأوضح نوار أنه "مع سقوط الحقوق التاريخية المكتسبة من جدول أعمال مفاوضات سد النهضة والتوجه لتركيز المفاوضات على وضع نظام قانوني وفني لتشغيل السد فإن مبررات رفض مصر التوقيع على المعاهدة الدولية لقانون البحار تكون قد انقضت، وهي المبررات نفسها التي وقفت في وجه توقيع مصر على مبادرة حوض النيل، وتستطيع مصر أن تسجل تحفظاتها في مذكرة التوقيع، وهو ما فعلته بعض الدول لأسباب سياسية أو فنية".

وفي منشور عبر صفحته بموقع فيسبوك أشار الباحث المصري إلى أن "دبلوماسية المياه المصرية في حاجة لإعادة نظر، وأن تبدأ من التوقيع على القانون الدولي، وعلى الاتفاقية الإقليمية لتنظيم استخدامات وتنمية حوض النيل والمحافظة عليه".

يذكر أن السودان صوت في الأمم المتحدة لصالح الاتفاقية الخاصة بالمجاري المائية، لكن مصر لم توقع عليها، فيما بدأت محكمة العدل الدولية في تطبيقها وأصبحت عرفا دوليا.

المصدر : الجزيرة