قيس سعيّد يؤكد أنه لن يتحول لدكتاتور.. الأمن التونسي يعتقل نائبين برلمانيين والقضاء يحقق مع 4 أعضاء من حزب النهضة

زوجة النائب ياسين العياري قالت إن 20 من عناصر الأمن اعتقلوه من البيت، ومحامية النائب ماهر زيد أكدت أن السلطات رفضت الإفراج عن موكلها رغم تقديم وثائق تؤكد الكف عن التفتيش عنه.

قوات الجيش والشرطة أغلقت مبنى البرلمان ومنعت دخوله بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد الأحد الماضي (الأوروبية)

اعتقلت قوات الأمن التونسي الجمعة نائبين برلمانيين، كما حقق القضاء مع 4 من منتسبي حزب حركة النهضة؛ بدعوى ارتكاب أعمال عنف الاثنين الماضي أثناء احتجاج على قرارات للرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي أكد الجمعة لوسائل إعلام أميركية أنه "لن يتحول لدكتاتور".

وقال مراسل الجزيرة إن حنان الخميري محامية النائب في البرلمان التونسي ماهر زيد أكدت اعتقاله من قبل قوات الأمن، على خلفية قضية تمت تسويتها نهائيا عام 2017.

وأكدت الخميري -في اتصال مع الجزيرة- أن السلطات الأمنية رفضت الإفراج عن موكلها رغم تقديم وثائق تؤكد الكف عن التفتيش عنه.

اعتقال بالقوة

بدورها، قالت زوجة النائب البرلماني ياسين العياري إن قوات أمن بالزي المدني اعتقلته الجمعة، وذلك بعد أيام من القرارات التي أعلنها الرئيس التونسي، والتي تنص على إقالة رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وكذلك تولي الرئيس السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العامة.

وكان العياري وجّه انتقادات متكررة في السابق لسعيّد، واتهمه بتنفيذ انقلاب عسكري، بعد أن أقال الأحد الماضي رئيس الحكومة هشام المشيشي، وجمّد عمل البرلمان لمدة شهر، وقال إنه سيتولى السلطة التنفيذية.

ونقلت وكالة رويترز عن سيرين الفيتوري (زوجة العياري) قولها -عبر الهاتف- "قدم إلى البيت حوالي 20 رجلا بالزي المدني واعتقلوه عندما نزل لمقابلتهم". وأضافت أنه تم اعتقاله بالقوة بينما كانت والدته تصرخ، وطلبوا منهم عدم التصوير بالهاتف.

بدورها، أكدت وكالة الدولة العامة للقضاء العسكري (رسمية) -في بيان، نقلته وسائل إعلام محلية- أن العياري أُودع السجن المدني بتونس العاصمة، تنفيذا لحكم قضائي نافذ، صدر ضده عن محكمة الاستئناف العسكرية بتاريخ السادس من ديسمبر/كانون الأول 2018.

وأشارت الوكالة نفسها إلى أن "هذا الحكم تم تأييده بقرار من محكمة التعقيب، ويقضي بسجن ياسين العياري لمدة شهرين اثنين جراء المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس بكرامة الجيش الوطني ومعنوياته"، حسب البيان.

يذكر أن العياري ملاحق في 3 قضايا قُدمت ضده من قبل القضاء العسكري منذ مارس/آذار 2017، وتتعلق بـ"الثلب (السب) والتهجم على المؤسسة العسكرية".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حُكم عليه بالسجن 3 أشهر في إحدى هذه القضايا، بعد انتخابه عضوا بالبرلمان في الانتخابات الجزئية.

وفي عام 2015، أمضى العياري -وهو ابن عقيد قُتل عام 2011 خلال الاشتباكات الأولى ضد الجماعات الإرهابية في البلاد- أكثر من 4 أشهر في السجن بعدما أدانته محكمة عسكرية بتهمة ازدراء القيادة العليا للجيش على مواقع التواصل الاجتماعي.

خطف ومحاكمات جائرة

من جانبها، قالت قائمة "أمل وعمل" -في بيان أصدرته الجمعة- إنه "تم خطف" العياري من أمام منزله وأخذه من دون إبراز أي وثيقة أو إذن قضائي، ومن دون إعلام زوجته بالمكان الذي تم أخذه إليه.

وأوضحت القائمة أن إيقاف العياري كان "من قبل مجموعة كبيرة من الأعوان (الأمنيين) عرّفوا أنفسهم بأنهم أمن رئاسي".

كما عبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) عن قلقها من إيقاف العياري، وقالت إنه كان قد تعرض في السابق لمحاكمات جائرة على خلفية تدويناته المنتقدة للحكومات المتعاقبة وللجيش.

وأضافت المنظمة أنها تدين بشدة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ومحاكمات الرأي، أيا كانت.

وحثت وزارة الخارجية الأميركية الرئيس التونسي على رفع إجراءات الطوارئ بسرعة وإعادة عمل البرلمان، وقالت -في بيان- "نراقب الوضع عن كثب في تونس، ونحث الرئيس قيس سعيّد على وضع خريطة طريقة واضحة".

حملة إعفاءات

من جهة أخرى، أصدر قيس سعيّد، الجمعة، أمرا يقضي بإنهاء مهام محمد علي النفطي كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج.

كما نقلت وسائل إعلام محلية في تونس عن مصادر أمنية أنه تم إعفاء الأزهر لونغو المدير العام للمصالح المختصة لوزارة الداخلية، التي تشمل جهاز الاستخبارات.

ومنذ 25 يوليو/تموز الجاري، تتواصل حملة إعفاءات وإقالات عملا بمراسيم رئاسية صدرت بالجريدة الرسمية.

وكلف قيس سعيّد مساء الخميس مستشاره الأمني رضا غرسلاوي بتسيير وزارة الداخلية. وحسب وسائل إعلام محلية، فإن غرسلاوي كان محافظ شرطة عاما قبل أن يصبح مستشارا في دائرة الأمن القومي برئاسة الجمهورية.

تحقيق مع أعضاء بالنهضة

وفي السياق ذاته، قال القضاء إنه فتح تحقيقات مع 4 أشخاص على صلة بحزب حركة النهضة لمحاولتهم ارتكاب أعمال عنف أثناء الاحتجاج فجر الاثنين الماضي على قرارات الرئيس، وبينهم عضو بمجلس شورى الحركة، وعضوان على صلة بزعيمها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.

ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر في حركة النهضة أن القضاء أفرج عن المتابعين الأربعة بعد التحقيق معهم.

ونظمت حركة النهضة -وهي أكبر حزب في مجلس النواب- اعتصاما خارج مبنى البرلمان فجر الاثنين الماضي بعد أن حاصره الجيش ومنع النواب من دخوله.

وحدثت مواجهة بين مئات من أنصار النهضة وأنصار الرئيس قيس سعيد، وتبادل الجانبان الرشق بالحجارة والزجاجات.

"لن أكون دكتاتورا"

من جهة أخرى، جدد الرئيس التونسي -أثناء استقباله الجمعة ممثلي وسائل إعلام أميركية- التأكيد على أن الإجراءات التي اتخذها بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ليست خارج إطار الدستور.

وأكد سعيّد أن حرية التعبير تبقى مضمونة، وأنه لا مساس إطلاقا بالحريات في تونس، ووصف تهديد بعض القيادات السياسية بالنزول إلى الشارع بأنه مخالف للدستور والإجراءات القانونية.

ووعد سعيّد بألا يتحول إلى دكتاتور، وقال إن الهدف من إجراءاته الأخيرة هو إعادة حقوق التونسيين المنهوبة، وإن العدالة لا بد أن تأخذ مجراها.

ونقلت الرئاسة عن سعيّد -وهو أستاذ سابق للقانون الدستوري- قوله "أعلم جيدا النصوص الدستورية واحترامها، ودرستها، ولن أتحول بعد هذه المدة كلها إلى دكتاتور كما قال البعض".

وحذر الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي محمد عبو من أي تمديد للعمل بالفصل 80 من الدستور، الذي أعلن سعيّد تفعيله، واتخذ بموجبه جملة من الإجراءات الاستثنائية.

واعتبر عبو -في حوار مع إذاعة تونسية محلية- أن أي تمديد لهذه الإجراءات سيعد أمرا خطيرا، على حد تعبيره. ودعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى عدم إقحام أنصار حركته في ما وصفها بالمحرقة.

مقاومة سلمية وقانونية

بدوره، قال الغنوشي إنه سيقاوم بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة من أجل عودة الديمقراطية، مشدّدا على ضرورة أن يستوعب سعيّد أن البرلمان يجب أن يعود إلى مركز آليات صنع القرار في الدولة.

ووصف الغنوشي -في حوار مع صحيفة "إلكورييري ديلا سيرا" الإيطالية- ما وقع في تونس بالانقلاب، وقال إنه لا يزال هناك مجال للحوار للتوصل إلى اتفاق.

وأكد الغنوشي رفض كل القرارات التي اتخذها الرئيس، لا سيما أنه يريد تولي مسؤولية السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد، حسب قوله.

وقال إن التونسيين وأوروبا في مركب واحد، وإن عدم استعادة الديمقراطية في تونس سيؤدي إلى غرق الجميع في الفوضى. وأضاف أنه يمكن للإرهاب أن ينمو وأن يَدفع عدمُ الاستقرار الناس للهجرة بأي طريقة.

من ناحية أخرى، عبّر الغنوشي -في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية- عن استعداد حزبه لأي تنازلات من أجل إعادة الديمقراطية، مشيرا إلى أن الدستور أهم من تمسك حزبه بالسلطة.

ونبّه الغنوشي في الوقت ذاته إلى أنه إن لم يكن هناك اتفاق بشأن الحكومة المقبلة، فإنه سيدعو الشارع للدفاع عن ديمقراطيته، وفرض رفع الأقفال عن البرلمان، حسب تعبيره.

وكشف الغنوشي عن أنه لم يُجرِ أي حديث مع الرئيس سعيّد أو مع أعوانه منذ صدور قرارات الرئيس، لكنه أضاف أنه ينبغي أن يكون هناك حوار وطني.

المصدر : الجزيرة + وكالات