محمد عبو للجزيرة نت: هذه حقيقة موقفي من وثيقة "الانقلاب الدستوري".. ولست مع تصفية النهضة وأطالب بمحاسبة رئيسها

محمد عبو أكد دعمه لاجراءات الرئيس طالما لم يخرج عن الدستور الجزيرة
محمد عبو أكد دعمه لإجراءات الرئيس طالما لم يخرج عن الدستور (الجزيرة)

تونس– في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، نشر الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي المعارض محمد عبو تدوينة مطولة، توجه خلالها للرئيس التونسي قيس سعيّد طارحا رؤيته الخاصة لما وصفه بإنهاء حالة العبث السياسي في البلاد في إطار حدود الدستور، تنطلق من حل البرلمان ونشر الجيش وإقالة رئيس الحكومة ووضع الفاسدين قيد الإقامة الجبرية والانطلاق في مسار إصلاحي.

تدوينة عبو أثارت حينها جدلا كبيرا، ليعيد الرأي العام المحلي والشارع السياسي استحضارها وتداولها بعد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي، والتي انتهت بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ووضع أشخاص قيد الإقامة الجبرية.

في هذا الحوار مع الجزيرة نت يتحدث المناضل السياسي زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن موقفه مما يحدث في البلاد، ورده على المخاوف الحقوقية من عودة تونس لمربع الاستبداد واحتكار السلطات، وحقيقية ما يشاع حول طرح اسمه لرئاسة الحكومة، كما وجه رسائل خاصة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وللرئيس قيس سعيد:

  • ما توصيفك لما حدث يوم 25 يوليو/تموز الماضي؟

هو إجراء ضروري كنت ناديت به حتى قبل حدوثه، بعد انسداد الأفق فيما يتعلق بمقاومة الفساد السياسي خاصة. وقد أكد الواقع والتجربة أن سيطرة جهات بعينها على أجهزة الدولة والداخلية والقضاء أعاق مسار الإصلاح، وأشدد هنا على أن الإجراءات الاستثنائية ولجوء الرئيس لاستعمال الفصل 80 من الدستور اقتضته الضرورة في علاقة باستحالة استمرار السير العادي لدواليب الدولة.

 

  • لكن الفصل 80 نص على ضرورة بقاء البرلمان في حالة انعقاد، وهو ما لم يتم، وتم في المقابل أخذ قرار بتجميد عمله؟

هذه النقطة تحديدا قد تطرح إشكالا قانونيا، لكن حسب اعتقادي تجميد عمل البرلمان اتخذ لعدة اعتبارات أمنية ووقائية، ولضمان عدم استغلال أطراف المؤسسة التشريعية لخلق حالة فوضى وضرب صورة البلاد، وبكل الأحوال الإجراءات الاستثنائية مرتبطة بمدة زمنية محددة وليست دائمة.

 

  • سبق أن دعوتَ بشكل مباشر الرئيس التونسي لأخذ إجراءات تتعلق بحل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ونشر الجيش ووضع الفاسدين قيد الإقامة الجبرية، هل يمكن القول إذن إن الرئيس استجاب لدعوتك؟

يسعدني أن تكون دعوتي لاقت صداها عند الرئيس التونسي ولو باختلاف في بعض التفاصيل، لكنها سعادة بتحفظ بانتظار تحقيق ما ذهب فيه الرئيس لنجاحات تتعلق بخلق حالة من الردع العام داخل الطبقة السياسية، ولترسيخ عقلية المحاسبة وأن العمل السياسي ليس أداة للتربح وتحقيق منافع شخصية بل لخدمة مصلحة الشعب، وأيضا أدعوه لفتح جميع ملفات المتورطين في الفساد وكشف حقيقتهم للرأي العام طوال السنوات العشر الماضية.

 

  • ما ردك على المخاوف التي طرحتها قيادات سياسية بشأن العودة لمربع الاستبداد واحتكار السلطات وسياسة التشفي من الخصوم عبر منع السفر والإقامة الجبرية؟

بشكل عام لا بد لهذه الإجراءات الاستثنائية أن تكون محددة بزمن والذي لا يجب أن يتجاوز 3 أشهر، أما في علاقة بعدم حصول تجاوزات في مجال التعدي على حقوق الإنسان، فهذا يتطلب مراقبة كبيرة من الرأي العام والمجتمع المدني والقوى الحية والإعلام الحر ورجال الأمن ذاتهم، كما لا ننسى أن هناك دستورا لا يزال العمل به قائما وهو أيضا الضمانة.

  • حمّلت بشكل مباشر حركة النهضة مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي الذي وصلت له تونس طوال السنوات العشر الماضية، لكن في المقابل ألم تكن أنت وحزبك سابقا حلفاء مع النهضة، وشركاء معها في الحكم؟

أنا لم أكن معهم في الفساد بل كنت ضدهم وأخذت على عاتقي مقاومة الفساد، ولا أستطيع تحمل مسؤولية قراراتهم السياسية والاقتصادية، وما أقلقني هو ما خلقته النهضة من مناخ سيئ جدا لا يشجع على أي استثمار، طغى عليه الابتزاز والتخوف من فرض القانون وغلق جميع أبواب الإصلاح.

 

  • يقال إن محمد عبو يتحرك ضد النهضة وحلفائها بدافع انتقامي، بعد إسقاطها لحكومة إلياس الفخفاخ المحسوبة عليكم؟

غير صحيح. ببساطة لأننا فتحنا ملف فساد النهضة منذ سنوات، وحين جاءت حكومة الفخفاخ بغرض الإصلاح حاربوها وأسقطوها. وأقول هنا إن النهضة هي الحارس لمنظومة الفساد، وبالتالي الانطلاق في عملية المحاسبة والإصلاح وجب أن تنطلق من السياسيين الفاسدين، وأولهم القيادات النهضوية، كما لا استثني أحزابا أخرى ترفع شعار الثورية.

 

  • قاربت الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس مدة شهر، ولم يعلن بعد عن رئيس حكومة ولا عن خارطة طريق.. ألا يقلقك هذا الأمر في ظل صعود مخاوف من سير البلاد نحو المجهول؟

أنا دائما مع الشفافية، وأرجو أن يعلن الرئيس قيس سعيد عن التوجهات العامة واسم رئيس الحكومة قبل تاريخ 24 أغسطس/آب، وأشدد هنا على أننا نقف مع الرئيس طالما بقي في حدود الدستور، وشخصيا لا أرى في كلامه خروجا عنه.

 

  • ما رؤيتك لما بعد التدابير الاستثنائية التي أقرها سعيد، وهل ما زال للأحزاب دور في الحياة السياسية بعد 25 يوليو/تموز؟

طبعا لا يزال للأحزاب دور قائم، ولا ديمقراطية من دون أحزاب، لكن الأحزاب المحترمة والنزيهة. وما قام به سعيد باعتقادي هو فتح معركة جيدة للأحزاب للفرز الحقيقي، وأكرر أننا معه طالما ظل في إطار الدستور.

 

  • هل أنت في تواصل مع الرئيس التونسي؟

آخر لقاء جمعني به كان في ديسمبر/كانون الأول 2020، وأنا أتمنى له التوفيق في الإجراءات التي اتخذها.

 

  • يتم تداول اسمك من بين الشخصيات المقترحة لخلافة المشيشي على رأس الحكومة القادمة، هل هذا صحيح؟ وهل أنت مستعد لذلك في حال عرض عليك؟

لا علم لي بطرح اسمي لمنصب رئاسة الحكومة، والمهم بالنسبة لي هو تشكيل حكومة في أقرب وقت، ولكني مؤمن بأنني يمكن أن أفيد بلدي في أي موقع كان، وتحرري من أي عمل أو مسؤولية حزبية جعلني أتحدث بحرية ودون تحفظ.

 

  • القيادي في حركة "تحيا تونس" وليد جلاد سبق أن صرّح بأن محتوى "وثيقة الانقلاب" التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) كنت أنت نفسك كشفت عن تفاصيلها، حتى أن كثيرين اعتبروا أنك صاحب الوثيقة التي وجهت لمديرة ديوان قيس سعيد؟

صدقا لست صاحب الوثيقة، لكن مع كامل احترامي لمن كتبها، هي لا ترتقي لأن تكون بمستوى الجدية، لما تتضمنه من أخطاء قانونية فادحة. لكني أعتقد أنها تصور لخطة سياسية ما، وقع إرسالها لديوان الرئيس، أما موقفي أنا فقد عبرت عنه في تدوينتي منذ أشهر، ولا شي لأخفيه أو أخجل منه.

 

  • يجري حديث في الكواليس وبين أنصار الرئيس قيس سعيد عن نيته الدفع نحو تغيير النظام السياسي، وإيقاف العمل بالدستور، هل تؤيد ذلك إن صح فعليا؟

بالنسبة لي، المساس بالدستور خط أحمر، لأني مؤمن بأن الإشكال ليس في الدستور بل في الطبقة السياسية الفاسدة. وتفعيل الرئيس للفصل 80 منه برهن بالحجة أن الدستور جيد جدا رغم كل سلبياته، ربما يمكن التفكير لاحقا في تعديله، لكن ليس في هذه الظروف الاستثنائية.

 

  • ما تقييمك لما يعيشه حزب التيار الديمقراطي الذي أسسته في ظل الخلافات والإقالات داخله، وهل أنت راض عن أداء نوابه في البرلمان، والذي يقال إنه أضرّ بصورته وشعبيته؟

أنا بعيد عن حزب التيار حاليا، لكني لا أخفي أن هناك أشخاصا ينتمون للتيار مكانهم ليس فيه، وأنا على يقين أنهم حين يغادرونه سيكون وضعه أحسن، وبعضهم دخل الحزب لسبب ما أو لتحقيق طموح شخصي.

أقول أيضا إن هناك اختراقات داخل التيار من بعض الذين يتبنون ثقافة اجتماعية سيئة، ويسعون لتغيير وجهته والمبادئ التي أسس لأجلها والأفكار النبيلة التي حملها، لكن هذا لا ينفي طبعا وجود أشخاص نزهاء داخله وفي اعتقادي الحزب سيقاوم.

 

  • ختاما، ما رسالتك للرئيس قيس سعيد ولرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي؟

أدعو الرئيس للتسريع في خلق حالة من الردع العام داخل الطبقة السياسية، حتى يفهموا أن العمل السياسي هو خدمة الشعب وليس لمصالحهم الشخصية بطرق غير شرعية، أما الغنوشي فإني أدعو القضاء لمحاسبته على التجاوزات التي ارتكبها بحق البلاد، مثله مثل كثيرين غيره، وأشدد هنا على أننا لسنا مع تصفية حركة النهضة لكن مع محاسبتها، ونبقى دائما مع الشرعية وفي حدود القانون.

المصدر : الجزيرة