عام على "جرح لن يندمل".. لماذا تتقاعس الدولة عن تعويض ذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت؟

خبيرة لبنانية تحدثت عن ضرورة إنشاء صندوق وطني لتعويض ضحايا ومتضرّري تفجير المرفأ، لتمرّ عبره كل المساعدات المحلية والدولية، بدل تعدد جهات التعويض وغياب المعايير العلمية والإنسانية عن عملها

اللبنانية ريما مطر محاطة بصور ابنتها وصهرها اللذين قُتلا في انفجار مرفأ بيروت (الجزيرة)

بيروت- تجلس الحاجة ريما مطر محاطة بصور عائلة ابنتها ملاك بظاظا (29 عاما)، التي قُتلت مع زوجها علي أيوب (43 عاما)، في انفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب 2020.

بعد ذلك، صار طفلاهما محمد (4 سنوات) ولين (عامين) يتيمي الأم والأب، وتكفلت الجدة بتربيتهما. وهي التي ترفض وصف السنوية الأولى للانفجار بـ "الذكرى"، لأنه "جرحٌ مفتوحٌ لن يندمل" كما تقول.

تحني الجدة رأسها مقلّبةً صور ملاك وعلي، وكأنها تخاطبهما، ثم تُسمعنا آخر الرسائل الصوتية التي تلقتها من ابنتها قبل وفاتها، وتعبّر عن حنينها الشديد لنبرتها، التي أصبحت كـ "أنشودةٍ يومية تبرّد قلبي".

في "اليوم المشؤوم"، كانت الحاجة ريما مدعوةً مع ابنتها وصهرها، وآخرين من عائلتها، للغداء بمطعم قريب من المرفأ. وقالت إنها "مجرد دقائق فصلت استيعابنا عما يحدث حولنا.. هبّت عاصفة دخانية، اقتلعت أثاث المطعم وألقت كل شخص في جهة".

"حين فتحتُ عيني" تقول الأم "وجدتُ يدي تنزف دمًا، وناديتُ زوجي وأولادي، واعتقدت أنهم جرحى مثلي".

كانت ابنتها ملاك فاقدة للوعي، بينما لفظ زوجها أنفاسه على بُعد أمتارٍ قليلة منها، و"الاثنان توفيا نتيجة انفجار بالدماغ بحسب تقرير الطبيب الشرعي".

غيّر الانفجار حياة عشرات الأطفال بلبنان، كانوا ينتظرون عودة آبائهم وأمهاتهم إلى المنزل سالمين، فصاروا يتامى، ليواجهوا قسوة العيش ببلدٍ يعاني أسوأ انهياراته التاريخية.

قالت الأم والجدة المكلومة إن "التعويضات غير كافية، ومهما تكاتفنا لتربية الأطفال، لن نحل مكان والديهما".

صفاء خير الدين مع طفليها اللذين قتل والدهما في تفجير المرفأ (الجزيرة)

ضحايا الإهمال

وضع الأرملة صفاء خير الدين، ليس أفضل حالًا، بعد أن خسرت زوجها رامي الكعكي (35 عاما)، وهو من بين 10 عناصر بفوج إطفاء بيروت، قُتلوا لدى توجههم لإخماد الحريق بالمرفأ، وعُثر على جثّته بعد 7 أيام. ولهما طفلان، ليا (4 سنوات)، ورامي الذي ولد بعد مقتل والده وحمل اسمه.

وبعد مرور عام، تقول خير الدين "زاد وجعنا، أطفالنا يتامى بلا سند، والسلطة لم تبرر ما أصابنا، وتذرعت أركانها بالحصانات، من دون احترام دماء شهدائنا الذين سقطوا ضحايا النيترات والإهمال".

وتعمل صفاء مساعدة قاضي، مقابل مليون و200 ألف ليرة شهريًا (نحو 62 دولارا)، وتعبّر عن معاناتها مع طفليها، وقد تضاعفت مأساتها بفعل الانهيار الاقتصادي.

ورغم تلقيها مساعدة شهرية من الجيش، فهي أقل من نصف راتب زوجها سابقًا البالغ 2 مليون و500 ألف ليرة (نحو 130 دولار)؛ تستهجن عدم مبادرة السلطات لدعم ذوي ضحايا الانفجار.

وتصف مشاركتها بالتحركات التي ينظمها الأهالي تزامنا مع ذكرى الانفجار، بـ "البروتوكولية"، لأن "صوتنا لن يصل إلى سلطة تسيّس القضاء، ما يجعل أية حقيقة عبرها مشوهة".

عائلات ضحايا انفجار مرفأ بيروت يرفعون صور موتاهم (الجزيرة)

تعويضات خجولة

ويطالب اللبنانيون بكشف هوية المتورطين بجريمة أسقطت أكثر من 200 قتيل ونحو 6 آلاف جريح، إثر انفجار أطنان من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الاشتعال، كانت جزءًا من حمولة تُقدّر بـ2750 طنا، مخزنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، منذ العام 2014، وفق تقديرات رسمية.

ويرى خبراء أن السلطات لم تؤدِ واجباتها بتقديم التعويضات، ليس لإفلاس الدولة ماديًا فحسب، وإنما لغياب سياسة رسمية منهجية، كتوحيد البيانات ومسح الأضرار وتقدير الخسائر.

فوزارة الشؤون الاجتماعية مثلًا، أجرت تقييمًا لجرحى الانفجار، وقدمت بطاقات "ذوي احتياجات خاصة" لبعضهم، للحصول على كراسي متحركة وحسومات بكلفة العلاج، وبعض المساعدات العينية والغذائية، وذلك حسب مستشار وزير الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي.

وقال أبي علي، للجزيرة نت، إن الوزارة ليس لديها ميزانية كافية لتغطية البطاقة، لذا تتعاون مع شركاء محليين وخارجيين لتوفيرها.

من جهته، يفيد رئيس الهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد الخير، أن الهيئة تستكمل دفع ما يعادل 1600 دولار لورثة كل ضحية لبناني أو غير لبناني عمره فوق 10 سنوات، ونحو 780 دولار لورثة كل ضحية ما دون 10 سنوات. وقُدمت هذه لنحو 140 عائلة حتى الآن، من بين أكثر من 200 عائلة.

ويجري ضم ضحايا الانفجار لشهداء الجيش، وفقًا لقانون الدفاع الوطني، لتحصل عائلاتهم على مخصص يعادل راتب جندي، وقيمته نحو مليون و200 ألف ليرة (62 دولار).

لكن مصدر رسمي مطلع كشف للجزيرة نت، عن تضارب في الصلاحيات بين الهيئة العليا وبين الجيش ممثلا بوزارة الدفاع، "بعد أن سحبت الحكومة صلاحيات عديدة من الهيئة لصالح الجيش، مما تسبب بفوضى وتأخير صرف التعويضات المقررة".

أين أنظمة التعويض؟

وميّز دليل خاص بضحايا الانفجار، أصدرته المفكرة القانونية (منظمة غير حكومية للأبحاث)، بين 3 أنواع من الأضرار القابلة للتعويض، الأضرار الجسدية التي أصابت جسم الإنسان، والتي طالت الأشياء والممتلكات؛ والأضرار المعنوية والنفسية.

وتوضح الباحثة والمحامية نادين عرفات، المتخصصة بتعويضات الكوارث، أن التعاطي مع تفجير المرفأ لا ينبغي أن يكون بوصفه حادثًا، بل كارثة تحتاج لأنظمة خاصة بالتعويضات.

وشاركت عرفات مع مجموعة من الباحثين بإنجاز دليل المفكرة، وتعتبر أن ما تقدمه الدولة لا يرقى للتعويض، لأن "فكرة التعويض يجب أن تعادل الضرر، وأن يُنظر لكل شخص بحسب حاجاته، وعدم ربط الجميع بحاجة وتعويض واحد كأنه هبة".

وقالت للجزيرة نت، إن "لبنان لم يقر أنظمة تعويض حقيقية، تكون أولويتها الكرامة الإنسانية، رغم الحروب والكوارث التي عاشها". لافتة إلى أن معظم التعويضات الزهيدة غير قابلة للتنفيذ، بسبب شح الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الأساسية بلبنان.

أهالي ضحايا انفجار المرفأ خلال تحركاتهم (الجزيرة)

وكان البرلمان أقر قانونا متعلقا بتعويضات وأضرار الانفجار، وتضمن استفادة الذين أصيبوا بإعاقة من التفجير من الخدمات الصحية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

لكن الباحثة عرفات قالت إن القانون حصر حقوق الضحايا ببعض الخدمات الصحية، ولم يلحظ أضرارا أخرى، كفقدان العمل وعدم القدرة على الاستمرار بحياة طبيعية.

ومن الخطوات البديهية التي كان يجب اتخاذها، بحسب عرفات، إنشاء "صندوق وطني لتعويض ضحايا ومتضرّري كارثة تفجير المرفأ"، لتمرّ كل المساعدات عبره، بدل تعدّد جهات التعويض، وما ينجم عنها من فوضى البيانات وضياع الأموال وغياب المعايير العلمية والإنسانية.

وقالت إن "التعويض يرتبط بنظرة الدولة للإنسان، وهي نظرة سلبية ومنقوصة بلبنان، مما يؤدي لإعادة إنتاج المآسي والخسائر واضطهاد المواطنين".

المصدر : الجزيرة