الولاية العصية على الحركة منذ ربع قرن.. لماذا لم تتمكن طالبان من السيطرة على "بنجشير"؟

يعتقد الخبراء أن قناعات أهالي بنجشير تغيرت، بخاصة مع وصول قيادات من الولاية إلى السلطة في كابل بمباركة أميركية، وبشكل يتعارض مع الخط الذي رسمه القائد أحمد شاه مسعود، وهو ما قد يساعد طالبان على دخول الولاية العصية.

مقاتل من طالبان يقف بجانب ملصق يحمل صورة القائد الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود في كابل الذي تصدى سابقا للحركة بوادي بنجشير في 16 أغسطس/آب 2021 (الفرنسية)

كابل- بعد سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابل، أعلنت حركة طالبان إنهاء الحرب في عموم أفغانستان من دون حاجة إلى استخدام القوة.

وفي الأيام الأخيرة، قال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد إن 80% من مشكلة ولاية بنجشير -الواقعة شمال البلاد- حُلّت. وحسب الحركة، فإن وساطة تتم بينها وبين الذين لجؤوا إلى بنجشير، مبدية استعدادها لتلبية مطالبهم بشرط تسليم جميع المعدات العسكرية التي نقلت إلى بنجشير يوم سقوط العاصمة كابل.

ولكن، رغم مفاجأة العالم بسرعة سيطرتها على الولايات الأفغانية، لماذا لم تتمكن حركة طالبان من السيطرة على بنجشير؟ وهو الأمر الذي لا يبدو جديدا، بل معضلة واجهتها الحركة منذ تأسيسها في تسعينيات القرن الماضي.

ولاية مستقلة

أُعلن "وادي بنجشير" ولاية مستقلة في عهد حكومة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي عام 2004، وعُدّ ذلك عرفانا لجهود أهلها ضد مسلحي حركة طالبان الذين حاولوا أكثر من مرة دخول هذا الوادي.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، لم تتمكن القوات السوفياتية من دخول الوادي، وكانت القوات الأميركية القوة الوحيدة التي دخلته بعد اغتيال أحمد شاه مسعود في مديرية "خواجة بهاء الدين"، بولاية تخار شمالي أفغانستان.

تبعد ولاية بنجشير 113 كيلومترا إلى الشمال من العاصمة الأفغانية كابل، ويعزلها موقعها الجغرافي عن بقية البلاد، التي تتصل بها فقط عبر ممر ضيق أنشأه نهر بنجشير، وذلك سّهل الدفاع عنها، إلى جانب دور سلسلة جبال هندوكش كمدافع طبيعي في وجه التوغلات العسكرية.

وتستضيف المنطقة الجبلية الآن نائب الرئيس الأفغاني المنصرف أمر الله صالح، الذي أعلن نفسه رئيسا مؤقتا لأفغانستان، وقائد الجيش الأفغاني الجنرال هبة الله عليزي، وأحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود قائد "تحالف الشمال"، ونائب الرئيس السابق برهان الدين رباني، وعددا من المسؤولين الذي لجؤوا إليها بعد سيطرة طالبان على العاصمة كابل.

أحمد شاه مسعود في صورة تعود إلى عام 2001 (الفرنسية)

"الطبيعة تقاوم الغزاة"

يقسّم الكاتب والمحلل السياسي فيروز جليل ولاية بنجشير سياسيا إلى مرحلتين؛ الأولى ما قبل أحمد شاه مسعود والثانية بعده. في المرحلة الأولى يقول جليل للجزيرة نت إن "صف المقاتلين بقيادة أحمد مسعود كان موحدا، وكانت كلمته نافذة من أعلى الوادي إلى أسفله، ولم يكن باستطاعة العدو اختراقه، لذا لم تتمكن طالبان من اقتحام الوادي".

وأما اليوم -يضيف جليل- "فتحكّم القيادة في بنجشير مختلف مع جو من التنافس والصراعات الداخلية، وليس بإمكان أحمد مسعود الابن فرض قراره على كبار الشخصيات التي رافقت والده خلال كفاحه ضد السوفيات وطالبان لاحقا".

رغم ذلك، يعتقد المحلل أن من الصعب على حركة طالبان بسط سيطرتها على أنحاء الوادي كافة لأسباب كثيرة، من أهمها أن "الطبيعة هي التي تقاوم ضد الغزاة"، ولهذا تسعى طالبان لحل المشكلة عبر الحوار والتفاوض.

ويقول جليل "ربما تقدّر طالبان أن دخول الوادي أمر ممكن، غير أن البقاء فيه مدة طويلة سيكلفها ماديا وبشريا".

ومن ناحية أخرى، فإن إخفاق السيطرة على بنجشير يعني أن الحركة لم تسيطر على كامل أفغانستان، وهذا الأمر له علاقة مباشرة بالتاريخ إذ لم تتمكن سابقا من دخول هذا الوادي، بحيث تشكّلت ما يمكن تسميتها "عقدة بنجشير" في صفوف مقاتلي طالبان، لذا ستسعى بشتى الوسائل للسيطرة عليه إن أخفقت المفاوضات والحوار.

مدير عام للمركز الأفغاني للإعلام والدراسات، ومحلل سياسي، عبدالجبار بهير. ألتقطت الصورة في مكتبه. كابول / أفغانستان / 21-3-2016م،
المحلل سياسي عبدالجبار بهير (الجزيرة)

 تطورات مختلفة

أما الكاتب والباحث السياسي عبد الجبار بهير، فيرى في حديث للجزيرة نت أن حركة طالبان أجّلت أمورا كثيرة بغرض حل قضية بنجشير، وانسحاب القوات الأميركية من مطار حامد كرزاي الدولي.

وحسب بهير، لا تريد طالبان أن تكون هناك "بنغازي أخرى" بقيادة النائب الأول للرئيس الأفغاني المنصرف وأحمد مسعود، أو أن يتشكل هناك تيار سياسي مواز للحركة.

ويضيف الكاتب حكمت جليل أن بنجشير في المرة الأولى استطاعت الوقوف أمام زحف طالبان لأن المناطق والولايات المجاورة، مثل بدخشان وبغلان وتخار، كانت تخضع لسيطرة منافسي الحركة، ولم يكن لها أي نفوذ هناك.

أما هذه المرة -يقول جليل- فالأمر مختلف من حيث سيطرة مسلحي طالبان على هذه المناطق أو على العازل الجغرافي، وقد كلفت قائدها الميداني قاري فصيح الدين بالسيطرة على هذه الولاية، وهو الذي ينتمي إلى ولاية بدخشان الأفغانية، ويعرف كيف يتصرف مع هذه المنطقة العصية.

تحوّل في بنجشير

ويعتقد خبراء في الشأن الأفغاني أن الوضع تغير في ولاية بنجشير، مع استنكار كثير من سكانها، بخاصة الشباب، وصول قيادات منها إلى السلطة في كابل بمباركة أميركية، بشكل يتعارض مع الخط الذي رسمه القائد أحمد شاه مسعود، وتحول هؤلاء إلى كيانات معارضة للوجود الأميركي في أفغانستان، ومن المتوقع أن يساعدوا حركة طالبان في هجومها على بنجشير والدخول إليها.

ويستبعد الكاتب والمحلل السياسي نصرت حقبال أن ينجح أحمد مسعود، الابن، في القيادة مثل والده الذي حظي بدعم دول في صراعه مع طالبان.

وتوقع حقبال، في حديث للجزيرة نت، أن الدول التي دعمت والده أحمد شاه مسعود سابقا، كروسيا والهند والصين، ستكون الأولى التي تعترف بطالبان.

وحسب مصدر مسؤول في طالبان للجزيرة نت، فإن الحركة كلّفت لجنة الدعوة والإرشاد برئاسة أمير خان مقتي بحل المشكلة مع أحمد مسعود، بل قدمت ضمانات كبيرة له ولجماعته، ودعته للانضمام إليها مقابل أن يكون له دور فعال في السياسية.

وأضاف المصدر أن مسعود قدم شروطا لذلك خلال لقائه وفدا مكونا من 8 أشخاص، في ولاية بنجشير.

المصدر : الجزيرة