تونس.. تعيينات قيس سعيّد الأمنية تشعل مواجهة بين "ضحايا الاستبداد وجلاديهم"

تعتقد محامية مجموعة من عائلات الشهداء أن الرئيس أعطى وزير الداخلية سلطة تقديرية لتعيين الكفاءات الأمنية، وأنه "وقّع على تلك التعيينات من منطلق الكفاءة المهنية والقدرة على التسيير".

وقفة احتجاجية سابقة لعائلات شهداء الثورة وجرحاها الجزيرة نت
وقفة احتجاجية سابقة لعائلات شهداء الثورة التونسية وجرحاها (الجزيرة)

تونس- خلّفت التعيينات الأخيرة في وزارة الداخلية التونسية -التي باتت تحت سلطة الرئيس قيس سعيّد- حالة من الغضب في صفوف عائلات شهداء الثورة وضحايا فترة حكم زين العابدين بن علي.

وتقول العائلات إن بعض القيادات الأمنية المعيّنة حديثا "متورطة في جرائم قتل وتعذيب، ولا تزال قضاياهم جارية في المحاكم".

وأعلنت الداخلية التونسية منذ أيام تعيين العميد خالد المرزوقي مديرا عاما لوحدات التدخل، مما أثار موجة غضب واستياء عارمة في صفوف عائلات وشهداء الثورة، خاصة في مدينة تالة من محافظة القصرين.

ونشر الأهالي مقطعا مصورا طالبوا فيه الرئيس سعيّد بالتراجع عن هذا التعيين الذي وصفوه "بالعار"، متهمين القيادي الأمني "بالتورط" في جرائم قتل وتعذيب 5 من أبنائهم عند اندلاع الثورة في 2011.

مناضلو الحوض المنجمي

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية -في بيان آخر- إقالة خالد المرزوقي وتعيين مدير عام جديد لوحدات التدخل، في إجراء اعتبره كثيرون استجابة من رئيس الجمهورية لمطالب عائلات شهداء وجرحى الثورة.

ولم تتوقف المواجهة بين من وُصفوا "بجلادي الثورة وضحاياهم" عند هذا الحد، حيث أثار تعيين جديد على رأس الإدارة العامة للمصالح المختصة (المخابرات) موجة غضب عارمة في صفوف مناضلي ما بات يُعرف بـ"انتفاضة الحوض المنجمي" بمحافظة قفصة في 2008.

وأكدت شخصيات عرفت بماضيها النضالي زمن الرئيس السابق بن علي، أن مدير عام المخابرات الجديد سامي اليحياوي لا تزال قضيته أمام القضاء؛ بسبب "تورطه في التنكيل بالمحتجين الذين خرجوا للمطالبة بالتنمية والتشغيل"، و"بارتكاب جرائم" إبان توليه رئاسة إقليم محافظة قفصة منذ 2006.

عائلات شهداء تالة طالبوا الرئيس بالتراجع عن التعيينات الأمنية صورة أرشيفية الجزيرة نت
عائلات شهداء تالة طالبوا الرئيس بالتراجع عن التعيينات الأمنية (الجزيرة)

وصمة واستهانة

وسارعت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين إلى نشر لوائح اتهام ضمت من بينها أسماء القيادات الأمنية الجديدة التي لا تزال قضاياها جارية في المحاكم، بتهمة ارتكاب انتهاكات جسيمة خلال أحداث "الحوض المنجمي" وأحداث تالة والقصرين، تراوحت بين القتل والتعذيب والاغتصاب.

واعتبر القيادي في حزب العمال عمار عمروسية التعيينات الأمنية الأخيرة لمن وصفهم بجلادي التونسيين، "وصمة عار في جبين الرئيس قيس سعيّد"، و"استهانة بدماء ثوار الحرية والكرامة".

وأكد عمروسية للجزيرة نت أنه ورفقاء له في النضال في "انتفاضة الحوض المنجمي"، كانوا من ضحايا المدير العام الجديد للمخابرات، وأن الأخير "مارس أصنافا من التعذيب والتنكيل بالمحتجين نساءً -من بينهن شقيقته- ورجالا" منذ توليه إدارة إقليم الأمن بمحافظة قفصة عام 2006.

وقال القيادي اليساري إن أسماء أمنية أخرى متورطة في التنكيل بالمحتجين وقمع الاحتجاجات السلمية قبل الثورة، تمت ترقيتها أيضا خلال الأيام الماضية. داعيا جميع الضحايا للانتفاضة "ضد جلاديهم"، ورفض هذه "التعيينات الفضيحة"، على حد قوله.

 

حسن نية

في المقابل، اعتبرت قيادات سياسية قريبة من محيط الرئيس أن تراجعه عن بعض التعيينات الأمنية واستجابته لنداءات عائلات شهداء الثورة وضحايا التعذيب، دليل على حسن نيته.

ورأى هؤلاء أن الرئيس لا يتحمل مسؤولية التدقيق في ملفات القيادات الأمنية، والتي تتم في وزارة الداخلية.

واعتبرت ليلى حداد النائبة عن حركة الشعب ومحامية مجموعة من عائلات شهداء الثورة وجرحاها أن الرئيس أعطى وزير الداخلية سلطة تقديرية لتعيين الكفاءات الأمنية.

وبمقتضى تلك الشروط، تقول حداد إن الرئيس وقّع على تلك التعيينات من منطلق الكفاءة المهنية والقدرة على التسيير.

وأكدت للجزيرة نت أنها قامت شخصيا بمراسلة رئاسة الجمهورية التي تفاعلت بشكل إيجابي وسريع، بحسب وصفها، وتراجعت عن تعيين العميد خالد المرزوقي على رأس إدارة وحدات التدخل.

وبخصوص تعيين مدير عام للمخابرات مثير للجدل له علاقة بأحداث "الحوض المنجمي"، لم تستبعد النائبة أن يتم التراجع عنه أو تقييمه من قبل الرئيس سعيّد.

وشددت الحداد على أن "الرئيس طالما كان وفيا لقضية شهداء الثورة وجرحاها، ووقف إلى جانبهم واستقبلهم في القصر الرئاسي".

وأكدت تواصلها مع بعض ضحايا أحداث "الحوض المنجمي"، وأنها ستراسل رئاسة الجمهورية لإبلاغ صوتهم الرافض لهذا التعيين.

المصدر : الجزيرة