مع اقتراب الملء الثاني لسد النهضة واستبعاد الخيار العسكري.. معوقات دولية وقانونية أمام مصر

سد النهضة
إثيوبيا تواصل الإنشاءات في سد النهضة رغم اعتراضات مصر والسودان (الجزيرة)

أثار النشاط الدبلوماسي المصري المتزامن مع تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، واقتراب الملء الثاني لبحيرة السد بعد أقل من شهر، تساؤلات حول جدوى التحركات القانونية والضغوط الدولية على أديس أبابا، في إخراج مصر من أكبر تهديد لأمنها المائي.

ومنذ تدشين السد عام 2011، تباين الحراك المصري بين مساع للوصول إلى تسوية ثلاثية، ومحاولات لتدويل الأزمة عبر استدعاء أطراف دولية على غرار الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وصولا إلى التلويح بإمكانية اللجوء إلى عمل عسكري باعتباره ورقة ضغط أخيرة، في مقابل تسويف إثيوبي، اعتبره مراقبون إستراتيجية للتعامل مع مفاوضات السد.

وتعول مصر على الدور الدولي في التوصل لحل الأزمة، وبدا ذلك واضحا في قبولها لمخرجات مباحثات ثلاثية رعتها واشنطن، أواخر 2019، ولجوئها إلى مجلس الأمن الدولي صيف 2020، غير أن الأخير أحال ملف السد إلى الاتحاد الأفريقي، الذي فشل على مدار عام كامل في تحقيق أي تقدم يذكر في تقريب وجهات النظر.

وثمة معضلات تواجه مصر في التحرك الدولي، يرتبط بعضها بإثيوبيا التي تتحصن ضد المسارات القانونية والضغط الدولي بموجب إعلان المبادئ، الذي وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015، والتعاطف الدولي مع الأخيرة، بدعوى تعرضها لمجاعات بسبب الجفاف في العقود الماضية.

أما الجانب المصري، فيتسم موقفه في الآونة الأخيرة بنوع من التردد وتناقض التصريحات الرسمية حول تداعيات السد، بما لا يجدي في الدبلوماسية والقانون الدولي، خلافا لغياب الإرادة السياسية وتباين رؤى القاهرة والخرطوم حول تأثيرات السد، وفق خبراء وقانونيين.

حراك وتنسيق مشترك

وشهدت الأيام الماضية محطتين بارزتين على صعيد التحركات الدبلوماسية المصرية لمواجهة أزمة سد النهضة، حيث استضافت قطر اجتماعا وزاريا عربيا أمس تطرق إلى بحث الأزمة بناء على طلب من مصر والسودان، حيث تم الاتفاق على تنسيق العمل مع المجموعة الدولية في الأمم المتحدة لدعم الموقف المصري السوداني.

وقبل ذلك، أبلغت مصر مجلس الأمن، اعتراضها على اعتزام إثيوبيا الملء الثاني للسد، عبر خطاب وجهه الجمعة الماضي، وزير الخارجية سامح شكري.

وأودعت مصر ملفا متكاملا لدى المجلس ليكون "بمثابة مرجع للمجتمع الدولي للمواقف البناءة التي اتخذتها مصر على مدار عقد كامل من المفاوضات ومساعي التوصل لاتفاق يراعي مصالح الدول الثلاث"، بحسب وصف بيان وزارة الخارجية المصرية.

وسبق ذلك، تأكيد مصري سوداني -في بيان مشترك- على أهمية تنسيق جهودهما دوليا وإقليميا لدفع إثيوبيا إلى التفاوض بجدية بشأن السد.

مطالب محددة

وحسب الأكاديمي عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، فإنه من المتوقع أن يتبع خطاب مصر إلى مجلس الأمن إعلانها عن مطالب محددة، مشيرا إلى أن السودان سيُقدم على خطاب مماثل بنفس المضمون إلى المجلس.

وتتمثل هذه المطالب -وفق شراقي- في وقف الجانب الإثيوبي إجراءات تخزين مياه السد، وتولي مجلس الأمن لاختصاصاته فى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين برعايته للمفاوضات، وتجنيب المنطقة مخاطر جسيمة، والوصول إلى اتفاق عادل في الوقت المناسب.

وفيما يخص الاجتماع الوزاري العربي في الدوحة، أكد شراقي أنه يمثل دعما للأمن المائي لمصر والسودان، واعتبره جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وذلك في منشور على حسابه بالفيسبوك.

صور خاصة للسفير عبدالله الأشعل
السفير عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق (الجزيرة)

جدوى التحرك الدولي

ردا على جدوى التحرك القانوني والضغط الدولي لإخراج مصر من أزمة السد، أكد أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق عبدالله الأشعل، أن التحرك القانوني وارد باستمرار، لكنه يحتاج إرادة على مستوى القرار السياسي، التي لا توجد حاليا لدى الإدارة المصرية، وفق قوله.

ومنتقدا أداء النظام المصري في ملف السد، أضاف الأشعل أن الأزمة ليست في الجانب الدولي، بل في مصر وطريقة عرضها لموقفها القانوني على الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الغرب.

وفي تصريحات للجزيرة نت، تابع الدبلوماسي السابق أنه بعد ما يزيد على 10 سنوات من المفاوضات، لا توجد مذكرة واضحة وصريحة تشرح الموقف المصري، الذي ما يزال يتحسس موقعه أمام نظيره الإثيوبي، ما شجع أديس أبابا على المضي قدمًا في تعنتها أمام المخاوف المصرية.

وفيما يتعلق بإمكانية انتزاع مصر قرارا دوليا لصالحها في هذه الأزمة، رأى أن القرار الدولي لا قيمة له في الوقت الراهن، مطالبا الغرب بإيجاد بديل للموقف المصري الصعب، بعد تحذيراته من العمل العسكري ضد السد، واستقواء الجانب الإثيوبي بالغرب.

ومع اقتراب الملء الثاني بعد أقل من شهر، حذَّر الأشعل من استهلاك مزيد من الوقت في مفاوضات ومطالب لا طائل منها، لكنه استدرك بالقول إن التوجه لمجلس الأمن، من الممكن أن يكون خطوة تستبق التمهيد لحل عسكري.

وأوضح أن أي عمل دبلوماسي أو عسكري يحتاج إعدادا جيدا ومهارة وتغطية دبلوماسية واسعة، مشددا أنه لم يعد أمام مصر إلا هدم السد بعد أن استهلكت إثيوبيا المفاوضات السابقة في بناء السد وملء بحيرته.

جدير بالذكر أن موقع "مدى مصر" الإخباري المستقل، ذكر الخميس الماضي أن "القاهرة والخرطوم اتفقتا على تفادي التصعيد أو التهديد العسكري في ملف سد النهضة انتظارا للدعم الأميركي"، وذلك نقلا عن مصدر حكومي مصري في مجموعة العمل الخاصة بسد النهضة، لم يسمه.

تعبئة وحلول

من جانبه، رأى الباحث المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية، إبراهيم نوار، أن الموقف المصري يتسم بالتردد في الفترة الأخيرة، فيما يتعلق بمدى الضرر، مشيرا إلى تناقضات في التصريحات الرسمية حول تداعيات السد على حصة مصر المائية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح نوار أن التردد لا يفيد في الدبلوماسية والتحركات القانونية الدولية، مشددا على أن الحل يتطلب تعاملا جادا من النظام المصري، عبر تقديم أدلة قاطعة مسندة بقرائن وحجج مطلوبة، لتعبئة المجتمع الدولي ومناقشته دوليا.

كما اعتبر أن الطرح المصري يختلف عن نظيره السوداني، الذي ينطلق بمنطق الحيطة والحذر المبنية على مخاطر ملء وتشغيل السد وجريان النيل، وتداعيات ذلك على سدوده الصغيرة واحتمال الإضرار بقرى ومدن سودانية على امتداد النهر.

وثمة أخطاء أخرى تعيق التحرك المصري الدولي -حسب نوار- تتمثل في عدم تقديم حلول مشتركة مع الجانبين السوداني والإثيوبي، عبر قرائن تثبت الملكية والمنفعة المشتركة لدول حوض نهر النيل، مطالبا بعدم التشبث بالحديث عن الحق التاريخي في مياه النيل، الذي لا يعترف به العالم.

أما عن التوجه للأمم المتحدة وإخطار مجلس الأمن بالمخاوف المصرية من الملء الأحادي للسد، فأوضح الباحث في النزاعات الدولية، أن المنظمة الدولية سبق أن درست الموقف وقررت عمل وساطة على أساس فني، دون أن تضغط على أحد الأطراف.

ومستبعدًا خطوات مصرية سودانية مشتركة في الفترة المقبلة، رأى أن البيان الوزاري المشترك بين القاهرة والخرطوم مؤخرا، لا يمثل جديدا بسبب اختلاف المواقف، مشددا أنه حتى في حالة اتفاق القاهرة والخرطوم على المطالب ذاتها، عليهما أولا الاتفاق مع الجانب الإثيوبي.

كما استبعد نجاح مصر في انتزاع قرار دولي وقانوني لصالحها، أو الإقدام على عمل عسكري ضد السد بما قد يهدد بإغراق السودان.

وأوضح أن العالم يتعاطف مع إثيوبيا لتعرضها لمجاعات بسبب الجفاف وتقلبات سقوط الأمطار في العقود الأخيرة، واعتبار مساعيها في بناء السد لإعادة تنظيم المياه واستهلاك الكهرباء، في وقت كان من الممكن لمصر أن تمنحها إياه منذ البداية في ظل وجود فائض كبير من الطاقة الكهربائية.

حصانة إثيوبية

وإضافة للمعضلات المصرية أمام التحرك الدولي والقانوني، رأى العضو السوداني السابق بمفاوضات سد النهضة أحمد المفتي، أن إثيوبيا محصنة ضد المسارات القانونية بموجب إعلان المبادئ.

واستشهد المفتي، في تصريحات سابقة للجزيرة مباشر، بالمادة العاشرة من إعلان المبادئ، التي تنص على الوساطة وتسوية النزاعات بتوافق القاهرة والخرطوم وأديس أبابا مجتمعين.

كما أضاف أن القانون الدولي يمنع اللجوء إلى محكمة العدل الدولية إلا إذا وافق الطرف المشكو في حقه (إثيوبيا) على ذلك، ما يمثل تحصينا دوليا لصالح إثيوبيا، وبالتالي المسار القانوني لن يكون في صالح مصر والسودان.

تحركات تجاوزها الزمن

ومتفقا مع الطرح السابق، قال السياسي المعارض ورئيس جامعة كامبريدج المؤسسية بسويسرا حسام الشاذلي، إن الدبلوماسية المصرية ظهرت بصورة المتخبط الذي يذهب لمفاوضات مصيرية دون إعداد أهدافه وأجنداته، معتبرا النظام المصري في ملف السد، يطلق النار على أصابعه بدلا من العدو.

وفي حديثه للجزيرة نت، شدد الشاذلي على أن أزمة سد النهضة وصلت لمرحلة يمكن توصيفها بأن الحل لن يأتي إلا بتطبيق مبدأ "مفاوضات ما بعد الضربات"، موضحا أن الجلوس على الطاولات والذهاب لمجلس الأمن والدخول في مفاوضات ومناقشات، يجب الآن أن يبنى على ما بعد الضربة العسكرية للسد وليس على ما قبله، وفق قوله.

ورأى أن أزمة السد لم تعد من الأزمات التي يمكن الخروج منها بالضغوط الدولية والتحركات القانونية، قائلا إن الأمر تعدى تلك المرحلة بزمن طويل، خاصة أن الجانب الإثيوبي يستند لاتفاقية مشبوهة (في إشارة إلى إعلان المبادئ)، ورطت مصر في أزمة مصيرية لا يمكن لأي مسرح ولا مفاوضات دولية حلها.

وفي مارس/آذار 2015 وقّع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، اتفاقية إعلان المبادئ في الخرطوم، والتي يقول معارضون إنها أعطت الشرعية لسد النهضة وتمكنت عبره أديس أبابا من تمويله دوليا.

وفي تصريحات متلفزة قبل أيام، دافع وزير الخارجية المصري سامح شكري عن اتفاق المبادئ، وقال إنه "حافظ على حقوق مصر المائية"، موضحا أنه من دون اتفاق إعلان المبادئ لا يوجد أي التزام على إثيوبيا ليقاس مدى التزامها أو مخالفتها.

وتابع الوزير أن "اتفاق إعلان المبادئ وضع شروطا لعملية الملء والتشغيل ومسار الوصول إلى اتفاق، وإثيوبيا لم تراع ذلك ولم تلتزم به".

المصدر : الجزيرة